ثمة علاقة متشابكة بين ظواهر الهدم والتخريب في اطر حركات التحرر الوطني والتي تنسجم مع برامج العدو المختلفة التي تستهدف تلك الحركات ومبادئها واهدافها ومنطلقاتها ، فالحروب التي يشنها العدو لتدمير البنية التحتية او القيادية للحركات يست كافية لتدمير ثورة او حركة تحرر ولان الفكرة لا تدمر والمباديء والاهداف لاتدمر وهنا اشير لآهمية الفكر والادبيات في صياغة انشوطة ومنظومة الثورة التي تكون طليعتها حركة تحرر وطني ، فالاحزاب وان كان لديها ايديولوجية لا يمكن ان تتحول الى حركة جماهير قادرة على ان تدير وتنفذ اهداف شعب ومهما كان الحزب يمتلك من امكانيات بشرية ومادية ، ولذلك اخطر ما يواجه الاعداء حركات الشعوب ولانها تمثل الكل الوطني بدون تصنيف او انتماء لطبقة ما من الشعب وتعمل حركات التحرر على المكون الشامل للشعب المتحد الاهداف للوصول الى الغاية وبالطبع تلك الغاية هي تحرير الوطن من الاحتلال او القضاء على اركان الاستعمار في الدول المستعمرة او المحتلة من دولة اخرى.
ولذلك تتعرض حركات التحرر لمحاولات حثيثة لاختراقها من الداخل سواء بالظواهر المباشرة وهي تمس السلوك والممارسة واثارة العصبويات والفئويات المناطقية والجغرافية ، او على المدى البعيد الاستراتيجي بزراعة نهج وكادر للوصول الى قمة هرم القيادة وفي تطابق وانسجام مع الظواهر ، فلا يمكن ان تتبوء قيادة غير منسجمة مع اهداف ومباديء الثورة الا باثارة تلك الظواهر لتفسيخ وتشتيت البنية القاعدية واثارة الفتن البينية وهمال الادبيات والاخلاقيات التي تربط الحركة بجماهيرها وحاضنتها ، اي زرع فئة من العناصر والكوادر تسيء في سلوكها وتعتدي على الملكيات الشخصية والعامة او ممارسة التسلط والقهر على الشعب ، ومن هنا تضعف اركان الثورة او حركة التحرر وتبتعد عن اهدافها ، ويسهل تدجينها لكي تعبر عن مصالح افراد او مجموعة ، ومن ثم تدخل في مشاريع توافقية مع الاعداء لكي تحافظ على تلك المصالح.
ان النرجسيات الذاتية هي التبويب والمدخل لصناعة لوبيات ومحاور في داخل الاطار الثوري والوطني ، ولذلك تنشأ الاستقطابات وتتحول القاعدة وقواها بدلا من قوى موحدة تواجه الاحتلال الى قوى تعمل بديمومة الحلقات المغلقة لكي تفرض كل منها على الاخرى .
ولكل حركة تحرر نظامها الداخلي الذي ينظم انشوطة الاطار العام والاطار الخاص وينظم العلاقة والانضباطيات والالتزام ومن خلال هيكليات هرمية او غير ذلك لتحافظ الحركة على وحدتها وتسيير برامجها بنجاح وفي كل قطاعاتها العسكرية والامنية والتنظيمية والجماهيرية ، والابتعاد عن النظام قد يوفر اجواء خصبة للاعبين ممنهجين لتدمير الاطر ، ومن هنا يبقى فكر الاصلاح الذي تحمله مجموعة من القيادات والكوادر الحية والواعية لحجم التخريب واهدافه مهمة صعبة وشاقة ، اذا ما ارتبطت قيادة الحركة باتفاقيات وتفاهمات مع دولة الاحتلال .
ان ظواهر الهدم والتخريب في الاطر النضالية والتحررية لا يمكن ان تأكل اكلها الا بتدمير البنية الثقافية والفكرية للحركة وتحويل اعضائها وقياداتها وعناصرها الى ظواهر مسطحة وسطحية التفكير وتجهل تجربتها وتكون غير قادرة على استقراء الواقع تلترسم سياسة المستقبل في صراعها مع اعدائها ولذلك تواجه الثورة عدو داخلي وعدو خارجي والعدو الداخلي اكثر خطورة على حركات التحرر ولانه بعد حين يحولها لثورة او حركة مضادة لفكرها واهدافها.
في تلك المناخات عملية البناء تكون صعبة فالقاعدة الهندسية تقول "" ابني بناء جديدا خير من ان ترمم بيتا منهارا" وفي كلا الحالتين فان المهندسين قد يواجهون العديد من العراقيل والتشويش والاتهامات وغير ذلك من سلوكيات تحملها الحركات المضادة او الثورة المضادة وبالتاكيد للحفاظ على مصالحها وتحقيق اهدافها فقط بعيدا عن الاجماع الوطني او فشال المجتمع باسره.
ان فكرة الاصلاح مابين الاحلال وبين التخصيص مشكلة معقدة تحتاج العمل الدؤوب والمنضبط والملتزم بالفكر التعبوي الوطني الاصيل الذي يقترب من الجماهير باعتبارها هي الحاضنة بالشكل الطبيعي لاي عملية اصلاح وان يراعى الابتعاد عن النرجسيات والمناطقية والاحلاف والجماعات وخلق الكادر النموذج في الاداء والخطاب واعطاء النقيض لكل اوجه الفساد التي لحقت بالحركة او بالاطار .
ان التفاؤل الموضوعي هو اول خطاب يجب ان يمارس لكي تتخلص الفئة اليائسة والمحبطة من يأسها واحباطاتها فهي سمة يستغلها الاخرون لممارسة نزواتهم وعنجهياتهم وطغيانهم على الجميع ، فتناول المرحلة بمعضلاتها وشرحها وتفسيرها للجماهير هى من اساسيات العمل الاصلاحي والتصحيحي لنكسات وتراجعات في الاداء النضالي سعيا لتوفير حاضنة واعية مثقفة تشارك في عمليات الاصلاح ودعم برمجه المطروحة ، فصناعة الحدث لصالح الجماهير من قبل الاصلاحيين هو من من اهم سلوكيات كشف المحبطين والمفسدين والانقساميين والذين تحولوا من عن اطرهم التحررية الى اطر قهرية تمارس قهرها وقوتها على شعوبها .
سميح خلف