أذكر أنني في العام الأول لدخول الجامعة في المملكة الأردنية الهاشمية في 1992، كان مقرر علينا "الدستور السياسي الأردني" وكان الدكتور أمجد الحداد هو الذي يدرس المساق، وقد حصلت على أعلى درجة بين الطلاب، ويومها قرر أن يأخذني في رحلة بحث الى جريدة الرأي الأردني، ومن أحاديثه معي أن سألني ذات مرة هل كنت تقرأ الجريدة في غزة، وكيف كنت تقرؤها وأي الصفحات التي تبدأ بها وأيها لا تفتحها، يومها قلت له أنني أقرأ الجريدة يوميا ، وكنت أرسل بعض القصاصات لمجلة البيادر السياسي، وكانت تنشر لي، وأنني أهتم بأخبار الانتفاضة، وأقرأ الصفحة الأخيرة لأن فيها منوعات وكاريكاتير، وضحك أستاذي وقال لي توقعت ذلك، وبدوري ابتسمت وسالته، هل من خطأ، قال لا، ولكنك لن تستطيع قراءة ما يفكر به العالم من حولك، وستبقى في محيط المحلي ، ونصحني بأن أقرأ كافة الأقسام وألا أهمل قسم ولا بأس من التركيز على قراءة المقالات والتحليلات السياسية، وحينا وجدني أستغرب مما يقول، قال لي لكي تقرأ أفكار الغير وتوجهاتهم وميولهم .
اليوم أجد هناك من ينتظر قراءة مقالاتي والبعض يبدأ في النقاش والآخر ينتقد، وهكذا، فالكتابة تمنحنا القدرة على مشاركة مجتمعنا اهتماماته وقدرته على القراءة والنقد والنقاش وبالتالي يجب الاستفادة من كل ذلك، فكل كلمة تقال امامك يجب أن توظفها في مكانها الصواب والذي يمكنك البناء فيه، وستجد نفسك مع الوقت أمام شخصية جديدة تدخلك عوالم مختلفة، وحقيقة انني اليوم بأمس الحاجة أن أقرأ ترجمة مقالات تكتب بلغات مختلفة، وذلك لأنه في ظل الهجمات الشرسة على عالمنا العربي والاسلامي وفي ظل وقوعنا في منتصف طريق التفتيت الذي يتنقل من منطقة لأخرى، أرى أن المثقف العربي يجب أن يكون قادرا على نقل أفكاره وزراعتها في القرَّاء العامة قبل الخاصة، وتدعيمها بما ينشر هناك في بلاد تتدعي الديمقراطية في بلادها وتمارس كل ما لا يمت للانسانية بصلة فوق أرضنا العربية، لأن أطفالنا قبل الكبار يتساءلون عن الغرائب في عالمنا، هناك من يدعم الحرية في مكان ويدعم الظلم في مكان آخر، وكأن البشر مقسمين بين مَن ولدوا ليموتوا مبكرا بالحرق أو الدمار أو الاعدام كما يحدث في فلسطين، وبشر ولدوا لكي يتمتعوا بالرفاهية ويكنزوا من ثمن القنابل التي تقتل البشرية في أماكن أخرى كما في البلاد التي تدعم (اسرائيل) .
ومضة: إنّ قلم الكاتب على الورقة يشبه إبرة الطبيب في جسد المريض، نحتاج إلى الألم الذي يسببّانه حتى نشعر بالراحة.
ملاحظة: استطاعت مواقع التواصل الإجتماعي أن تصل الى كل مكان بأقل جهد وأقصر وقت، نحتاج فقط الى قاريء قادر أن يفسر الأمور ويزيل الغشاوة عن بعضها، ليبزغ فجر الحرية من ليل شديد الظلام مليء بالظالمين .
بقلم د.مازن صافي