الحقوق الفلسطينية في التعويضات

بقلم: عماد شقور

أَمام الفلسطينيين ثلاثة خيارات: الخيار الأول السهل هو المراوحة في المكان والإنتظارالى حين "يغير الله من حالٍ إلى حالِ"، سواءً في البيت الابيض الأمريكي، او "البيت الاسود" الاسرائيلي؛ امّا الخيار الثاني الأسهل من الأول فهو المزاودة وخداع الجماهير، من مثل " بذل الجهد" لاقناع ساكني مخيم الجلزون او عين الحلوة (مثلاً) بـ "حق العودة" ؛ في حين ان الخيار الثالث الصعب هو الصراحة والتجرّؤِ على مواجهة الواقع كما هو، ليس بهدف الخنوع له، بل بهدف تغييره لما فيه مصلحة حقيقية للشعب الفلسطيني، حتى وان رافق ذلك احتمال التعرض من المزاودين والدجّالين للتشكيك.
في التعويضات ايضا ثلاثة أشكال: أوّلها ما يُعوّض عنه بمثله ومن جنسه، على شاكلة سكك الحديد مثلا، والطرق المعبّدة والمدارس والمستشفيات والبيوت والمعدّات والسيارات؛ وثانيها ما يُعوّض عنه بغيره، مثل القتل والدم والاصابات؛ وثالثها ما يُعوّض عنه بما هو ليس من جنسه، مثل كل ما يُعوّض عنه بالإعتراف بالخطأ او الجريمة وتقديم الإعتذار. فأين نحن الفلسطينيين من كل ذلك في تعاملنا مع اسرائيل؟
أقول ذلك دون أن يعني الأمر التنازل عن اي حق للأفراد الفلسطينيين. اتحدث هنا عن الحق العام للشعب الفلسطيني، الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية، باعتراف الشرعية الدولية، وباعتراف اسرائيل صراحة وخطيا وقانونيا، (بعد رسالة رابين إلى ابو عمار، ومصادقة البرلمان الاسرائيلي- الكنيست على اتفاقية اوسلو وملحقاتها). واكثر من ذلك، ان خوض هذه المواجهة مع اسرائيل، لا يعني باي حال، التوقف عن اي مواجهة اخرى مع الاحتلال، على جميع الاصعدة دون استثناء.
كمِثل ما بدأت في صياغة هذا المقال بثلاثية، فإن هناك ثلاث نقاط يجب ان تلتقي لضمان إحراز الهدف: اولاها وضع وتحديد اهداف قابلة للتحقيق؛ والثانية هي رسم ووضع برنامج وخطّة محكمة للتنفيذ؛ وثالثتها هي تأمين التمويل لذلك البرنامج. بدون اي واحدة من هذه النقاط يكون احراز الهدف مستحيلا، ويكون العمل على مستوى الهواة المتلاعبين بمصير هذا الشعب المنكوب.
بداية الإحباط، والخطوة الاولى على طريق الفشل والهزيمة، هي صياغة السؤال بلغة المهزومين، من مثل: هل تقبل اسرائيل؟. من قال لهؤلاء أنّ اسرائيل هي جمهورية مصر العربية، او الجمهورية الجزائرية مثلا؟ من قال لهم ان اسم نتنياهو هو بنيامين بن بيللا؟. انه عدو، بل "العدو" بأل التعريف. السؤال الصحيح هو: كيف اجعل اسرائيل توافق؟ وان لم انجح بسهولة: كيف اشجع اسرائيل لكي توافق؟ ثم، ان لم يثمر ذلك، يكون السؤال: كيف أُرغم اسرائيل على القبول بذلك؟؟
تحضرني في هذا السياق واقعة من التاريخ الحديث: ففي مساء يوم 18.2.1968، إثر عملية فدائية فلسطينية في محيط قرية ابو غوش غرب القدس، بطلاها هما وليم نصّار وكمال النِّمري، قال موشي ديان: "فتح مثل بيضة في يدي متى شئت اكسرها". ولكن ديان نفسه عاد وقال في مؤتمر صحافي بعد ساعات من معركة الكرامة يوم 21.3.1968، ان مسألة مواجهة الفدائيين معقدة. وبعد تذكيره بما قاله قبل اربعة اسابيع، اجاب: " الحمار وحده لا يغيُّر رأيه… تغيرت المعطيات والظروف، فغيَّرتُ رأيي".
ثم، إن كان ليس سليما ولا حكيما أن نعبر عن احترامنا للماضي وتقديرنا له، باعتماد سياسة تُلحق ضررا بالحاضر، فانه ليس من الحكمة ان نخدم الحاضر بسياسة تُلحق ضررا بالمستقبل، او تمنع عنه منفعة.
