تعتبر المحسوبية والواسطة إحدى مظاهر الفساد المتفشية في بعض الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية والغير حكومية، والتي تتمثل من خلال قيام أشخاص عاديين من داخل هذه المؤسسات بالتوسط بين أفراد من خارج تلك المؤسسة سواء كانوا أقارب أم أصدقاء أو جيران أو أنسباء أو غيرهما من العلاقات الإجتماعية، وبين المتنفذين والمسؤولين ومدراء هذه المؤسسات، بغية الحصول على وظيفة او مصلحة او منفعة معينة أو إمتياز معين بشكل تفضيلي، أي يتم تمييزهم وتفضيلهم على سائر أفراد المجتمع المستحقين لتلك الخدمات والحقوق والإمتازات على السواء، في حين أن التفضيل في بعض الإمتيازات كالتعيين على سبيل المثال ينبغي أن يكون على أساس الكفاءة والنزاهة بشكل أساس، وليس للقرابة او الجيره او النسب او العلاقات الإجتماعية دخل في تحديد الشخص الذي يجب أن يشغل الوظيفة المعينة.
داء هذه الظاهرة استشرى بشكل كبير في الوطن كداء الفساد، ففي الهرم الحكومي من قمته الى واديه تجد هذا الامر حاضرا بل وفارضا نفسه بقوة في الوجود وحتى الكيان الاجتماعي للشعب تراه موجودا فالكل يسعى وراء منفعة المقربين له ومن ثم التفكير في المصلحة العامة، فمثلا في التعيينات في الدوائر الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، تجد هذا الامر حاضرا وبقوة فبمجرد توفر النية لإطلاق أماكن شاغره للوظائف في وزارة او مؤسسة او دائرة ما، يأخذ المسؤول اولا ومن ثم اصحاب القرار في تلك الدائرة في التفكير في افادة الاقارب والاحباب اولا، ومن ثم يبدأ التفكير اخير ا بأصحاب الكفاءات والخريجون من اصحاب الاختصاص، وإذا ما زاد شيء من تلك الأماكن الشاغرة توزع على المتقدمين لتلك الوظائف، وما المحاولات البائسة للقضاء على هذه الظاهرة من قبل الحكومة بتحول التدريجي للتقديم للتعيينات وعبر المواقع الالكترونية والتي تسعى الحكومة لسير بتطبيقها وبشكل اوسع، الا ان الظاهرة لا زالت موجودة وبقوة في الساحة والسبب ان القائمون على الاختبارات لتلك الوظائف ليسوا بملائكة من السماء، وايضا يوجد من يستطيع التأثير على قرارهم والتدخل فيه وبل اكثر من ذلك فرض القرار النهائي على تلك اللجنة، وبكل تأكيد يكون القرار فيه المداهنة والمجاملة وحتى المحسوبية متوفرة، فهل يعقل ان يكون هناك نوع من التنافس بين ابن وأحد اقارب السيد الوزير او المدير العام وبين مواطن من خارج الوزارة او المؤسسة وإن كان صاحب شهادة او حتى كفاءة وبالتأكيد شتان ما بين المثلين .
اليوم في الوطن اصبح معيار وميزان الحصول على وظيفة حكومية اذا ما وصلت اخبارها الى عامة الشعب هو (الواسطة ) او المادة اي (الرشوة ) وليس الكفاءة او الشهادة الاكاديمية وهذا في حال الوظيفة الشاغرة الجديدة، واذا ما اراد المواطن السؤال عنها فأنه يسمع الجواب من الواقفين في الباب الخارجي لتلك المؤسسة او الدائرة، وليس من موظف من داخلها معني بهذا الشأن، ودائما يسمع المتقدم لتلك الوظائف جواب واحد فقط ليس غيره وطيلة ايام السنة (ما في تعيينات ولا وظائف في الوقت الحالي) واذا وبعد ايام قلائل يتفاجئون بتعين سين من الناس في هذه المؤسسة وطبعا عبر الطريقتين السابق ذكرهما وبقدرة قادر.
لا ندري متى يتغير الحال ومتى يحدث ما يتمناه أي شاب وهو ينهي دراسته ويشد الرحال في الحياة من اجل بناء مستقبله والذي يكون مظلما ومجهولا طالما هو في مراحل الدراسة ويبقى ضبابيا بعد التخرج وبدل تفكير الشاب في بناء مستقبله فأن الوضع القائم قد يجعله يفكر في السير في طرق غير صحيحة من اجل جمع المال لبناء المستقبل، حتى قيل إن من لا واسطة لديه، لا وظيفة لديه، ومن لا واسطة لدية لا تنجز معاملته بشكل سريع وبدون عراقيل!!
خلاصة القول إن كنا نريد ان نكافح تلك الظاهرة يجب علينا قبل كل شي، أن نخلق رأياً عاماً رافضاً لتلك الحالة، من خلال إعادة بناء وتشكيل القيم والثقافة المجتمعية، لتكون تلك القيم والثقافة محاربة للفساد بدلاً من أن تكون حاضنة وراعية للفساد كما هو الحال الآن، إذ أن هنالك العديد من الظواهر الإجتماعية المصنفة من ضمن سلوكيات الفساد، ولكنها مستندة على أرضية واسعة من القيم والتقاليد الإجتماعية الحاضنة لها، وعلينا أيضا أن نقوم بإعادة تنظيم وترتيب القيم الإجتماعية وإدخال بعض القيم الحديثة التي تنبذ الفساد كقيم حقوق الإنسان والعدالة والمساواة وغيرها من القيم التي تساعد المجتمع على النهوض وإزالة غبار التقاليد البالية التي أصبحت حجر عثرة أمام التطور والتقدم في شتى المجالات، وبالجانب المقابل يجب أن يصار إلى دعم وتحفيز تلك القيم الإجتماعية السليمة التي تنبذ الفساد بكل أشكاله، فكما أن هنالك قيماً إجتماعية حاضنة للفساد، هنالك قيم رادعة ومحاربة للفساد.
بقلم/ رامي الغف*
*الإعلامي والباحث السياسي