تحقق إنتفاضة القدس المستمرة ,إختراق في الرأي العام العالمي لصالح المظلومية الفلسطينية,وحق شعبنا في مقاومة الإحتلال البغيض, التصريحات والإجراءات الأوربية والتي أزعجت قادة الإحتلال ,لا يمكن فصلها عن وقائع إنتفاضة القدس اليومية وتأثيراتها السياسية وتفاعلاتها على الساحة الدولية ,تلك الساحة التي يجب أن لا تترك للاعب الصهيوني يمرح فيها كما يشاء, بل يقع واجباً وطنياً على السفارات الفلسطينية تغطية تلك الساحات بالرواية الفلسطينية الحقيقية,لإبطال الدعاوي الإحتلالية ومحاولتها الخبيثة بوصف نضال ومقاومة شعبنا بـ "الإرهاب", حيث يسعى الإحتلال للإستفادة من حالة الإستنفار العالمي في هذا الإتجاه لفرض الدعاية الصهيونية الخبيثة والمضللة.
رغم أن الجهد الفلسطيني ضئيل وضعيف في نقل رسالة المنتفضين للعالم , فلم نسمع أو نرى أي مؤتمر أو ندوة أو معرض في القارة الأوربية , ينقل ما يدور في فلسطين من جرائم تتعارض مع كل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية ,عبر صوره المتعددة من إستمرار للاستيطان وسلب للأرض الفلسطينية بقوة الإرهاب لصالح عصابات المستوطنين المسلحة , بالإضافة إلى الإعدام الميداني للشباب والفتيات على الحواجز الإحتلالية ,وإقتحام المستشفيات الفلسطينية وممارسة القتل بداخلها وخطف الجرحى من غرف العناية المكثفة ,الا أن الدم المسكوب على الحواجز الإحتلالية أبلغ رسالة ,وكما أن صورة الإجرام الصهيوني المنقولة من داخل فلسطين , تفضح الإحتلال وتكشف صورته الدموية البشعة , كل ذلك ساهم في صياغة بعض المواقف الجريئة والغير مسبوقة بما يتعلق بالموقف الأوربي من القضية الفلسطينية .
تصريحات رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين والتي أكد فيها بأن عمليات الطعن بالسكاكين التي ينفذها الشبان الفلسطينيين ليست " إرهاب " , وإدانة وزيرة خارجية السويد مارغوت فليسترم ما تقوم به قوات الإحتلال من عمليات إعدام لمواطنين فلسطينيين دون محاكمات وخارج نطاق القانون , وكذلك أقوال سفير الإتحاد الأوربي لارس فوبورغ أندرسين بأنه "لا تجوز مقارنة إرهاب داعش الذي تواجهه أوروبا، وعمليات الطعن التي يقوم بها فلسطينيون"، وأن الهجمات الفلسطينية يجب مواجهتها بـ"وسائل دبلوماسية وسياسية" , وما سبقها من قرار الإتحاد الأوربي وسم منتوجات المستوطنات الصهيونية المتواجدة ضمن الاراضي المحتلة عام 1967 م بما فيها القدس المحتلة , شكلت ضربة قوية وهزيمة مدوية للإحتلال الصهيوني , وشكلت إنتصاراً معنوياً للقضية الفلسطينية في ظل الدعم الأمريكي السافر والصمت العربي القاتل .
تلك المواقف والتصريحات كانت أكثر وضوحاً وجرأة في الموقف الأوربي , وهذا يعكس حجم الغضب الصهيوني من تلك التصريحات التي أفسدت الرواية الصهيونية وأبطلتها , وهي إشارة أوربية قوية غير مسبوقة بأن من حق شعبنا مقاومة الإحتلال بكافة الوسائل المتاحة شعبياً , وهذا الحق في المقاومة مكفول وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية , حيث أن التجارب البشرية والفطرة الإنسانية ترفض الإحتلال وتسعى إلى إقتلاعه وإنهائه .
فماهي الرسالة التي يجب أن نلتقطها فلسطينياً من تلك التصريحات الأوربية ؟ بكل تأكيد يجب الإستفادة منها وإستثمارها في مصلحة القضية الفلسطينية, وحق شعبنا في مقاومة الإحتلال وإزالته, عبر تبني السلطة والفصائل الفلسطينية بشكل كامل لإنتفاضة القدس سياسياً وإعلامياً ومالياً , والتخلص من حالة الإرباك في الأداء السياسي والإعلامي في التعاطي مع إحداث إنتفاضة القدس , وعلى السلطة وأجهزتها الأمنية إفساح المجال للفصائل الفلسطينية والفعاليات الشبابية بأخذ دورها في المشاركة الفاعلة في الإنتفاضة , وأن تعمل على تطبيق مقررات المجلس المركزي المتعلقة بوقف التنسيق الأمني , ويجب أن لا يتأخر تحديد أدوات الإنتفاضة وأهدافها أكثر من ذلك وحسمها في نقاش عاجل يجمع كافة الفصائل والهيئات والتجمعات الفلسطينية , بحيث تخرج إلى العلن رؤية وطنية فلسطينية واضحة المعالم , تقود المرحلة الحالية الصعبة في تاريخ نضالنا الفلسطيني , تقوم على أساس الوحدة الفلسطينية وإنهاء الإنقسام السياسي , والتأكيد على حق شعبنا في مقاومة الإحتلال , وترسيخ القناعة الفلسطينية أن الإحتلال لن يرضخ لحقوق شعبنا الا عبر المقاومة , وكما يجب أن لا نقصر على أنفسنا أنواع محددة من أساليب المقاومة, بل يجب أن نترك للإنتفاضة تطورها الطبيعي لردع الإحتلال وإيقاف جرائمه , مع تجديد الإيمان بأن المقاومة بكافة أنواعها ووسائلها هي الخيار الإستراتيجي لطرد المحتل , بعد أن فشلت كل مسارات التسوية مع الإحتلال وإستمرار تعنته وممارسة عدوانه ضد أهلنا وشعبنا ومقدساتنا, فالمشروع الفلسطيني الوطني لن ينجز إلا بوحدة الكلمة والصف , وقوة وصلابة الموقف الفلسطيني , وفي مقدمة كل ذلك مقاومة مستمرة وإنتفاضة مشتعلة .
بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني
10-12-2015م