إسرائيل تتفوق بالعقاب الجماعي

بقلم: رجب أبو سرية

من يتابع أو حتى يراقب سلوك دولة إسرائيل خاصة تجاه الشعب الفلسطيني الذي يقيم في وطنه الذي تحتله إسرائيل منذ نحو خمسين سنة، لا يكاد يفرق بينها وبين أية جماعة أو مجموعة سياسية متطرفة، تمارس شتى أشكال وأساليب تعذيب البشر الذين يقعون بيدها أو تحت رحمتها، ونقصد بذلك جماعات من أمثال "بوكو حرام"، داعش، وغيرها من جماعات التشدد والتطرف، بدافع سياسي مظهره ديني.

ويبدو انه كلما وقعت حكومة إسرائيل تحت تأثير المتشددين والمتطرفين من اليهود المتدينين والمستوطنين، تحولت إلى دولة ذات ممارسات "داعشية"، حيث أن إسرائيل "وبالجملة" أو بشكل عام، لا تزال ترى في المواطنين الفلسطينيين المقيمين على ارض وطنهم في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة "بشرا" ليسوا فقط بلا حقوق سياسية، تؤهلهم أن يمارسوا حقهم في تقرير مصيرهم، بإقامة دولتهم الخاصة بهم، وحسب، بل وبلا حقوق مدنية، أو على أقل تقدير لا يتمتعون بنفس الحقوق المدنية أو الإنسانية التي تمنحها، لأناس أقاموا دون وجه حق، بل وبشكل اغتصابي / احتلالي على ارض الغير، لذا فان حياة الفلسطيني لا تتساوى بحياة المستوطن اليهودي، الذي جاء ليزاحم الفلسطيني في لقمة عيشه وفي أرضه، فإن اختلفا أو تقاتلا، فان الجيش والأمن وكل أدوات الدولة الإسرائيلية تتجند لنصرة المستوطن ولقتل الفلسطيني.
الفلسطيني متهم دائماً، فيما المستوطن بريء دائما، لا يقتل، بل ولا حتى يسجن القاتل والحارق من المستوطنين، للبشر وهم أحياء، فيما يقتل أو يعدم ميدانيا الفلسطيني لمجرد الشبهة وأحيانا، تلفق له الشبهة، بإلقاء السكين إلى جانب جثته، في الوقت الذي فيه المستوطنون فضلا عن الجنود مدججون بالأسلحة الرشاشة والقنابل، فيما الفلسطيني، في أحسن أحواله يستل سكينا!
كلما احتدت المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، "توحشت" إسرائيل، وظهرت حقيقتها العدوانية، وهكذا يمكن قراءة إقدام إسرائيل كدولة وكاحتلال وكمستوطنين على إحداث كل هذا القتل في صفوف الفلسطينيين، لمجرد أنهم يعلنون عن ضيقهم من احتلال طالت سنونه، وعن طبيعة هذا القتل وأشكاله، وما يرافقه من سلوك يندى له الجبين.
إضافة لجرائم الإعدام الميداني التي طالت أكثر من مئة شهيد فلسطيني خلال شهري تشرين الأول، وتشرين ثاني الماضيين، أكثر من ربعهم أطفال دون الثامنة عشرة، لم يكن واحد منهم "مفخخا" أو عبارة عن قنبلة بشرية، كما انه كان بالإمكان السيطرة على معظمهم أحياء، دون أن يهددوا حياة الإسرائيليين، حتى من يتم طعنه، فانه في الغالب يصير جريحا، وقليلا ما يكون قتيلا، أقدمت إسرائيل على إصابة نحو ثلاثة آلاف شخص، وأكثر من خمسة آلاف معتقل، بهدف احتواء الهبة الشعبية، أي دون أي مسوغ قانوني، ولكن بدوافع سياسية، مشكلتها أنها تدافع عن احتلال غير شرعي، بل عن احتلال مجرم، آن له أن ينتهي اليوم قبل الغد.
تضيف إسرائيل التي تبتكر دائما، وخلال كل حلقة مواجهة مع الشعب الفلسطيني وسائل وأشكالا جديدة للقمع والقتل والعقاب الجماعي، هذه الأيام، لجملة جرائمها التي ما عرفها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من مئة عام، إلا بها، جريمة احتجاز جثامين الشهداء.
وحيث انه في عرف الدين الإسلامي الحنيف، أن إكرام الميت دفنه، فان إكرام الشهيد يتضاعف، وحيث أن الرسول الكريم (ص) أوصى أتباعه بالإسراع في دفن الميت، فان احتجاز إسرائيل لجثامين الشهداء، يعتبر تحديا كبيرا لمشاعر المسلمين، وإهانة بالغة لذوي الشهداء ولمجمل الشعب الفلسطيني.
وبالطبع هي تظن بأن تشييع جثامين الشهداء يشعل الغضب، وكانت في الانتفاضة الأولى، تفرض أن يتم دفن الشهداء من قبل نفر قليل من الناس خشية أن تتحول مراسم التشييع إلى تظاهرات حاشدة تندد بها كدولة تمارس القتل بحق المنتفضين، ممن يلقون الحجارة، لكن إسرائيل التي باتت دولة لا ترى ابعد من قدميها، تتجنب النار اليوم لتلتقي بالجحيم غدا، وتتجنب الريح اليوم، لتواجه الإعصار غدا، ذلك أن احتجاز جثامين الشهداء يشعل نارا اشد في صدور الفلسطينيين، ليس فقط من ذويهم، بل من كل أفراد هذا الشعب أينما كان.
لا تفصح إسرائيل بالطبع عن دوافع أخرى، فيها من الخسة الشيء الكثير، حيث اعترف أطباء إسرائيليون بسرقة أعضاء الشهداء، الذي يقتلون وهم في ريعان الصبا والشباب، ويموتون وهم أصحاء، وأعضاؤهم قوية وفتية، وذلك يعني بان إسرائيل باتت دولة تمارس أفعال قطاع الطرق واللصوص، الذين فقط لا يتحلون بأخلاق البشر، ولكن يتميزون بأخلاق القتلة واللصوص.
وإسرائيل باحتجازها جثامين الشهداء، تمارس العقاب الجماعي بحق أهلهم وذويهم، فمن المعروف بأن الحزن يظل مقيما في بيوت ذوي الميت إلى أن يدفن ويؤخذ عزاؤه ثلاثة أيام، ثم تمضي الحياة، لكن إبقاء الحالة هكذا، يفرض حزنا مقيما على بيوت الناس، بما يجعل الدماء تغلي في الصدور.

رجب أبو سرية
2015-12-04