لعل المبادرة الشعبية في مخيم شعفاط التي قام بها أهالي وجماهير مخيم شعفاط بالإلتفاف والتكاتف والتضامن الفعلي مع أهل الشهيد ابراهيم العكاري وشهداء المخيم الآخرين،شكلت نقلة نوعية في المفهوم وآليات التضامن مع أسر وعائلات الشهداء،بعد ان كانت عمليات التضامن معهم تقتصر على الجانب المعنوي وتقديم بعض المساعدات المادية والعينية ،واعتبار ان مسؤولية توفير مسكن بديل لعائلة الشهيد وأبناءه وأسرته وتوفير سبل العيش الكريم لهم،هي مسؤولية السلطة او الجهات التي تتبنى الشهيد وهي بالعادة غير قادرة على تحمل هذا العبىء لوحدها،او ان ذلك لا يقع في صلب اهتماماتها،او انه تغيب المبادرة والرؤيا والخطة والمسؤولية والفعل الجدي والحقيقي لترجمة ذلك الى فعل،حيث نجد في الخطابات والبيانات التي تلقي او ترفع في تحية وتقدير الشهيد وتعداد مناقبه وسجاياه والإشادة بنضالاته وتضحياته، تخبو شيئاً فشيئا مع انتهاء مراسم العزاء، لكي تصل الى حد الصوت بدون صدى.
اللجان الشعبية في المخيم في هذا الإطار وضعت رؤية ورسمت استراتيجية جديدة في التعاطي والتعامل مع هذه المسألة الهامة التي تحمل أبعاداً إنسانية ونضالية وتضحوية،وهي ترسي بذلك وعياً وثقافة جديدة في التعامل والحضانة الشعبية لأسر وعائلات الشهداء،دون الحاجة للإرتهان الى مساعدات بعض المنظمات غير الحكومية،والتي غالباً ما تكون في إطار نفسي إرشادي وتأهيلي،بعيداً عن أي دعم جدي وحقيقي مادي أو عيني حتى لا تتهم بدعم" الإرهاب" المقاومة،ويعرضها ذلك لمخاطر وقف التمويل او حتى الإعتقال والإغلاق من قبل الإحتلال،والسلطة مواقفها في هذا الإطار أبعد قليلاً عن مواقف تلك المنظمات،ولكن تبقى في وضع مكبلة به بشروط وقيود غير قادرة على التبنى للشهداء،خاصة في توفير المسكن البديل والقدرة على توفير سبل العيش الكريم.
تجربة أهالي وجماهير مخيم شعفاط ولجانهم الشعبية،عدا الأبعاد التي ذكرتها،فهي حملت رسائل وأبعاداً فيها قدر كبير من التحدي والمجابهة المباشرة مع الإحتلال،والقول له سنبني ما تهدمونه مهما كلفنا الثمن،هذا ذروة التحدي والإصرار على إحتضان أسرة الشهيد مهما كلف الثمن.
الإحتلال في إقدامه على هدم بيت الشهيد،يريد أن يردع الآخرين عن تمثل تجربة الشهيد،ومن يقدم على ذلك سيكون عقابه بنفس الطريقة التي عوقبة بها أسرة الشهيد، تدمير البيت وقطع مصادر الرزق والتشرد وتضيق الخناق في كل مجالات ونواحي الحياة اقتصاديا واجتماعيا وحرية الحركة والتنقل والسفر وغيرها.،والعقوبة وإن كانت مخالفة لكل المواثيق والأعراف والقوانين الدولية،لكونها عقوبة ذات طابع جماعي وثأري وانتقامي وردعي،لكن الإحتلال كل هذا لا يعني له شيئاً،فهناك من يحميه ويشكل له حاضنه ومظلة في المؤسسات الدولية من مجلس حقوق انسان ومجلس امن وجمعية عامة وغيرها،ضد أية قرارات قد تتخذ ضده او عقوبات تفرض عليه،نتيجة مخالفته وانتهاكاته لكل القوانين والمواثيق والإتفاقيات الدولية،بسبب إجراءته وممارساته القمعية والإذلالية بحق شعبنا الفلسطيني،وما يرتكبه من جرائم بحق أطفالنا وأسرانا ومقدساتنا وأرضنا.
تجربة مخيم شعفاط في توفير حاضنة شعبية لأسر الشهداء،لم تقتصر على توفير المسكن،بل تعدت ذلك الى توفير سبل العيش الكريم لهم،من خلال حملة شعبية تؤمن لهم مبلغاً من المال يقيهم الإستجداء والمس بالكرامة.
