هنا حديث عن داعش والرأسمالية وأفغانستان وباريس 2005 وسوريا و روسيا وباريس 2015 ومؤتمر المناخ مرورا بمؤتمرات السكان والمرأة والفقر كلها حملها قطار مركزه رأس المال من أفغانستان مرورا بالعراق والخليج إلى سوريا وتركيا.
_ العولمة في تلخيصها الاقتصادي هي "مركزة رأس المال" وهي استعباد البشر من قبل البشر الذين يمتلكون الشركات لكبرى وركائزها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وفي مراحل قريبة الفيفا وجيش العولمة وفوتها الضاربة هو المال والإعلام
_ الامبريالية في تلخيصها الاقتصادي هي الاستعمار الاقتصادي وهي استعباد الدول من قبل الدول الأقوى تسليحا تستعمرها لاستغلال ثرواتها وطاقاتها البشرية وإمكانياتها الاقتصادية
في أفغانستان كانت بداية النهاية لعالم ثنائي القطبية وانتصرت الرأسمالية وتفكك الاتحاد السوفيتي من حول المركز روسيا .. اما في سوريا فتتبلور نهاية البداية للقطب الواحد وتعود روسيا من جديد كمركز لاتحاد معنوي أكثر منه صفة اقتصادوية رغم أهمية ذلك فهذا الاتحاد العائد للمواجهة والردع أو الحرب الباردة مكوناته ستكون أقوى من الاتحاد السوفيتي الجغرافي السابق.
زعماء العالم يربطون في باريس بين محاربة الإرهاب ومكافحة التغير المناخي.
في العام 1995 كانت الكتابات والكتب المتوفرة عن العولمة شحيحة باللغة العربية وكتبت مقالا بجريدة القدس عنوانه العصر الأمريكي تحدثت فيه عن تأثير العولمة على كل مناحي حياتنا من الصناعة والثقافة والاهتمامات وتأثيرها على الأديان والعقائد وأن العالم قد دخل في مرحلة جديدة قد تطيح بكثير من المسلمات والأفكار الراسخة في أذهان الناس لمئات السنين وتخيلت في المقال أيضا العالم القرية المفتوح على الفضاء الحر والتقنيات الرقمية وانتهاء الخصوصيات بكل شعب ليصبح الخصوصيات عامة لكل الشعوب وكيف سيصبح الشباب الجديد على مستوى المعمورة مهتما بذات الأشياء من تصفيف الشعر حتى الجريمة بعد أن كان لكل بلد تقاليد ولكل ديانة تعاليم ولكل جماعة سكانية تراث وتقاليد وقلت في خاتمة المقال بأن العالم فعلا أصبح أو سيصبح طبقتين الطبقة الأولى الغنية غناءً فاحشا وهي طبقة ستكون قليلة العدد نسبيا مع الطبقة الفقيرة الواسعة العدد والمساحة وسيأتي وقت للمواجهة بين العالم الكبير من الفقراء مع العدد القليل من الأغنياء لاستعادة الطبقة الوسطى وستأخذ هذه المواجهة أشكالا لا أدري عنها الآن في وقت كتابة المقال في العام 1995م.
في العام 2005 كتبت مقالا كان عنوانه يا فقراء العالم اتحدوا وثوروا بعد أن بدأت الأمراض الاجتماعية والسياسية تطل برأسها وتتضخم في الوقت الذي استمرت العولمة بالانتشار والتمكن على مستوى واسع من العالم وبدأت شريحة البطالة تتسع وتخلت الدول الفقيرة عن الاقتصاد الاشتراكي تماما وأدخلت الخصخصة في قطاع الخدمات على مستويات كثيرة وازداد نشاط البنك الدولي والشركات الكبرى وصندوق النقد الدولي وبدأت بالتلاعب باقتصاديات العالم وخاصة الفقراء منهم فمسحت القطاع العام وتحكمت في القروض لتلك الدول وبدأت تتدخل بصورة فجة في سياساتها الخارجية وسياساتها الداخلية نحو مواطنيها مثل رفع الاسعار والطلب منها بوقف الدعم الحكومي لسلع ومستلزمات حيوية وأولية للسكان مثل الوقود والغاز ولوازم الغذاء الأولية والضرورية كالدقيق وزيوت الطعام والسكر والأرز ومشاريع الاسكان وفي 2005 ثار الفرنسيون في باريس على الحكومة بسبب ارتفاع الاسعار والفقر المتزايد ومظاهرات باريس الشهيرة في حينها كتبت في مقالتي هذه : في العصر الأمريكي تفقر فرنسا ولم أقصد هنا أن الاقتصاد الفرنسي هزيل للدرجة التي ثار فيها الفرنسيون الفقراء قبل فقراء فلسطين أو السودان أو أي