لن يتصالح الفلسطينيون حتى بعد عباس والقوة سيدة الموقف !!

بقلم: طلال الشريف

ليس تشاءما ولا غضبا أو نزقا بل قمة العقل في فهم فقدان الأمل بالحيثيات والوقائع وبعد كل هذه السنوات العجاف فالذي ثبت ويثبت للجميع بأننا شعب وقادة وفصائل لسنا بمستوى المسؤولية الوطنية الحقيقية والمناسبة لقضيتنا وتلك صفة لا ندعيها إدعاءا بل ثبتتها الأيام فقد عملنا وعمل الجميع الفلسطيني طوال العقدين السابقين على اثبات هذه الحقيقة فنحن تخلينا أو تغيرنا كثيرا ولم يعد لنا "عقل فلسطيني منظم كجماعة من الناس" وربما فعلت الأحداث والتطورات في مراحل نضالنا فعلها وإن كان لدينا جزء من عقل منظم سابق قبل نشوء السلطة الوطنية فقد انتكس هذا العقل المنظم في العقدين السابقين بشكل غير متوقع وغير ما كان يجب أن يكون عليه في مرحلة تعد من أخطر مراحل القضية الفلسطينية التي كنا نتصور عاطفيا بأننا في مرحلة بناء دولة وتقرير مصير.
كيف ولماذا حدث ذلك؟
حدث في أمم وشعوب كثيرة ما يحدث لنا في مراحل تحررها حين ترتبك الشعوب ونخبها وسياسييها وقادتها بفعل غياب العقل المنظم وما العقل المنظم إلا وضع الرؤية والهدف والخطة والأدوات وقبل كل ذلك حسابات الظروف والمفاجآت وما هو غير متوقع وقبلها جميعا قراءة الشخصية الفلسطينية وثقافة المجتمع وتطورات هذه الشخصية ومكامن القوة والضعف لديها ومآل حركتها واتجاهها.
كنا نتوقع أن تكون لدينا كل هذه الأشياء وكنا نتوقع أن تكون أكثر اتقانا لدينا من باقي الشعوب بعد مائة عام على الصراع مع اسرائيل ولكن ما حدث ويحدث يحتاج قراءة جديدة عنوانها أن جميعنا يجمع على حاجتنا للمصالحة فيطالب بها ويقول انه يعمل لها ولكن لا تأتي المصالحة ولن تأتي لغياب العقل المنظم رغم ادعاء الجميع الفلسطيني بأنه واع ويفهم الحيثيات ويجادل بعضه بعضا حتى يخيل لنا أننا جهابذة العقول وأكبر لأحرار ونعم الثوار على هذه البسيطة وهذه مشكلة أخرى أو مرض آخر أو غياب آخر لبعض العقل المنظم.
هل تكوين أحزابنا وفصائلنا وبناء برامجها وشخصياتها وعناصرها وسلوكها كان أو هو كائن بشكل سليم ويناسب الهدف ؟
هل ما يحدث من تراكم نضالي وتطور اجتماعي هو للأمام أم للخلف؟
كيف حدثت كل الاخفاقات والخسائر وفقدان البوصلة وآخرها الانقسام ؟
ولماذا لم تحدث ولن تحدث المصالحة الآن وغدا وحتى بعد عباس؟
وأخيرا هل القوة المغامرة هي حالتنا الطبيعية للزمن القادم ؟
والحديث فقط في النقطتين أو السؤالين الأخيرين يلخص تاريخا ساطعا ومازلنا بصدد الوصول لمراحله المتبقية ولذلك قلت العقدين السابقين ونحن نسير في العقد الثالث من نشوء السلطة الوطنية.
لم تحدث مصالحة ولن تحدث لأن ما جرى هو نتاج من غياب جدران الحماية للعقل الفلسطيني الذي ثبت أنه غير المنظم فالتنظيم شلفقة وشخوصه لا يحملون ثقافة توصل للهدف وكل من انضم إليه في العقدين الماضيين جاء لمصلحة أدنى من قضية تحرر وخلاص من الاحتلال وتدرجت القيادات به على حب الذات والمصلحة وانحرفت حتى القيادات الأقدم بفعل الاحساس الفالصو بأننا في طريقنا للتحرر وعلينا تأمين وسائل العيش الكريم وغير الكريم في مرحلة تصورها البعض مرحلة جلب المغانم وهذه حقيقة واضحة للجميع ومظاهرها البذخ والمال السياسي والقصور والاستثمارات وآخرها السيارات الحديثة ومظهرها التنظيمي الأخطر هو مركزة رأس المال وجباة المال السياسي والمحاسبين والماليات ومسئوليها الذين أصبحوا محور ومركز التنظيمات وهم القادة الحقيقيين لها فانحرفت البوصلة لدى العنصر والقيادي نحو مركز المال.
