الإضراب المفتوح عن الطعام ( التعريف ، والجذور والقانون ، والأنواع ) :
تعريف الاضراب المفتوح عن الطعام :
الإضراب المفتوح عن الطعام أو ما يعرف بـ "معركة الأمعاء الخاوية أو المعركة الاستراتيجية فى السجون " وهو امتناع المعتقل عن تناول كافة أصناف وأشكال المواد الغذائية الموجودة في متناول الأسرى باستثناء الماء وقليل من الملح، وهي خطوة نادراً ما يلجأ إليها الأسرى؛ إذ أنها تعتبر الخطوة الأخطر والأقسى التي يلجأ إليها المعتقلون لما يترتب عليها من مخاطر جسيمة – جسدية ونفسية- على الأسرى وصلت في بعض الأحيان إلى استشهاد عدد منهم، ويلجأ الأسرى إلى مثل هذه الخطوة بعد نفاذ كافة الخطوات النضالية التكتيكية الأخرى، وعدم الاستجابة لمطالبهم عبر الحوار المفتوح بين السلطات الاحتلالية، واللجنة النضالية التي تمثل المعتقلين، حيث أن الأسرى يعتبرون الإضراب المفتوح عن الطعام ، وسيلة لتحقيق هدف وليس غاية بحد ذاتها ، كما تعتبر أكثر الأساليب النضالية السلمية وأهمها، من حيث الفعالية والتأثير على إدارة المعتقلات والسلطات والرأي العام لتحقيق مطالبهم ، كما أنها تبقى أولاً وأخيراً معركة إرادة وعزيمة وتصميم [1]، وهنالك أنواع من الإضرابات وفق الأهداف ، كالإضرابات الاحتجاجية ، والتضامنية ، والمطلبية ، والسياسية [2].
وهنالك نوعين من الإضرابات عن الطعام من حيث المدة :
- الإضراب غير المحدود : الإمتناع عن تناول الطعام لفترة تقل عن ثلاثة أيّام بُغية استنكار موقف ما يخص قضية ، أو حالة تضامن مع شخص معزول أو مريض أو كحالة احتجاجية مؤقتة .
- الإضراب غير المحدود عن الطعام : الإمتناع عن تناول الطعام لفترة زمينة غير محدودة ، وتقترن فترة انقضائها بتحقيق المطالب التي نفذّ من أجلها الإضراب وتبقى مفتوحة وقد تقترن بسقوط شهداء ، حيث يتم الإعلان بين المضربين عن الطعام أن الإضراب سيبقى مفتوحاً إلى أجل غير مُسمّى.
1- جذور وامتداد الإضرابات المفتوحة عن الطعام :
يعد الإضراب المفتوح عن الطعام من الوسائل السلمية الإحتجاجية منذ قديم الزمان ، فلقد اُستخدم في إيرلندا ما قبل المسيحية، حيث كانت تعرف باسم "troscadh" أو "Cealachan" وكانت توجد قواعد محددة للإضراب عن الطعام في ذاك الوقت ، وفي كثير من الأحيان يكون الإضراب عن الطعام أمام منزل الجاني، ويعتقد العلماء أن الإضراب أمام منزل الجاني يرجع إلى الأهمية العالية في حسن الضيافة آنذاك، حيث يعتبر السماح للشخص المضرب عن الطعام بالموت أمام المنزل عار كبير لصاحب هذا المنزل. ويقول آخرون أن هذا الإضراب يكون فقط لليلة واحدة، حيث لا يوجد أي دليل في إيرلندا يدل على موت المضربين عن الطعام ، وكان الهدف الأول للإضراب عن الطعام في ذاك الوقت استرداد الديون أو الحصول على العدالة ، وتوجد أساطير لـ سانت باتريك قديس أيرلندا تقول بأنه استخدم الإضراب عن الطعام [3].
أما في الهند، فقد ألغت الحكومة الهندية عام 1861 ممارسة الإضراب عن الطعام من أجل الحصول على العدالة أمام باب الطرف المخالف (عادة المدين)، وهذا يدل على انتشار هذه الممارسة قبل ذلك التاريخ أو على الأقل الوعي العام بها. وهذه الممارسة الهندية قديمة وتعود إلى نحو 400 إلى 750 قبل الميلاد [4].
وأكثر من اشتهر بالمقاومة السلمية “المهاتما غاندي” الذى سجن مرات لدى الحكومة البريطانية وبسبب مكانته العالمية فقد كرهت الحكومة البريطانية أن يموت وهو في عهدتها، وذلك خوفاً من تأثر سمعتها بهذا الحدث ، وشارك “غاندي” في العديد من أحداث الإضراب عن الطعام وذلك احتجاجاً على الحكم البريطاني في الهند وتبعه الكثير من المناضلين الهنود فى استخدام هذه الوسيلة النضالية ، وخاضت المُطالِبات بحق اقتراع المرأة في مطلع القرن العشرين إضراباً عن الطعام في السجون البريطانية ، وكانت “ماريون دونلوب” أول من بدأت الإضراب عن الطعام في العام 1909، وقد توفيت كل من “ماري كلارك” و”جين هيوارت” و”كاثرين فراي” وغيرهن نتيجة لما تعرضن له من إطعام قسري بالقوة ، وقد استخدمت المُطالبات الأمريكيّات بحق الاقتراع للمرأة أيضاً هذه الطريقة من الإحتجاج السياسي أسوة بنظيراتهن البريطانيات [5].