مستنقع مزمن للفقر لكن النظام والتوزيع العادل المفقود بعد انتصار الرأسمالية المجرمة والغني الفاحش الذي يزداد انحيازاً لمصاصي دماء الفقراء هو الذي وضع الناس جميعا أمام تحد كبير يزداد ضخامة وشراسة وينذر بانفجارات شعبية وأممية أكبر وفي فرنسا كانت بدايتها ومن فرنسا انطلقت شرارتها والمتتبع لتقارير التنمية والسكان وتقارير الفجوات الاقتصادية والحروب المستمرة بفعل الهيمنة والتسويق أو فتح أسواق جديدة والاستيلاء عل ثروات الشعوب بالقوة والبطش يدرك مباشرة بأن العالم علي شفا حفرة أو علي وشك انفجار شعبي وأممي (عالمي) ضد الفقر بعد أن أحكمت مجموعة من الشركات الكبرى هيمنتها علي ثروات العالم وبدأت تتحكم في مصيره هذه الشركات الكبرى ما هي إلا عبارة عن يافطات يقبع خلفها أشخاص معدودين وعلي رأسهم عائلة بوش مثلا والعائلات الحاكمة في الخليج والسعودية أي أن العالم أصبح حظيرة يمتلكها أشخاص محدودين وباقي البشر العاديين أصبحوا داخل هذه الحظيرة يعلفون بأمر الأغنياء الفاحشين مثل بوش وأمثاله وهي أول سابقة في التاريخ البشري أن تصيح غالبية الناس والشعوب عبيداً يملكهم أشخاص وحتى هذا لا يشبه عصور العبودية السابقة لأن عصور العبودية لم تعمم كما عممت الآن الرأسمالية أو العولمة.
إن نسب الفقراء في كل المعمورة تزداد باطراد واحتياجات الناس تزداد أيضاً باطراد والأسعار لكل السلع تتضاعف وفي كل الدول وذابت الطبقات المتوسطة وازدادت شريحة الفقراء طولاً وعرضاً.
إن ما يحدث من فقراء فرنسا هو الصورة المصغرة لما سيحدث في كل بقاع الدنيا لأن الناس لم تعد تحتمل حياة الذل والعبودية والهوان ولم ولن تخلوا دولة في العقدين الماضيين من التراجع عن الاهتمام باحتياجات المواطنين.
صحيح أن الدول بدأت تدخل ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان إلي مجتمعاتها وتنشرها في الإعلام وتلطف الأجواء مع المواطنين لكن هذا لن يفيد جائعاً أو عاطلاً عن العمل لديه أسرة تحتاج إلي متطلبات غالية جداً ولم تعد الرواتب والمداخيل البسيطة تلبيها وهذا كله راجع للهيمنة علي السوق العالمية من الثمانية الكبار التي تقودهم أميركا زعيمة الرأسمالية الحديثة.
في أمريكا نفسها ملايين الفقراء والمهمشين كما بدا واضحاً أثناء إعصار كاترينا وفي أفريقيا أكبر الأعداد فقراً وفي آسيا وأميركا الجنوبية التي تصر أميركا منذ زمن طويل علي إذلالها والدول العربية حدث ولا حرج وللأسف في كل هذه الدول الفقيرة أو التي أفقرها الاستعمار هناك طبقة من الحكام الأغنياء بحكم وجودهم في الحكم أصبحوا مشاركين في البزنس والتجارة إن لم يكونوا تجارا أصلاً ولا يوجد استثناء في أي دولة حيث أننا في عصر الحاكم التاجر وهذه هي نتائج العولمة أو مركزة رأس المال.
إن عالماً يحكمه أشخاص يتحكمون في قوت البشر ومصيرهم لهو شيء فظيع وغير واقعي وغير إنساني وغير منصف ففي زمن الاستعمار السابق كان يمكن رضوخ الناس علي مضض في أن تسيطر دول علي الآخرين بقوة السلاح وغطرسة القوة وهذا حتى كان مرفوض ويقاوم لكن أن يصبح الإنسان ملكاً لإنسان آخر فهذه هي العبودية السوداء ولذلك لابد للإنسان أن يثور علي هذا الحال.
وعلي الفقراء في العالم كله أن يقصوا هؤلاء الحكام التجار وأن يثوروا علي النظام الرأسمالي قبل أن تصبح حتى الثورة لا تفيد ويبدوا أن ما يحدث في فرنسا لن يتوقف وتوقعاتي حتى لو توقف فإنه سيعود بين الفينة والفينة ليس في فرنسا فقط بل سيتوحد كل فقراء العالم في الثورة علي كل المستبدين .. فيا فقراء العالم اتحدوا في الثورة ولن تهزم الرأسمالية إلا بالثورة علي الاستغلال ومنع الاحتكار والحروب و إقرار العدالة الاجتماعية .. هذا كان في مقالي في العام 2005م.
