يستحق عن جدارة الخليفة السلجوقي أردوغان لقب أفضل ممثل مسرحي عن دوره المضلل والمخادع والمنافق،فهو الذي كان يتحدث هو ورئيس وزرائه داود اوغلو الحالي ووزير الخارجية السابق في كتابه "العمق الإستراتيجي" الذي شرح فيه عودة تركيا الى "الحضن الإسلامي" والمحيط العربي وليحقق رؤيته ب "صفر مشاكل" لتركيا مع جيرانها،والتي نجد الان بفعل سياساتهما الحمقاء وغير المسؤولة ما تحقق منها هو "صفر صداقات"،اللهم صداقته مع "اسرائيل" و"داعش"،واليوم عندما تتحدث القناة العاشرة الإسرائيلية عن تحول "تاريخي" في العلاقات التركية – الإسرائيلية نتيجة اتفاق نتج عن لقاء رئيس "الموساد" الإسرائيلي مع مساعد وزير الخارجية التركي في سويسرا ليثمر ذلك اللقاء عن اتفاق سيجري التوقيع عليه قريباً،هذا الإتفاق الذي سأتعرض له خلال هذه المقالة،ولكن قبل ذلك يجب القول بأننا كفلسطينيين وعرب،نبني مواقفنا ورؤيتنا واستراتيجيتنا،ليس على قدراتنا وإمكانياتنا،واستخدام عقولنا في التفكير والتحليل،بل نرهن رؤيتنا ومواقفنا واستراتيجياتنا للخارج،حتى فيما يخص مصالحنا وشؤوننا الداخلية،ونستسهل العاطفة على العقل في بناء مواقفنا ورسم استراتيجياتنا وتحالفاتنا،وضمن ذلك لا غرابة بأننا جميعاً كعرب ومسلمين قد انبهرنا بقناة "الجزيرة" كمحطة اعلامية متميزة وذات مهنية عالية وسرعة ومصداقية في نقل الخبر،وقد تمتعت بقدر عال من المصداقية في وقت كانت فيه مصداقية وسائل الاعلام العربية منخفضة ولا يوثق في اخبارها لكونها ابواق لأنظمتها،وبعيدة عن نبض الشارع والجماهير،ولنكتشف لاحقاً بان هناك دوراً مرسوماً لهذه المحطة ضمن مشروع سياسي كبير تقوده أمريكا والغرب الإستعماري لتدمير المنطقة العربية وادخالها في حروب التدمير الذاتي،فبعد ان حازت "الجزيرة" على ثقة الجماهير العربية،بدأت بممارسة دورها وبث سمومها،ضمن الدور المرسوم لها في تخريب وعي الجماهير العربية والإستحواذ عليه،لكي تقف ضد مصالح شعوبها وتشارك في مؤامرة التدمير والتخريب والتفكيك للجغرافيا العربية،تحت يافطة وذريعة "ثورات" الربيع العربي.
لا أعرف ماذا سيقول الذين كانوا يرفعون صور الطاغية أردوغان في الساحات والميادين من العرب والفلسطينيين؟؟؟،حتى ان البعض منا كفلسطينيين أصبحت قبلته انقرة،ونموذجه أردوغان كزعيم مسلم س"يحرر القدس"،وكادوا اكثر من مرة ان يحدثوا فتنة كبرى في بيت المقدس،بسبب إصرارهم على رفع صوره في ساحات المسجد الأقصى بمناسبة او دون مناسبة،وليس ذلك فقط،بل تعطل المصالحة الفلسطينية جزء كبير منه بسبب تغليب الأيديولوجي على الوطني والعلاقة بالمحاور العربية والإقليمية على المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
سأعود بالتفصيل لكي أفضح تضليل واكاذيب أردوغان،ولكن قبل ذلك سأتعرض للتحول والإتفاق التاريخي المتوقع توقيعه بين اسرائيل وتركيا،لكي نتعلم كعرب وفلسطينيين بأن الدول تتحارب وتتصالح،وتبحث عن مصالحها،وفي النهاية نكون نحن ضحايا لرهاناتها وفشلها.
وبحسب "القناة العاشرة" الإسرائيلية فإن هذه التفاهمات من المتوقع أن يتم التوقيع عليها "في الأيام القريبة"،ومن جملة التفاهمات بين الجانبين الإسرائيلي والتركي، سماح أنقرة بمرور أنبوب لنقل الغاز على أراضيها، وكذلك "البدء فوراً" بمداولات حول شراء تركيا للغاز من إسرائيل.
وجاء في المعلومات التي أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، قبول أنقرة بتقييد نشاط "حركة حماس" على الأراضي التركية، ومنع المسؤول في الحركة صالح العاروي من الدخول إلى البلاد، فضلاً عن عدم سماحها بـما وصفته بـ"الأنشطة الإرهابية".وفي ورقة التفاهمات أيضاً الدعوة إلى إعادة السفراء بين الدولتين،وإلغاء الدعاوى ضد جنود الجيش الاسرائيلي بعد حادثة سفينة مرمرة.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن تل ابيب وافقت على دفع عشرين مليون دولارٍ كتعويضاتٍ لضحايا السفينة،فضلاً عن إنشائها لصندوق خيري لـ"متضرري مرمرة". ووصفت "القناة العاشرة" العلاقات بين أنقرة وتل أبيب بأنها "أمام تحول تاريخي".