وقد تجذرت ثقافة الإضراب المفتوح عن الطعام بعمق في المجتمع الإيرلندي والفلسطينى ، فقد استخدم الجمهوريون الإيرلنديون هذه الطريقة منذ العام 1917 وأيضاً خلال الحرب الإنجليزية-الإيرلندية في العقد الثاني من القرن الماضي، وأول إضراب عن الطعام قام به الجمهوريون قابله البريطانيون بالإطعام القسري، والذي تصاعد في العام 1917 ووصل ذروته باستشهاد “توماس آش” في سجن “مونتجوي” ، وبعد نهاية الحرب الأهلية الإيرلندية في أكتوبر من العام 1923 دخل ما يقرب من 8000 سجين من الجيش الجمهوري الإيرلندي في إضراب عن الطعام احتجاجاً على استمرار دولة إيرلندا الحرة في اعتقالهم ، وقد لجأ الجيش الجمهوري الإيرلندي المؤقت لهذه الطريقة مجدداً في مطلع سبعينيات القرن الماضي ، وفى العام 1981م توفي عدد منهم في تلك الإضرابات كان أشهرهم بوبى ساندز الذى توفى فى 5 مايو 1981م [6].
واستخدم تلك الوسيلة السلمية الكوبيون ففي إبريل من العام 1972 قام المنشق السياسي والشاعر المسجون “بيدرو لويس بوايتيل” بإعلان إضرابه عن الطعام ، حيث عاش ما يقارب 53 يوماً على السوائل فقط ، مما أدى إلى وفاته في 25 مايو 1972، واشتهرت العديد من الحركات الثورية التى ناضلت ضد الاستعمار وسلطات الاحتلال باستخدام هذه الوسيلة النضالية كجنوب أفريقيا ، ولقد دفع الشعب الفلسطينى العديد من شهداء الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة كان أولهم الشهيد عبد القادر أبو الفحم فى 11/7/1970م فى أعقاب أول إضراب جماعى ومنظم فى 5 تموز 1970 بسجن عسقلان [7]، واستشهاد آخرين أثناء إضراباتهم الجماعية والفردية والتى وصلت إلى ما يقارب من 260 يوماً متتالية كما حدث مع الأسرى ( سامر العيساوى وأيمن الشراونة ) فى إضرابات فردية ، فى أعقاب شرارة إضرابات فجرها الشيخ المجاهد خضر عدنان في ديسمبر/كانون الأوّل من عام 2011 ، والتى كانت الأطول والأقسى فى تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة رفضاً لسياسة الاعتقال الإدارى[8] .
2- تصنيف الإضرابات المفتوحة عن الطعام :
أ - تصنيف من حيث المشاركة :
- إضرابات جماعية : هو دخول جماعى شبه إجبارى للأسرى ، وغالباً ما يحمل قضايا مطلبية تتمثل بتحسين الظروف المعيشية ، وقد تصل المشاركة فيه لكل الأسرى باستثناء بعض الحالات المرضية المزمنة ، وقد يمتد لكل السجون أو غالبيتها كإضراب 1992 ، أو للمعظم كما الإضرابات السياسية ، وإضراب 2012 المطلبى .
- إضرابات فردية : هو دخول فردى تطوعى فى إضراب مفتوح عن الطعام ، كشكل نضالى فرضته أسباب ذاتية وموضوعية [9]، استدعته الظروف فى ظل عدم الإجماع أو تحقيق الأغلبية المطلوبة للدخول فى خطوات استراتيجية تحمل أهداف سامية ووطنية كرفض الاعتقال الإدارى ، أو التمديدات تحت مسمى مقاتل غير شرعى ، أو المطالبة بتطبيق قانون أسرى الحرب على الأسرى الفلسطينيين وقضايا أخرى ، وبرزت بشكل كبير فى الأعوام ما بين ( 2011 – 2015 )
ب- تصنيف من حيث الأهداف :
- الإضرابات الاحتجاجية: مثل احتجاج الأسرى على سوء الطعام نوعاً وكماً ، أو الاستهتار بحياة أسير معرضة حياته للخطر والمطالبة بنقله للمستشفى ، أو بسبب منع ادخال احتياجات الأسرى من ملابس وأغطية وأحذية عبر الزيارات وقضايا أخرى .
- الإضرابات التضامنية: مثل الإضراب عن الطعام لوجبات أو أيام مع الأسرى المضربين عن الطعام احتجاجاً على اعتقالهم الادارى التعسفى بلا لوائح اتهام ، أو التضامن مع الأسرى المعزولين لفترة طويلة بشروط غير محتملة وغير انسانية مخالفة لكل الاتفاقيات الدولية .
