تجتاح المجتمع الإسرائيلي، موجة من العنصرية والكراهية والعداء والإرهاب ضد الفلسطينيين، فالنقاش الدائر بين الإسرائيليين على الصعيد الداخلي، يتناول قضايا عديدة، والآراء منقسمة فيما بينهم والشارع الإسرائيلي ينحو نحو اليمين واليمين الأكثر تطرفاً، وما يجمع بين الأغلبية اليهودية هو التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، وكراهيتهم للفلسطينيين، وهذا أصبح السياسة الرسمية للحكومة الإسرائيلية، التي تتفنن في تشريع القوانين العنصرية، وإلى المزيد منها، ولو قمنا بإجراء تسلسل للمواقف الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية، لرأينا تجذر المواقف العدائية للشعب الفلسطيني وآماله ومستقبله، فقوى الضغط اليمينية التي يقودها المستوطنون تفرض بصماتها باتخاذ القرارات والقوانين العنصرية، فكيف ينظر الإسرائيليون إلى دولتهم؟، ففي استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، أجري من قبل معهد "بانلز بوليتك" لحساب جريدة "معاريف"، يتبين كم هو التناقض داخل المجتمع الإسرائيلي، واستيائه من أداء حكومته، ومع ذلك يبقى "نتنياهو" المفضل لديهم، ويصفونه بملك إسرائيل، وفي استطلاع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية أجري بتاريخ "20-11-2015"، أظهر عدم وجود ديمقراطية في إسرائيل، إذ أن 60% من المستطلعين يؤيدون سلب الحقوق المدنية لعرب الداخل من حملة الجنسية الإسرائيلية، وسحب حقهم من التصويت والترشح للكنيست، في المقابل-ونتيجة لسياسة التمييز العنصرية تجاه فلسطينيي الداخل- فإن 67% منهم، لا يشعرون أنهم جزء من دولة إسرائيل، حتى أن 73.5% من اليهود، يعتقدون أن القرارات المصيرية للدولة، يجب أن تتخذ من قبل اليهود فقط، وأن 36% من اليهود، يعارضون السكن بجوار العرب، فكيف يطلب من عرب الداخل الواجبات بغياب الحقوق.
جريدة "التايمز" الإسرائيلية والمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أجريا استطلاعاً للرأي العام الإسرائيلي بتاريخ "11-11-2015"، أظهر ارتفاع نسبة العنصرية في المجتمع اليهودي بشكل غير مسبوق، ويرون بأن المواطنين العرب داخل الخط الأخضر يشكلون تهديداً على إسرائيل بلغ 55% من المستطلعين، وأن عرب الداخل لا يمكن أن يكونوا موالين لإسرائيل، و42% منهم يدعمون مشروع تدمير إسرائيل، وأن 48% من اليهود، يكرهون السكن والعيش بجوار العرب، والسؤال: كيف يمكن لعرب الداخل الولاء لإسرائيل، ويشعرون أنهم جزء من دولة إسرائيل، في حين تصادر أراضيهم، وتُشرع القوانين العنصرية ضدهم، حتى أن رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" حرض الجمهور الإسرائيلي ضدهم، أثناء انتخابات الكنيست الأخيرة في مطلع هذا العام، بقوله أنهم يهرعون إلى صناديق الاقتراع، وأن حافلات مدعومة من الخارج تعمل على نقلهم، بهدف إفراز كنيست وحكومة إسرائيلية، تكون موالية لحقوقهم ومطالبهم، حتى أن الرئيس الأميركي ندد بتصريحات "بنيامين نتنياهو"، ووصفها بالعنصرية.
