"حل الدولتين" هو البداية فقط، وبعده التعويضات !!

بقلم: عماد شقور

للفلسطينيين مصلحة اكيدة، في التوضيح لانفسهم وللاسرائيليين وللعالم، ان "حل الدولتين"، هو نقطة البداية فقط لحل وانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وليس خط النهاية باي حال من الاحوال.
لكن التحدّث بهذا الشكل الواضح والصريح، لا يجعل امكانية التوصل الى حل مع الاسرائيليين اكثر صعوبة. عكس ذلك تماما تماما هو الصحيح. حيث ان اثارة موضوع التعويضات لا يلغي اي حق فلسطيني آخر، ويوضح للاسرائيليين من جهة ثانية، اننا نسعى لبناء دولتنا واقتصادها القوي، وليس لتدمير دولتهم.
ذلك ان في اسرائيل، معسكرين اثنين، لكل واحد منهما وجهة نظر مختلفة عن الثانية. ففي حين تقول احداهما، وهي لليمين المتطرف، واليمين الاكثر تطرفا، ان الصراع مع الفلسطينيين هو "صراع غير قابل للحل"، ولذلك يجب التركيز بالكامل على اتقان فن ادارته، (ليس حله)، وعلى تعويد الناس التعايش معه، والبقاء الى الابد "ممتشقين السيف"، كما قال نتنياهو قبل اسابيع؛ تقول وجهة نظر الاسرائيليين الآخرين: ان الصراع مع الفلسطينيين قابل للحل، واسهل الطرق لذلك هي "الطلاق"، المتعارف على تسميته بلغة سياسة ايامنا هذه "حل الدولتين".
هذا الطرف الاسرائيلي المعتدل (!!!)، عبّر عن قناعته في حينه، من كان رئيسا لحكومة الاحتلال، ايهود براك، عندما صاغ موقفه باربع كلمات، اشبه ما تكون بكلمات شعار، بقوله: نحن هنا، وهم هناك!. واذكر في حينه ان عُقِد "مؤتمر رام الله الاول"، عام 2003، تحت عنوان "عشر سنوات على اتفاق اوسلو"،اذكر انني قلت خلال مشاركتي في ذلك المؤتمر، ردّاً على "شعار" باراك: نحن هنا، ونحن هناك، ونحن هنالك ايضا. بمعنى: ان لفلسطينيي هنا، احتلال 48 حقوقا، هي في المساواة اساسا؛ وان لفلسطينيي هناك، احتلال 67 حقوقا، هي في التحرر من الاحتلال اساسا؛ وان لفلسطينيي هنالك، اللاجئين والنازحين خارج ارض الوطن فلسطين حقوقا، هي في العودة اساسا، وان لجميع هؤلاء، دون استثناء، حقوقا هائلة في التعويض.
يدفعني للتركيز على هذا الموضوع الان، تخصيص بنيامين نتنياهو كلمته في افتتاح جلسة الحكومة الاسرائيلية الاسبوعية صباح الاحد الماضي، 29 نوفمبر، للاحتفاء بمرور 68 عاما على قرار التقسيم، الذي "ركّز"، حسب نتنياهو، على اقامة "دولة يهودية"، متناسيا ومتستثنيا كل ما في ذلك القرار من نصوص وفقرات، تضمن للفلسطينيين "شيئا" من حقوقهم، سلبت اسرائيل الجزء الاكبر والاهم منه، وما تزال.
نتنياهو، الذي يرى في الحاج امين الحسيني، مسؤولا عن حرق ملايين من يهود اوروبا، (ولا استغرب ان ياتي يوم يتهم نتنياهو فيه اسماعيل، جد العرب، بتحريض والده ابراهيم الخليل على حرق ابنه الاصغر اسحق، جد اليهود)، معروف بمنطقه الاعوج، وهذا ليس غريبا عليه. لكن الغريب هو ان قيادة الشعب الفلسطيني، بل قيادات الشعب الفلسطيني، منذ نكبة العام 1948 ولغاية الان، لم تفتح ملفات الحقوق الفلسطينية جميعها، بشجاعة وبصراحة و وبوضوح، ولعل هذا هو احد الاهم بين اسباب استمرار نكبتنا كل هذه العقود، المشبعة بالعناء والدم والدموع.
"حق العودة" مقدس. لا جدال بيننا حول ذلك. لكن: لا يكفي ان تلحق كلمة "مقدس" بحق العودة، لكي يصبح هذا الحق امرا مطبقا على ارض الواقع، او حتى قابلا اكثر للتطبيق. تطبيق "حق العودة" يعني بالنسبة للاسرائيليين زوال "دولة اسرائيل"، ولا اعتقد ان في العالم عاقل حكيم واحد، يسعى لاجراء "مفاوضات" مع دولة حول ازالتها. ثم: في اللغة العربية لكلمة "حق" معنيان: حق، بمعنى ما هو مُلك لك من املاك منقولة وغير منقولة، وما هو لك بموجب الشرعية والمنطق السليم. اما المعنى الثاني لكلمة حق، فهو َثمَن. فهل يملك الفلسطينيون "ثَمَن" ازالة اسرائيل؟ هل نملك من الاسلحة التقليدية والاسلحة الذرية والتحالفات في عالم اليوم، ما يمكننا من دحر اسرائيل وازالتها، في الوقت الحاضر او في المستقبل المنظور، او حتى في "ما بعد بعد" المستقبل المنظور؟؟