- الإضرابات المطلبية : وهي أكثر الإضرابات تكراراً منذ بدء الحركة الأسيرة ، وتصل لفترات طويلة وفق تلبية إدارة السجون لمطالبهم ، وتهدف لتحسين ظروف الأسرى الحياتية ، والرعاية الطبية ، وشروط زيارة الأهل ، وتطبيق الاتفاقيات الدولية على الأسرى فى التعليم وشروط الاعتقال ، والتهوية ، والحقوق الأساسية ، وقضايا مطلبية تقتضيها الحاجة من فترة إلى أخرى [10].
- الإضرابات سياسية : لم تمر الاتفاقيات السياسية التى وقعت بين الطرفين الفلسطينى والاسرائيلى بشأن الأسرى مروراً عابراً، بل واجهت غضباً شديداً وانتقاداً لاذعاً من قبل الأسرى ، وقاموا بثلاث اضرابات سياسية مفتوحة عن الطعام للمطالبة بحريتهم [11]، كان أولها فى 21/6/1994، والثانى فى 18/6/1995 ، والثالث فى 5/12/1998 ، وكان لهذه الاضرابات التأثير الكبير بالضغط على طواقم المفاوضات والرعاة الدوليين للعملية السياسية للضغط من أجل الافراج عنهم ، وتم الافراج عن الآلاف بموجب المفاوضات السياسية ونضالات الحركة الأسيرة فى السجون بابراز قضيتهم ، باستثناء من قام بعمليات بطولية - كان الباحث أحدهم - تسببت بجرح أو قتل اسرائيليين رفضت اسرائيل الافراج عنهم ، ولازال عدد منهم فى السجون بعد أكثر من 20 عام على اتفاقية أوسلو .
الإضرابات المفتوحة عن الطعام فى القانون الدولى :
إعتبرت الاتفاقيات الدولية على ضرورة احترام خيارات المحتجزين والحفاظ على كرامتهم الإنسانية ، ويتفق موقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولى مع موقف الرابطة الطبية العالمية والمعلن عنه في إعلاني مالطا وطوكيو المنقحين في سنة 2006 ، لذا من حق الأسير أينما كان أن يختار وسيلته النضالية وخاصة إذا ما كانت سلمية " كوسائل الاحتجاج السلمى ، ومنها الإضرابات المفتوحة عن الطعام " [12].
وهذا الأمر يقود الباحث " لتحريم التغذية القسرية " ، كمخالفة قانونية ، لجأت اليها دولة الإحتلال فى منتصف 2014 بقرار من الكنيست الإسرائيلى ، الذى أعطى سلطات الإحتلال صلاحية إطعام المعتقلين الفلسطينيين المضربين عنوة ، مما شكل خطراً على صحة وحياة المضربين ، الأمر الذى يعيد للأذهان ما كان يمارس بحق المضربين بما يعرف بنظام " الزوندا " فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى والتى أدت إلى استشهاد العديد من الأسرى أمثال " راسم حلاوة ، وعلى الجعفرى ، واسحق مراغة ، وما لحق بأذى بصحة عشرات آخرين[13] .
مصادر الدراسة منقوصة المعلومات لحفظ حقوق البحث :
[1] - وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية ،........... .
[2] - زهير المصرى ، نجود أحمد : العلاقات التنظيمية بين الأسرى الفلسطينيين فى السجون الاسرائيلية،........... .
[3] - موقع الأسرى للدراسات ،........... .
[4] - أنظر إلى :
David Beresford. Ten Men Dead, (New York: Atlantic Press, 1987), 7. ISBN 0-87113-702-X
Sanders، Edmund (12 May 2012). "Talks progress in bid to end Palestinian prisoners' hunger strike". Los Angeles Times.
Khoury، Jack (12 May 2012). "Palestinian prisoners to continue hunger strike".Haaretz.
Harriet Sherwood (7 May 2012). "Israeli court rejects Palestinian hunger strike prisoners' appeal". The Guardian (London).
Kevin Flower and Kareem Khadder (6 May 2012). "Two Palestinians on hunger strike nearing death, says lawyer".
6. Donald Macintyre (15 May 2012). "Israel bows to pressure to end mass hunger strikes by Palestinians". The Independent (London).
[5] - المكتب الإعلامى الفلسطينى فى أوروبا : ،........... .
[6] - موقع واللا العبرى : ،........... .
[7] - عبد الناصر فروانة: الأسرى الفلسطينيون .. آلام وآمال ، ،........... .
[8] - مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة : ابداعات انتصرت على القيد ،،........... .
[9] - عبد الناصر فروانة : مصدر سابق ،........... .
[10] - زهير المصرى ، نجود أحمد : العلاقات التنظيمية بين الأسرى الفلسطينيين فى السجون الاسرائيلية،........... .
[11] - عيسى قراقع، الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية بعد أوسلو 1993-1999، ،........... .
[12]- موقع فلسطينيو 48 : ،........... .
[13] - عبد الناصر فروانة: مصدر سابق ،........... .
الباحث رأفت حمدونة
دراسة صادرة عن مركز الأسرى للدراسات