ذكر موقع "واللا العبري 29-11-2015"، أن جماعات من المستوطنين سيطروا في نهاية الأسبوع، وعبثوا بكرم زيتون في حي الرميدة في الخليل، عائد لعائلة فلسطينية هي "عيسى عمرة"، وعاثوا فيه فساداً، تحت حماية رجال الجيش والشرطة، وأن قائد المنطقة العسكري سمح للمستوطنين باقتحام الكرم، ففي كل يوم ينقل الإعلام أخباراً عن قيام المستوطنين بتحطيم أشجار الزيتون للفلسطينيين، بل يمنعون الفلسطينيين من قطف ثماره، ويعتدون على مزارعهم، ويستولون على أرضهم، بحماية الجيش والشرطة الإسرائيلية، فهل سمع أحد منا عن قيام سلطات القانون الإسرائيلية-حسب ادعائهم- بمعاقبة هؤلاء المستوطنين؟ والحقيقة أنهم يعملون ويعتدون تحت حماية الجيش، وهذه سياسة رسمية غير معلنة، لدفع الفلسطينيين على الهجرة، فما يجري في الأراضي الفلسطينية من جرائم، يعود لسببين، الأول: اتساع موجهة الكراهية والعنصرية تجاه الفلسطينيين، وأن استطلاعات الرأي العام هي الدليل، أما السبب الثاني: وهو الأهم، بأن حكومة "نتنياهو" اليمينية والعنصرية، تعتبر أن فلسطين من البحر إلى النهر، ملك بلا منازع لليهود، وأن سياساتها تبنى على هذا الأساس، فلا لحل الدولتين لشعبين، ولا لتحقيق السلام، حتى أن "نتنياهو" أعلن صراحة –عشية الانتخابات- أنه لن تقام دولة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وأن هذه السياسة الرسمية الإسرائيلية، هي التي دفعت بالشباب من الجيل الفلسطيني الجديد، الذي ذاق الأمرين من ظلم الاحتلال وإجراءاته، وحواجزه، واضطهاده، وحملات الاعتقال، ومن التنظيمات الإرهابية اليهودية، ما دفع بهم إلى الهبة الشعبية الذاتية في مواجهة ظلم الاحتلال.
إن حرق عائلة "دوابشة" في قرية دوما بالضفة الغربية، التي طالت الأب والأم والطفل، وطفل آخر ما زال يرقد في المشفى، فقد مر على هذا الحادث نحو نصف عام، والحكومة تتلكأ في اعتقال ومعاقبة المعتدين، مع أن وزير الجيش "موشيه يعالون" قال قبل فترة من الزمن، أنهم يعرفون من قام بهذه الجريمة، لكنهم لا يستطيعون اعتقالهم، حتى أن النائب العربي في الكنيست "باسل غطاس"، استجوب وزير الجيش، ما الذي يخفيه "الشاباك" في قضية قتل عائلة الدوابشة؟ فالقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، كشفت بتاريخ "30-11-2015" عن اعتقال قتلة عائلة دوابشة، وأن الرقابة الإسرائيلية، تفرض أمر منع حول التفاصيل، عن إحدى قضايا الإرهاب اليهودي الكبرى، فالاحتلال الإسرائيلي حاول غض النظر عن هذه الجريمة، كما سبق وغض الطرف عن جرائم يهودية أخرى، إلا أن ضغوط داخلية وخارجية ودولية دفعت بإسرائيل للعمل بجدية لاكتشاف الجناة، حتى أن مبعوث الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط "نيكولا ملدانوف"، وجه رسالة بتاريخ "25-11-2015" إلى رئيس الوزراء "نتنياهو"، عبر عن قلقه من عدم تقدم التحقيق في عملية حرق عائلة الدوابشة، كما أن مدير منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، حمّل رئيس الحكومة "نتنياهو" المسؤولية عن تنفيذ إعدامات ميدانية للفلسطينيين، خول فيها الشرطة بأن يكونوا قضاة وجلادين وبإعدام الفلسطينيين ميدانياً.
لنفترض أن الاحتلال سيلقي القبض على قتلة الدوابشة، فماذا سيفعل بهم؟ هل سيتعامل معهم كما تعاملت المحكمة الإسرائيلية مع قتلة الفتى "محمد أبو خضير" وحرقه؟ فهذه المحكمة تتلاعب في تقارير إدانة ومعاقبة قتلة "أبو خضير"، بعد مرور حوالي سنة ونصف السنة، لا يقوم الاحتلال بهدم منازلهم كما يهدم منازل الفلسطينيين، ففي الجلسة الأخيرة لمحاكمتهم، تقدم محاميهم بشهادة طبية تفيد بعدم أهلية المتهم الرئيسي للمحاكمة لوضعيته النفسية ويعاني من اضطرابات أي أنه مجنون، وهذا التبرير عملت وتعمل به إسرائيل في قضايا عديدة، منها المتهم بحرق المسجد الأقصى في سنوات السبعينات، أما المتهمان الآخران في قضية أبو خضير فإنهما قاصران حسب المحكمة، فوالد الشهيد "حسين أبو خضير"، علق على مداولات المحكمة بقوله: نحن لا نعول على هذه المحكمة، بل نعول على المحكمة الإلهية، كي ينتقم منهم ربنا سبحانه وتعالى، أما تعقيب وزير العدل الفلسطيني على مهزلة المحكمة، بأن عدم إدانة قتلة "أبو خضير" يمهد ويشجع على قتل وحرق المزيد من الفلسطينيين.