فماذا حدث منذ العام 2005 حتى اليوم العام 2015 ؟
لم يستطع العالم الثورة بمجموعه على الرأسمالية المتوحشة وألحقت بعض الدول عنوة باليورو في أوروبا وظهرت الانهيارات أخيرا كما في بلد عريق مثل اليونان ووصل تهديد الفقر لايطاليا واسبانيا وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابقة التي ألحقت بالاتحاد الأوروبي وبدأت القوة الأحادية الرأسمالية تتحكم في العالم فتفتعل الثورات والحروب في الدول المتخلفة والفقيرة للسيطرة عليها وعلى مقدراتها وخدمة مشاريع الغرب والحفاظ عليها.
في المقابل كانت هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان وتفككه لاحقا واستعانة الغرب بالشرق الاسلامي الغني مثل السعودية ودول الخليج في الحرب الأفغانية التي شكلت النواة الأولى للجماعات الاسلامية العابرة للحدود فكانت القاعدة وعدة تنظيمات أخرى من العرب والمسلمين الذين أطلق عليهم لاحقا العرب الأفغان وكبرت شوكة القاعدة في أفغانستان بعد نهاية المواجهة مع الاتحاد السوفيتي وبدأ الاشتباك للتخلص من المقاتلين واتهامهم بالإرهاب وضربت طالبان بأيدي الباكستانيين وانقلبوا عليها مع الأمريكان وجاء التحدي لأمريكا بعد ضرب الأبراج في واشنطن ونيويورك واتهام القاعدة في ذلك واختلطت الأوراق فوافق الباكستانيون على محاربة فلول طالبان بأراضيهم ولكن الأخطر كان احتلال العراق وتدمير جيشه وإمكانياته كلها وتقسيمه الطائفي وانطلق الربيع العربي الذي لم يجد إلا جماعة الاخوان المسلمين كقوة منظمة للهيمنة عل الأوضاع في مصر وتونس ومحاولة ذلك في سوريا واليمن وليبيا و تلك الدول التي لم تحسم فيها حالة الحكم حتى الآن .
تداخلت الكثير من الاحداث والسيناريوهات لتتركز كل القضية الآن في داعش والنصرة في العراق وسوريا وباقي المناطق الملتهبة في الوطن العربي وهم ليسوا إلا ولادة النظام الرأسمالي المتوحش الذي غزا العالم والوطن العربي نتيجة مركزة رأس المال الغربية العابرة للقارات والحدود لجمع الثروات وشفطها من منابعها وهم ليسوا إلا محاولة للثورة على حالة الفقر والقمع الفكري والثقافي من الحكام العرب والمسلمون فعاد الفقراء المضطهدون من حكامهم والغرب للجذور في رحلة التغطي والاحتماء بالدين والماضي في مواجهة الشراسة الامبريالية المعولمة وما طالبان والقاعدة وداعش والنصرة وغيرهم إلا مواليد لهذا الارهاب العولمي وليسوا صناعتهم بل هم من صنع ظروف نشوء هذه الجماعات وحاولوا استغلالهم ضد الحكام أو المعارضين لسياسات أمريكا والغرب وما هي إلا سنوات فذهبوا إلى الغرب للاشتباك معه حين انتقلت باريس من ثورة الفقراء في العام 2005 إلى تفجيرات عام 2015 ليضرب الارهاب من ولدوه وأطلقوا عليه ارهاب والذي تولد من ارهاب العولمة ومركزة رأس المال واستغلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وآخر مؤسساتها الفيفا .
فجأة ظهر الدب الروسي من جديد في سوريا بعد أن وجد التهديد على حدوده وعمقه الاستراتيجي ومصالحه في الغاز وطرق أنابيب التصدير والصراع المالي بين الكبار في عالم قد يعود بعد هذه الرحلة الطويلة لثنائية قطبية تعيد التوازن في العالم وبالقطع تقلص السسوفييت إلى الروس وتغير نظامهم الاقتصادي ولن يعودوا هم أيضا للتحالف مع الفقراء بل يبحثون عن مصالحهم في عالم يلعب فيه الأقوياء ماليا كما يشاءون وستستمر معاناة الفقراء حول العالم حتى يثوروا جميعا في وحدة واحدة لإسقاط وهزيمة الرأسمالية المتوحشة.
يا فقراء العالم اتحدوا وثورا على الحكام والامبريالية المعولمة
د. طلال الشريف
3/12/2015م