مرة اخرى، لكن: بين المطالبة الجدية بحق العودة ، والعمل على تطبيق ما يمكن منه على ارض الواقع من جهة، وبين التنازل المجّاني عن حق الافراد والورثة وعن حق الشعب ككل من جهة اخرى، مسافة تقاس بسنوات ضوئية.
اذكر في هذا السياق انني شاركت، كعضو في المجلس الوطني الفلسطيني، ونائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية ( الراحل الكبير خالد الحسن)، في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي، الذي عقد في العاصمة الكندية اوتاوا، في ثمانينات القرن الماضي، وتصادف ان التقيت، على هامش المؤتمر، لبضع دقائق مع حاييم رامون، عضو الكنيست في حينه، ووزير الداخلية في حكومة رابين وبعض الحكومات الاخرى، وبعد التعارف السريع، طرحت عليه فكرة ان نبادر، هو وانا، كلٌّ من موقعه، الحشد لاصدار بيان مشترك عن البرلمانين، الكنيست الاسرائيلي والمجلس الوطني الفلسطيني نقول فيه: يعترف الاسرائيليون بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى بيوتهم واراضيهم وممتلكاتهم في ارض اسرائيل، ويعترف الفلسطينيون باستحالة تطبيق كل ذلك على ارض فلسطين، دون تدمير اسرائيل، الامر الذي لن يقبله الاسرائيليون، وهو في الوقت ذاته ليس الهدف الذي يريده الفلسطينيون. لذلك، يدعو الكنيست والمجلس الوطني الفلسطيني، حكومة اسرائيل واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الشروع في مفاوضات جادة للتوصل الى معادلة تضمن حل هذه المشكلة المعقّدة، آخذين بعين الاعتبار ما ورد اعلاه. وبعد لحظات تفكير وافق رامون على هذه الصيغة. كتبت، بسرعة، فحواها على ورقة من اوراق مؤتمر اوتاوا ووقعتها، لكن رامون رفض توقيعها، متعللا بانه يريد اعادة التفكير والتشاور، كي لا يورط حزبه ويخسر هو عضوية الكنيست.
لفتح ملف التعويضات فوائد ومنافع كثيرة للغاية، وفيها مخاطر كثيرة ايضا، اولى تلك المخاطر واسوأها الأتهام بالتخلي عن "المقدس". لكن القيادة الوطنية الصادقة مع نفسها ومع شعبها، تتولّى هذه المسؤولية، مسؤولية القيادة، لكي تقود الشارع لما فيه مصلحة الشعب، لا لكي تنعم بمنافع ومِتَع السلطة فقط، وتترك للشارع ان يقودها.
من اهم منافع وفوائد فتح ملف التعويضات، والعامة منها أوّلا، انها تجعل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي قابلا للحل في نظر الاسرائيليين، رغم كل خزعبلات وشطحات نتنياهو وامثاله من غلاة اليمين والعنصرية. وهو يجعله في نظر الفلسطينين صراعا قابلا للحل، وباقل الخسائر، رغم اتقان المزاودين فن كتابة الشعارات بالوان زاهية وخط طُغري جميل، على غرار الفرمانات العثمانية، وتثبيت الصاقها على ميدان المنارة في رام الله، وغيره من الميادين.
لا يملك الفلسطينيون قدرة تهديد "اسرائيل"، لا الان ولا في المستقبل المنظور ايضا. لكن الفلسطينيين يملكون، بجدارة وبشجاعة عز نظيرها فعلا، تهديد "الاسرائيليين"، وشل حياتهم ورفاهيتهم. فسكّين فتاة القدس الوطنية الشجاعة، لا تهدد قائد طائرة اسرائيل، ولا مفاعلها النووي. انها سكين تُهدد رفاهية واطمئنان ابنة وزوجة قائد الطائرة التي تَرى ولا تُرى، وتهدد جارة وابن جار المهندس النووي في ديمونا.
واجب قيادة العمل الوطني الفلسطيني الاول والاهم، ترجمة قلق وخوف وعدم اطمئنان الاسرائيليين، الى جملة عبرية مفيدة، تُلزم قائد الطائرة ومهندس ديمونا وفوقهما نتنياهو، بالانضباط، والعمل على تحقيق الأمان والاطمئنان لمن جعلوا منه رئيسا لحكومتهم.
٭ كاتب فلسطيني

عماد شقور