إن الإعلام الإسرائيلي ممتلئ بالكراهية والتحريض للعنف الجسدي ضد الفلسطينيين، وحتى ضد اليسار بين اليهود، فقد ارتفعت الدعوات إلى العنف ضد الفلسطينيين بنسبة 300% حسب جريدة "معاريف 15-10-2015" وأن (10.200) متصفح على المواقع الاجتماعية يدعون لقتل أو إحراق الفلسطينيين، فازدهار التحريض بشكل غير مسبوق في الشبكات الاجتماعية، ارتفعت بشكل كبير منذ بداية الهبة الشعبية ضد الاحتلال، وازدادت علامات الإعجاب التي تضاف على صفحات الفيسبوك، ومن التعابير التي انتشرت على الشبكة: الموت للعرب وللمخربين، والدعوة لتنفيذ نكبة ثانية بالفلسطينيين، ومقاطعة المصالح التجارية الفلسطينية، والإكثار من نشر جثث القتلى، حتى بلغ عدد التحريض ضد الفلسطينيين عشرة آلاف تحريض أسبوعياً، ليأتي "نتنياهو" وزمرته، باتهام الفلسطينيين بالتحريض، حتى أنه تباهى-"نتنياهو"- أنه في عهده ارتفع عدد المستوطنين بـ "120" ألف مستوطن، وازدياد نسبة الخصوبة في المستوطنات إلى 5.1%، وأن عدد المستوطنين عام 2014 ازداد لـ 14.200 ألف مستوطن، بينهم 11.800 نتيجة الولادة، وأن 37% من اليهود، يطالبون حكومتهم بتحفيز الفلسطينيين على الهجرة من وطنهم، والمثير للدهشة، أن وزارة الصحة الفلسطينية، تلقت بتاريخ 3-12-2015، مطالبة من قبل مستشفى "تل هشمير" الإسرائيلي، بمبلغ مليون وتسعمائة ألف شيكل، مقابل خدمات وأتعاب ونفقات طبية، عن الطفل الذي بقي حياً وأصيب بحروق بالغة، لعائلة "دوابشة" المنكوبة، لأن قانون ضحايا الإرهاب لا يطبق على الفلسطينيين بل على اليهود فقط.
لكن وحتى نكون موضوعيين، فإننا نرفض التعميم ووضع جميع اليهود بسلة واحدة، مع وجود أقلية من بينهم ترفض السياسة الإسرائيلية المتطرفة، وما يقوم به المستوطنون من ممارسات، وعلى سبيل المثال، فإن الأديب الإسرائيلي المعروف" عاموس عوز"، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية بتاريخ "18-11-2015"، رفض أن يتم استضافته من قبل السفارات الإسرائيلية في الخارج، لتمثيل إسرائيل حين قيامه بإلقاء محاضرات في مؤتمرات أدباء ومفكرين، أو حين يتلقى جوائز أدبية في الخارج، فهو يرفض استخدامه كورقة تين لإخفاء عوراتهم في الخارج، ليزعموا بأن إسرائيل حضارية ومحبة للسلام، فهو يعارض سرقة الأراضي الفلسطينية حسب تعبيره، ويتهم الحكومة الإسرائيلية بالدكتاتورية، التي تصور كل من يعارض سياستها، كعدو للشعب اليهودي، ويصفونه وزملاءه بالخونة وعملاء العدو، وأن من ينتقدها يتهم باللاسامية، أما بالنسبة لاتهام "أبو مازن" بأنه لا يريد العودة إلى طاولة المفاوضات، يقول عوز بانه:" محق تماماً، فهو ليس على استعداد للتفاوض طالما تنهب الأراضي الفلسطينية، وتقام عليها المستوطنات، وأنا أتفهم "أبو مازن" أنه على استعداد للتفاوض، شريطة أن توقفوا سرقة أراضينا".
وخلاصة القول، أن إسرائيل تمر بهستيريا خشية من عزلتها الدولية، خاصة بعد قرار الاتحاد الأوروبي، وسم منتجات المستوطنات، و اتهامها بـ"الابرتهايد"، عندما ينص القانون الأساس على التفرقة العنصرية، وان الخطر الوجودي الحقيقي على إسرائيل يتلخص بسياسة "نتنياهو" وحكومته، فهذا هو التهديد الحقيقي الذي سيعصف بإسرائيل إذا واصلت سياستها الحالية.
بقلم/ غازي السعدي