هذه الحملة والتجربة لقيت صداها في اوساط شعبنا،والتقطها عدد من الشباب النشطاء في مدينة نابلس،لكي يقوموا بحملة شبيهة لأسر شهداء وأسرى نابلس منفذي عملية مستوطنة "ايتمار" الذين هدم الإحتلال بيوتهم،ولكن هذه الحملة المتدحرجة بحاجة الى جهد منسق والى أناس يمتلكون الإرادة ولديهم ثقة ومصداقية بين أبناء شعبنا،حتى لا يتم خدش هذه التجربة أو نجد من يتسلق عليها ويجريها لأهداف ومصالح فئوية تفرغها من مضمونها،وبالتالي تحاصرها وتمنع امتداد مفاعليها الى أكثر من منطقة،ونقل التجربة والنموذج تطبيقه خاصة فيما يتعلق بالبناء والتشييد ،سيكون أسهل في المخيمات والمناطق مصنفه (ألف) أكثر منها في (بي) و(سي) رغم ان الإحتلال أزال الفروق بين هذه التصنيفات والتقسيمات،وكذلك المناطق المكتظة سكنياً ستكون أقدر على حماية التجربة والدفاع عنها في قضايا إعادة بناء البيت المدمر،ولكن توفير البيت البديل وسبل العيش الكريم لعائلات الشهداء،أرى أن يكون هناك قضايا تشاركية في هذا العمل بحيث تمثل فيه لجان شعبية ومبادرات وحراكات شبابية ومؤسسات مجتمعية والرأسمال الوطني تجاري،صناعي،مالي وزراعي يضاف لذلك قطاع رجال الأعمال والتجار والمتعهدين والمقاولين،وتكون تلك الأجسام علنية وفي إطار شعبي واسع.
وبالنسبة للقدس قد يكون هناك صعوبة في إستنساخ تجربة مخيم شعفاط او أية مدن أو قرى وبلدات اخرى في الضفة الغربية على صعيد إعادة بناء البيوت المدمرة،فبلدية الإحتلال والأجهزة الأمنية وقوات الإحتلال ستتصدى لذلك بشكل عنيف،حيث ان الإحتلال يهدم البيت ويصادر الأرض المقامة عليها،وهو يعتبر بأنه صاحب السيادة والسيطرة على مدينة القدس،وفي الوضع الطبيعي لا يسمح بالبناء فيها،ويضع القيود والعوائق لكي يمنع البناء في الوضع الطبيعي،ويدفع الناس للبناء غير المرخص لكي يقوم بهدمه أو فرض غرامات باهظه على أصحابه و"تدوخيهم" في المحاكم دون منحهم رخص للبناء،ليقدم على هدمه في نهاية المطاف،فكيف ببيت شهيد أو أسير،وهنا اعتقد بأن تمثل التجربة والنموذج في هذا الجانب صعب ومكلف،ولكن قضية العمل على إيجاد البدائل من خلال القيام بحملة لجمع الأموال والتبرعات العلنية لهم،كما حصل في مخيم شعفاط يمكن تعميمها،ونحن هنا لا نتحدث عن عمل سري أو اموال ستذهب الى جهات" إرهابية" قوى المقاومة،لكي يستغل ذلك الإحتلال من اجل مصادرتها او ملاحقة القائمين عليها،هنا نتحدث عن أناس تعرضوا لعقوبات جماعية مخالفة للقوانين والمواثيق والإتفاقيات الدولية،وعوقبوا على ذنب او قضية لم يكونوا طرفاً فيها، وهنا وجود قانونين وخبراء هام جداً وضروري.
تجربة مخيم شعفاط تطور نوعي وهام في قضية توفير الحاضنة الشعبية لأسر وعائلات الشهداء،وتضعنا اذا ما احسنا استثمارها أمام تحدي وشكل مقاومة جديد،صحف الإحتلال بدات في الحديث عنه والتحريض ضده،هو شكل سلمي وعلني سيلقى الكثير من الدعم والتعاطف محلياً ودولياً كون ذلك لا يشكل خروجاً عن القانون الدولي والإنساني،وحق من حقوق البشر أن يكون لهم مأوى وسكن،وحرمانهم من ذلك هو عقوبة جماعية تستوجب الإدانة والرفض وحتى فرض العقوبة على من يمارسها.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
9/12/2015
0524533879
[email protected]