ظهرت مراكز قوى جديدة في التنظيمات والسلطة تتمثل بالإعلام والصحافة ودوائر الثقافة الفارغة من المضمون الثوري والتعبوي المطلوب لتحقيق الهدف.
الأخطر الأخطر تنامى فعل المال السياسي الخارجي وتأثيره في توجه الاحزاب والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وانتعشت الموازنات فكان الانحراف الثاني الكبير للعقلية غير المنظمة نحو الهدف رغم أنها أصبحت عقليات منظمة جدا نحو المال السياسي والسرقة والاحتكار والاستثمار وتكبير الأرصدة الشخصية والحزبية حتى باتت الاحزاب والمؤسسة الحكومية وغير الحكومية تمارس التجارة علنا وتتمحور حول مشاريع ربحية وكأنها شركات تجارية أو قل هي أصبحت شركات تجارية تمتلك الأراضي والعقارات والفنادق والأبراج ووسائل الاعلام بكل أنواعها ولا تخلو أيا منها من التجارة ولذلك تسمع في اذاعاتهم أغنية وطنية للحدث وفواصل اعلامية تجارية بعيدة عن الهدف من وجودها أصلا وكثير من المجالات يضيق المكان لذكرها مثل تجارة الجامعات والمستشفيات والمدارس ومحلات الصرافة والمولات والمحلات التجارية وتغير المواطن والمسئول عن الطريقة والهيئة الأولى لبدء طريق العمل النضالي أو السياسي وتغيرت المقاييس فأصبح الغفير يقود الوزير والجاهل يقود العالم بسبب مركزة القوة التي في الأصل تكمن في المال السياسي.
من هنا تداخلت المصالح والنفوذ وأصبح لكل مملكته المالية ولكل حزب سجل تجاري يتاجرون بالمواطن وبالوطنية من أقصى اليمين لأقصى اليسار الجغرافي وليس السياسي لأنه لو كنا ندرك اليمين واليسار السياسي لما تغيرت العقول نحو العقل غير المنظم في اتجاه هدفنا الوطني ولكنا لم ننقسم بالمال السياسي فقسمنا الوطن والمواطنين.
ومادامت حالتنا الفلسطينية ملعبا للجميع من أصغر داعم سياسي لأكبر مركز للتجسس لكل بقاع الأرض والاحتواء بتأثير المال السياسي الذي وجد تربة خصبة في بلادنا فلا غرابة من نشوء جماعات وأحزاب ومجموعات وعصابات المال السياسي والاحتكاري التي تتحكم في حالتنا الفلسطينية ولعل النموذج الأول للانقسام بالقوة في غزة هو مستقبل كل هذه المكونات المجتمعية الفلسطينية الجديدة فالصورة القديمة للجميع انتهت وغادرت أرضنا إلى غير رجعة ومن لدية المال والسلاح سيستولي على الوطن أو جزء منه في الزمن القادم ومن هو أقوى من الآخر يهزمه إن كان حزبا أو عصابة أو شخصا ولذلك لن تحدث مصالحة وستتفتت مناطقنا ولن تعود لنا سلطة مركزية كما كان وكما كنا نتوقع بعاطفتنا وعقلنا غير المنظم الذي لعب به المال والخارج وإسرائيل والدول المتداخلة في قضيتنا وما أكثرها بأجهزتها المالية والاستخبارية حتى يعود مقياس العقل لمن عندهم عقل حاسما في الفرز الجميل بين الفهلوة والعقل المنظم الواعي بقضيته وهدفه وهذا سيأخذ جيلين أو ثلاثة أجيال للأسف الشديد فما حل بعقولنا لن يتغير في زمن قريب.

د. طلال الشريف
3/12/2015م