وحواف جمع حافة وحافة الشيء هو تعبير مادي ملموس مثل حافة الورقة أو الطاولة وأحيانا يركب كمصطلح ينسب لشيء يعطي معنى مثل حافة الهاوية أي أن الشيء يكون في آخر نقطة لها ارتكاز على ما تحتها فإذا تجاوز تلك النقطة سقط وانهار هو ومن كان ممسكا به أو مركب فيه، وحواف الانتحار أو حواف التطرف تعني على وشك الدخول لتلك الحالة من الانتحار و التطرف والحديث هنا ليس عن التطرف الديني فالتطرف الديني هو سبب المشكلة في هذه الجماعة من الناس القاطنين في غزة.
عندما ضاق العيش بالناس في غزة ومورست عليهم التفرقة والعنف والإقصاء والاستئصال وتغييب القانون والشفافية والنزاهة والعدل وكلها تعني الظلم ظهرت حالات الانتحار بين السكان وظهرت موازية لها قوة الدين في جمع المريدين له ليقوموا بالتصدي للظلم فكان التصدي باسم الدين لإصلاح وتغيير الحال وعنفت أو ارتفع عنف أداة الاستخدام فوقعت الضحايا وغادرت سلطة كانت قاهرة وجاءت سلطة المتدينين الاسلاميين بحماس للسلطة وهنا لا نتحدث عن الشرعيات والأسباب منفردة بل شملنا الوضع بالظلم.
الآن بعد ثمان سنوات من جماعة الاصلاح والتغيير يعيش الناس في غزة ظلما من نوع آخر رغم احتوائه مبكرا الاستئصال والإقصاء وتغييب القانون والعدل السابق وأصبح الظلم الجديد عابرا أو متجاوزا للحدود الجغرافية من وإلى القطاع وتعدد اللاعبون السياسيون والاقتصاديون والاستخباريون وتعددت الاجندات للمانحين والسالبين حياة البشر من هذا الجمع من الناس المظلومين سابقا ولاحقا في غزة.
أصبح مجتمع غزة طبقتين طبقة أمراء السياسة والاقتصاد وطبقة القحطانين المقهورين بمنشار السياسة رايح جاي وتَخَلفَ المجتمع الغزي عن ركب الحضارة بالحصار المادي والمعنوي وتدحرجت سيكولوجية القوة والثبات المعروفة سابقا عن هذه الجماعة الغزاوية من الناس إلى سيكولوجية الانسان المقهور طويلا بدءً بحقبة جاهلية أوسلو وانتهاءً بحقبة اسلام حماس فلم يصلح الحال ولكنه تغير وتغير كثيرا بعيدا عن المطلوب لإنهاض شعب تحت الاحتلال يطمح في الاستقلال وتقرير المصير ليصبح تحت طائلة الفقر والعوز والمنع والقصف والدمار وعدم الاعمار وخراب الخدمات واستشراس الأجندات ولم ينقذهم حتى الآن لا المتدين ولا الوطني ولا العلماني ولا اليساري ولا البنك الدولي.
سقطت جدر الحماية للعقل الغزاوي فبات يعاني كل أنواع القهر السياسي والاجتماعي والاقتصادي بكل تفاصيلها ومركباتها وما ينتج عنها من تحلل قيمي وأخلاقي ووطني في مواجهة الحياة وصعوباتها والإنسان المقهور أصلا كان يفقد جدار أو اثنين من جدر الحماية للعقل فما بالك وهو يفقد كل جدر الحماية التي تحفظ توازنه فلا الشيخ والمسجد حل له قهره وعوزه وحركته ولا الوطني وحزبه حل له قهره وعوزه وحركته ولا اليساري حل له ذلك ولا العلماني ولا المتبنك الدولي، فماذا يفعل وهو على حافة الهاوية؟
صحيح يستشعر الغزاويون ببعض الأمن من الجريمة والسرقة ولكن ماذا لديهم ليسرق وماذا لديهم ليرتكبوا الجريمة، فليس معهم وليس لهم قدرة لفعل ذلك ولكنهم لا يشعرون بالأمن الفكري والسياسي والمجتمعي والاقتصادي والخدماتي وحرية التنقل وزاد الطين بلة هؤلاء المتضورين جوعا وجنسا وبطالة من أبنائهم فسقطوا جميعا مكتئبين مستسلمين بفعل الضعف والخوف طوال ثماني سنوات بعد أن أدركوا كذب السياسيين وألاعيبهم بأن ليس هناك من ضوء آخر النفق.
ومع الصدمة تلو الصدمة من فشل كل الأشياء تتطور حالتهم من البؤس والعوز والجهل والمرض وقسوة الحياة ليدخلوا حالة من اثنين إما الانتحار وإما التطرف، والتطرف هنا ليس تطرفا دينيا فقد جربوا المتدينين وقد ساقوهم منذ البدء لحل لم يستطيعوا بعده لم شملهم والنهوض بهم كما قلنا ولكني حقيقة لا أعرف طبيعة ما ستفعله هذه الجماعة المقهورة طويلا وكيف سيتصرفون، لكنني أجزم بأنهم سيتصرفون بشيء مغاير لما هم يرزحون تحت طائله وبالمؤكد تصرفهم سيكون متطرفا فلم يعد عقلاء فيهم بعد طول مدة القهر والجوع وعطش الاستقرار وصعوبات الحياة بعد فقدوا جدر حماية عقولهم ولا أحد يتوقع ماذا سيفعلون وكيف سيتصرفون لكنهم بين ثنائية "الحواف" للانتحار والتطرف .
د. طلال الشريف
13/12/2015م