ان الكلمات الفصيحة لا تكفي لجعل الافكار العامية فصيحة. والصوت العالي لا يدل، بالضرورة على ان من يُطلقه مصيبا او حكيما. وكثيرا ما يردّدون في اسرائيل: لا يكفي ان تكون مُحِقّاً، يجب ان تكون حكيما.
نتحدث عن الحقوق الفلسطينية والتعويضات من اسرائيل، فنذكر، من باب التوضيح: خبر في صحيفة الغارديان البريطانية يوم 26.7.2013 يقول: "بعد نحو مئتي عام، اكثر من عشر دول في منطقة الكاريبي، تخوض صراعا للحصول على تعويضات، جراء جرائم ارتكبتها بريطانيا وفرنسا وهولندا في المرحلة الكولونيالية، ويدّعون ان اضرارها ما زالت ملموسة حتى اليوم". وفي نص الخبر ان منظمة المجتمع الكاريبي، التي تضم في عضويتها 14 دولة، تعاقدت مع مكتب المحاماة "لاي دي" البريطاني لتمثيلها في هذه المطالبات، وذلك بعد ان كسب المكتب المذكور قضية شبيهة رفعها عدد من المواطنين من كينيا ضد الحكومة البريطانية بسبب تعرضهم للتعذيب في فترة تمرُّد حركة الماو ماو في الخمسينات من القرن الماضي.
هذا الأمر شجع كثيرين من مناضلي الماو ماو الكينيين، (حوالي عشرة آلاف شخص) من بين الذين تعرضوا للتعذيب، ان يرفعوا قضايا تعويض. ولعله من المضحك المبكي ان واحدا من هؤلاء، اسمه أونيانغو أوباما واسم ابنه حسين اوباما، واما اسم حفيده فهو باراك أوباما، الرئيس الحالي لاقوى دولة في العالم.
عودة سريعة إلى منطقتنا وعالمنا العربي، تكشف لنا ان الحكومة البريطانية، اقترضت من الحكومة المصرية، اثناء الحرب العالمية الأولى، مبلغ ثلاثة ملايين جنيه استرليني، لم تردها حتى الان، وان قيمتها وفوائدها حتى الان تساوي 28 مليار جنيه استرليني، يُطالب بعض افراد الشعب المصري باستردادها من بريطانيا، وقد تتحول قريبا إلى مطالبة من قِبَل الحكومة المصرية. ولعله من المناسب في هذا السياق، الاشارة إلى ان بنك مصر، الذي تملكه الحكومة المصرية، قد تقدم في شهر يوليو/ تموز الماضي، حسب ما جاء في الملحق الاقتصادي لجريدة يديعوت احرونوت الاسرائيلية، يوم 6.7.2015، بدعوى قضائية امام المحكمة المركزية في القدس، مطالبا بحقوقه من "القيِّم الاسرائيلي على املاك الغائبين"، مقابل ثمن وارباح 1000 سهم في فندق الملك داوود (ما غيرو)، تحولت ملكيتها لبنك مصر. وياتي كل هذا بعد ان كسبت عائلة بيرغمان اليهودية سنة 2007، قضية امام المحكمة المصرية، استردت بموجبها مبلغ 40 مليون دولار من الحكومة المصرية، بسبب تأميمها في العام 1956، لفندق سيسيل في الاسكندرية الذي كان مُلكا لتلك العائلة.
صديق لي، هو الدكتور تيسير عاروري، الاستاذ في جامعة بير زيت، قال لي قبل عامين انه يعرف بعض تفاصيل اقراض بلدية نابلس مبلغ عشرة آلاف جنيه فلسطيني لبلدية تل ابيب قبل العام 1948، ولم تسدد بلدية تل ابيب قيمة القرض وفوائده حتى اليوم. هل بحثُ بلدية نابلس في ارشيفها وارشيفات غيرها استعدادا للمطالبة بحقها فعل مشين؟
ثم، هل يعني اي تحرك في هذا الاتجاه تنازلا او تفريطا بحق اللاجئين الفلسطينيين؟
هل نسينا الهند؟ انها، بلسان المعارضة إلى ما قبل اشهر معدودة، ثم بلسان رئيس حكومتها هذه الايام، تطالب بريطانيا بـ 3 تريليونات دولار تعويضات.
قضيتنا مع اسرائيل اكثر وضوحا، اكثر بساطة، واسهل حلا. وكل يوم يمر يجعل القضية اصعب واكثر تعقيداً.
هل هناك من يعتبر؟

٭ كاتب فلسطيني

عماد شقور