رغم هدوء "العاصفة" النسبي التي تزامنت مع إسقاط الطائرة الروسية، إلا أن العديد من الأسئلة لم يتم الرد عليها بشكل قاطع، أو كانت الأجوبة التي أعطيت في كثير من الأحيان غير مقنعة، ولم تشف غليل الكثير من المهتمين حول العالم.
يبدو ان الرئيس التركي استطاب التدخلات التي يقوم بها منذ أعوام في شؤون الدول المجاورة، خاصة سوريا والعراق، بحيث اعتقد ان بإمكانه ان يضرب ذات اليمين وذات الشمال، دون ان يتلقى أي رد على ممارساته، علما بأننا لم نره يتخذ موقفا قاسيا ضد دولة الكيان الصهيوني،برغم كل التهديدات، بعد عملية مرمرة والتي قتل وجرح فيها العديد من المواطنين الأتراك، برغم كل التهديدات التي سمعناها.
ربما اعتقدت تركيا ان ردة الفعل الروسية على العملية لن تكون بالشكل الذي كانت عليه، وهذا ما دفع أردوغان ان يعلن صراحة انه "يندم" على فعلته، وانه حاول الاتصال بالرئيس الروسي دون جدوى، فقد سدت الأبواب في وجهه، كما ان العديد من المسئولين الأتراك صرحوا تصريحات تنم عن شعور مماثل، خاصة بعد ان بدأت روسيا باتخاذ قرارات ضد تركي تتعلق بالسياحة والعمالة وسواها، كمقدمة لسلسلة من الإجراءات العقابية الأخرى، وهذا يعني ان خسارة تركيا ستكون كبيرة، لا بل كبير جدا بكل المقاييس.
يُعتقد بأن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كان يرغب في "جر" حلف الناتو وتوريطه في أية أزمة قد تنشأ بين روسيا وتركيا، في محاولة لتعزيز دور تركيا في هذا الحلف وسحبه بشكل أو بآخر باتجاه الموقف أو الخندق التركي. إلا ان الحسابات التركية لم تكن كما اشتهى اردوغان، حيث ثبت بان "غزوة" الطائرة الروسية، لم تكن موفقة، ووجدت تركيا نفسها وحيدة في مواجهة الغضب الروسي.
حسابات الحقل التركي لم تتواءم مع البيدر الروسي، ولم يحاول ساسة تركيا استخلاص العبر من أحداث عديدة حصلت في الإقليم وعلى مقربة من بلادهم، فهم لم يستفيدوا من تَجْرِبَتَيْ أوكرانيا وجورجيا، اللتان كان يمكن لو تم الأخذ بهما، تلافي كل ما جرى وان تشكلا لتركيا رادعا يمنع إسقاط الطائرة. خاصة وانه ثبت بما لا يدع مجالا للشك، ان "القيصر" يسير بخطى ثابتة لتعزيز دور بلاده، كما والعمل على استرداد الموقع الريادي والقيادي الذي كان الاتحاد السوفييتي يمثله في العلاقات ولازمات الدولية، وانه يسعى إلى إنهاء حقبة أحادية القطبية العالمية التي ظهرت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والتي جعلت من أمريكا "سيدة" العالم بدون منازع.
الموقف التركي اللاحق "بعد ان راحت السكرة" بدأ ينحو منحى العقلانية أو التعقل، وان ما تم فعله لم يكن سوى إحدى "شطحات" اردوغان، والتي أثبتت أنها قفزة في الهواء أدت إلى سقطة "موجعة"، ربما هذه المرة لم تكسر الرقبة لكنها بالضرورة تسببت في العديد من الكسور التي ستكون بحاجة إلى معالجات قد يطول وقتها.
عندما ستدرك تركيا ذلك، تكون عقارب الساعة قد تقدمت على الأرض في سوريا باتجاه لا يرغبه اردوغان، خاصة وان هنالك إصرار روسي على إنهاء الوضع القائم في سوريا وبأسرع وقت ممكن. وفي ظل انكشاف للدور الذي مورس من قبل تركيا في كل ما يتعلق بعلاقاتها مع داعش، سواء من خلال ما يقال عن تسهيل تهريب الأسلحة والمعدات اللازمة للتنظيم، وتسهيل دخول "المقاتلين" وتجارة النفط، وغير ذلك من أعمال طالما حاولت تركيا التنصل منها.
من الجيد ان يعرف الرئيس التركي انه قد ارتكب خطأ في "غزوة" الطائرة، لكن من "الأجود" لو انه يعترف أيضا بكل الأخطاء التي ارتكبها بحق جيرانه العرب، خاصة وان الاستمرار في الخطأ لن يؤدي إلا إلى مزيد من الأخطاء وبالتالي الوقوع في الخطيئة، التي لا احد يعلم كم هو ثمنها وكيف سيدفع وأين ومتى ومن سيدفعه.
بقلم/ رشيد شاهين