تستحق نقاشا معمقاً المبادرة السعودية لتشكيل تحالف إسلامي عسكري لمواجهة الارهاب.
لم تتضح بعد معالم وتفاصيل وآليات تشكيل التحالف الإسلامي الذي تبادر لإقامته السعودية، وماهية الدوافع التي جعلت السعودية تفعل ذلك في ظل التحالفات والتدخلات الدولية الفاعلة وغير الفاعلة في هذا السياق، ولماذا لا تبادر السعودية لتفعيل قرارات كانت اتخذتها الجامعة العربية تحت عناوين الدفاع العربي المشترك، وحديثاً تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة.
كانت فكرة تفعيل الاتفاقات العربية في هذا الخصوص، ستوفر الكثير من الأسئلة، والكثير من التحفظات، والملاحظات التي تنطوي عليها المبادرة الجديدة التي لا نعلم إن كانت مجرد مبادرة يجري العمل على تنفيذها أم انها إعلان عن وجود مثل هذا التحالف.
لا ضرورة من حيث المبدأ للسؤال عن دوافع أي عمل أو تحالف يستهدف مواجهة الإرهاب الذي يضرب في كل مكان وإن كان مركز فعله الأساسي موجودا في المنطقة العربية، والسعودية واحدة من الدول التي يستهدفها الإرهاب ومن حقها بل ومن واجبها أن تبادر وهي دولة كبيرة وغنية أن تقوم بحماية مجتمعها. ولكن لماذا يقتصر التحالف على خمس وثلاثين دولة من بين سبع وخمسين دولة تتشكل منها منظمة التعاون الإسلامي ولماذا لا تطرح هذه المبادرة على منظمة التعاون الإسلامي؟ أم ان الأمر ينطوي على حصر المسألة بالدول الإسلامية السنية كما تنصح بذلك الولايات المتحدة الأميركية؟.
إن كان الأمر كذلك فإن المسألة تنطوي على تمييز طائفي وعقائدي ويشي بأن الأهداف تتجاوز الحرب على الارهاب إلاّ إذا كان مفهوم الإرهاب والإرهابيين ينطبق على دول مثل إيران، والجماعات الشيعية الأخرى الناشطة في مجال السياسة؟
والسؤال الثاني يتعلق بطبيعة التحالف باعتباره عسكرياً، الأمر الذي لا يشكل استراتيجية شاملة، لمكافحة الإرهاب، تبدأ من تجفيف منابعه الفكرية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. مكافحة الإرهاب تحتاج إلى ثورة لإصلاح الخطاب الديني كما أشار الى ذلك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتحتاج إلى ترسيخ دولة المواطنة، والعدالة الاجتماعية، وإدماج المهمشين في المجتمع في عمليات التنمية وأيضاً في ملاحقة الممولين أفراداً كانوا أم جماعات أم دولا.
والسؤال الثالث، يتعلق بالتشكيل من زاوية إن كان سيقتصر على دول إسلامية أم يشمل أيضاً جماعات الإسلام السياسي، ذلك أن توسيع الدائرة، بما يشمل جماعات إسلامية من شأنه أن يخلق الكثير من المشكلات لدى العديد من الدول الهامة، التي تخوض صراعاً مريراً ضد هذه الجماعات في بلدانها.
السؤال الرابع، يتعلق بمفهوم الإرهاب، وإن كان على هذا الحلف أن يخوض صراعا، ضد ولتصحيح مفهوم الإرهاب الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية، ذلك المفهوم الذي يصف الإرهاب الإسرائيلي على أنه دفاع عن النفس، أما الأعمال والعمليات الفلسطينية على انها ارهاب.
المفهوم الذي ينبغي أن يستظهره هذا التحالف ينبغي أن يستند إلى الشرعية الدولية، ومواثيقها وقراراتها التي تعطي الحق للشعوب المحتلة أن تستخدم كافة أشكال النضال بما في ذلك المسلح لتحقيق استقلالها. هذا المفهوم ينبغي أن يكون واضحا إزاء التدخلات العسكرية المباشرة في شؤون دول ذات سيادة وبدون مستندات شرعية، وان يستبعد الصراع حول المصالح والنفوذ، طالما لا يأخذ هذا الصراع أبعاداً غير شرعية وغير قانونية.
وبعيداً عن الأسئلة المتعلقة بكيفية اتخاذ القرارات، ومسائل التمويل والقضايا اللوجستية التي تنطوي على تفاصيل مهمة، وكيفية تشكيل الأذرع العسكرية، فإن الكثير من الأعمال الارهابية التي تضرب هنا وهناك، لا تحتاج إلى مواجهات عسكرية، حيث أنها تتخذ طابعاً أمنياً يستدعي تفعيل دائرة تبادل المعلومات، وملاحقة الخيوط والمجموعات المتنقلة مما يعطي هذا التحالف أبعاداً دولية.
أما لماذا على دولة فلسطين أن تكون عضواً فعالاً، فإن الإجابة تكمن في أن الفلسطينيين هم أكثر الشعوب التي تتعرض للإرهاب. الفلسطينيون يتعرضون للإرهاب، بل لأبشع أنواع الإرهاب الذي عرفته البشرية، وهو إرهاب مستمر بدون توقف وبدون رادع منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917. ليس هناك ملف طافح بجرائم الحرب، وبإرهاب الدولة مثلما هو حال الملف الإسرائيلي الذي تحميه الولايات المتحدة الأميركية التي يتنافخ فيها المسؤولون حول مخاطر الإرهاب وضرورة مواجهته، فيما الكل يعلم بأن مواجهته تبدأ من الولايات المتحدة التي حرضت على الإسلام والمسلمين، وساهمت في خلق ظواهر الإرهاب في المنطقة.
إذن المسألة تبدأ بتقديم تعريف للإرهاب، وعدم حصره في مواجهة تنظيم الدولة "داعش" وأخواتها رغم أهمية ذلك ثم يقتضي النجاح باستقلال هذه المبادرة وأصحابها قولاً وفعلاً عن السياسات والأهداف الأميركية الإسرائيلية، لأن الكل يعلم يقيناً بأن المنطقة تتعرض لزلزال خطير أحد أبرز أهدافه إعادة تقسيم المُقسّم العربي، أو ما يسميه البعض سايكس ـ بيكو القرن الحادي والعشرين، ولمنع الولايات المتحدة من ترحيل تكاليف هذه المجابهة على العرب والمسلمين بعد تجاربها الفاشلة في الحروب.
الفلسطينيون يأملون أن يكون لهذا التحالف العسكري دور في مواجهة الإرهاب الإسرائيلي، لكنهم لا يطلبون ولا ينتظرون ذلك من هذا التحالف لأسباب نحن في غنى عن طرحها، ولكنهم يأملون في أن يشكل هذا التحالف سنداً سياسياً ومالياً قوياً للفلسطينيين الذين يواجهون يومياً وباللحم الحي، كل أشكال الإرهاب الإسرائيلي.
طلال عوكل
2015-12-17