واضح من هذا الإتفاق بان اسرائيل قد فرضت شروطها بالكامل،ولم يعد أردوغان الذي كان الإخوان وحركة "حماس" يصفقون له ليل نهار،يتذكر شرطه اللفظي رفع الحصار عن قطاع غزة،بعد أن كان عراب فصل القطاع عن الضفة ومشاريع الدولة الفلسطينية المؤقتة.
نحن كعرب وفلسطينيين خدعنا بأردوغان،واعترف أمامكم انا واحد منهم،وكتبت مقالة بعد كلماته القاسية التي وجهها لشمعون بيرس في مؤتمر "دافوس" الإقتصادي بسويسرا عام 2009،بأن الحرب العدوانية التي شنتها اسرائيل في أواخر عام 2008 على قطاع غزة،قتلت عدد كبير من "الإرهابيين" هذا الإنجاز بالقتل في هذه الحرب التي يتبجح بها بيرس،سقط فيها الكثير من الأطفال والنساء،وبالتالي استغرب لماذا يصفقون لك الحضور..؟؟،المهم كتبت مقالة "ليت لنا زعيم عربي كأردوغان"،والتي أعتذر عنها علنا وجهراً،معتقدا بانه تخلى عن طموحاته لإقامة خلافته على حساب الدم والجغرافيا العربية،ولكن التطورات اللاحقة كشفت بأنني كنت مخطىء.
بعد ذلك زادت وارتفعت شعبية أردوغان عند العرب عامة والفلسطينيين خاصة،عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية السفينة " مرمرة" التي كانت ضمن ما يسمى بأسطول الحرية الذي قدم لرفع الحصار عن غزة،حيث نتج ذلك قتل وجرح العشرات ممن كانوا على ضهرها من المواطنين الأتراك،وتراجعت العلاقات التركية – الإسرائيلية كثيراً،وساد اعتقاد بان تلك العلاقات لن تعود لسابق عهدها،ولن تكون على حساب علاقات تركيا بالفلسطينيين.
مع بداية "ثورات" الربيع العربي،وقف أردوغان الى جانب القائمين عليها،وأصبحت علاقات أردوغان قوية بالنظام المصري الذي اعتلى فيه الإخوان المسلمين متسلقين الى سدة الحكم،بسبب التماثل الإيدولوجي بين الطرفين،ووقف ضد النظامين السوري والعراقي،ولعب دوراً رئيسياً في دعم وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية هناك من "القاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" التي تقاسم معها سرقة النفط السوري والعراقي الى "النصرة" التي شاركها في سرقة مصانع حلب،ولم يطل الوقت كثيراً حتى خسر مصر،حيث ساءت العلاقات بين أردوغان والسيسي بعدر حيل حكم الإخوان في مصر.
خسارات السياسة الخارجية التركية،لم تقف عند حد خسارة سوريا والعراق ومصر،بل حماقات وجنون عظمة أردوغان ورئيس وزراءه أحمد اوغلو،قادت الى كارثة حقيقية بالتدمير الكبير للعلاقات الروسية – التركية،بعد قيام مقاتلتين تركيتين وبضوء أخضر من واشنطن بإسقاط طائرة سوخوي 24 روسية فوق الشمال السوري،من أجل حماية تركيا لمصالحها فيما يسمى بالمنطقة الامنة والدفاع عن التركمان هناك، الجزء الذي تريد ان تستولي عليه من الأراضي السورية،وحماية خطوط تهريب نفطها المسروق من سوريا والعراق،روسيا ردت على ذلك بخطوات غير مسبوقة،حيث أوقف مشروع "السيل التركي" نقل الغاز الروسي الى تركيا،وقف كافة المشاريع التجارية مع تركيا،وبلغة الأرقام خسارة تركية لا تقل عن مئة مليار دولار سنوياً،وقف السياحة الى تركيا،القضاء على الدور التركي بالتدخل في سوريا،ونهاية ما يسمى بالمنطقة العازلة أو الامنة،يضاف لذلك الضربة القاصمة التي وجها بوتين لتركيا،بعد كشف الأقمار الصناعية الروسية عن خطوط النفط السورية والعراقية المهربة الى الموانىء التركية بمشاركة "داعش" وتورط أسرة أردوغان في ذلك،وقيام المقاتلات الروسية بقصف أكثر من الف صهريج تركي تنقل النفط السوري والعرقي المهرب.
تركيا من "صفر مشاكل" الى "صفر صداقات"،ما عدا صداقته مع أكثر دولة منبوذة في العالم "اسرائيل" الى أكثر منظمة إرهابية تمارس القتل والذبح باكثر الأشكال دموية،تدمر وتنهب وتمارس التطهير العرقي وتهدم حضارات عمرها ألآلاف السنين،هذه هي حقيقة الخليفة السلجوقي الذي طبلنا وزمرنا له عرب وفلسطينيين ورفعنا صورة في ساحاتنا ومياديننا..؟؟فهل نفيق لكي نستخدم عقولنا بدلاً من عواطفنا في رسم رؤيتنا واستراتيجياتنا وبناء مواقفنا إستناداً الى مصالحنا ووفق إرادتنا وإمكانياتنا وقدراتنا دون رهن ذلك للغير وما يجر ذلك علينا من خيبات ورهانات خاسرة وفاشلة.
بقلم/ راسم عبيدات