المذاهب الاسلاميه تعصب وصراع أم تسامح وتعايش

بقلم: علي ابوحبله

القضية الكبرى التي تهم المجتمعات الاسلاميه هي قضية الخلاف بين المذاهب الاسلاميه ، والقضية الملحة هو في كيفية الخروج من دائرة التعصب والصراع إلى التعايش والتسامح بين أتباع المذاهب وخاصة بين ألسنه والشيعة ،

إن أهمية التحاور بين المذاهب الاسلاميه والبناء على هذا التحاور للوصول إلى مبدأ التسامح والتعايش بدلا من التعصب والصراع هو تفويت لمخطط تفتيت ألامه ، الذي لا ينحصر في التفتيت الجغرافي بل ينتظم وصولا إلى التفتيت الفكري ، حيث يستغل أعداء الإسلام الخلافات المذهبية وخاصة بين ألسنه والشيعة وتحويلها إلى فتنه وصراع يهدفان منها إلى تمزيق ألامه الاسلاميه والمجتمع العربي ضمن عملية تأجيج الصراع وصولا إلى تحقيق الفتنه المذهبية وصولا إلى التعصب والصراع الذي نقيضه التسامح والتعايش والذي يتحقق بالإجماع على الأصول ألجامعه .

إن أئمة المذاهب الاسلاميه المعترف بها منعقد إجماعهم على الأصول العظمى لديانة الإسلام وهذه الأصول التي هي محل إجماع المذاهب الاسلاميه هي :-

أ) وجود الله ووحدانيته، ذاتا وأسماء وصفات .

ب) عصمة القرآن من التحريف والتبديل.

ج) عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التبليغ .

د) ختم النبوات والرسالات بالنبي الخاتم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

هـ) أركان الإيمان الستة، وهي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

و) أركان الإسلام الخمسة وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا.

هذه هي العقيدة الاسلاميه الجامعة التي أجمع عليها الأئمة ويدخل في الإجماع كل من آمن بتلك الأصول من المسلمين من دون تأويل فاسد). ومن يقرأ هذه المسائل العقائدية الكبرى التي حررها الأئمة أو كبار تلامذتهم يتبدى له أن «لجنة مشتركة» من هذه المذاهب قد تولت صياغة هذه العقيدة والأصول.. وهو التطابق العلمي بين الجميع . فالمصدر واحد، والمنهج هو ذات المنهج، واليقين هو ذات اليقين بالثوابت القطعية،

وحقيقة الإجماع على أصول الاعتقاد هذه اقترنت بحقيقة أخرى، وهي أن الأئمة للمذاهب ألخمسه بما فيها المذهب الجعفري اختلفوا اختلافا واسعا في معظم الفروع والمسائل الفقهية. ومن هنا أُلفت كتب ذات عناوين مثل «رحمة الأمة في اختلاف الأئمة» لعالم شافعي من علماء القرن الثامن الهجري.. والمقصود بالرحمة - هنا - هو السعة والسماحة والتنوع المفيد للناس في حياتهم الخاصة والعامة. ولذا صدر هذا العالم الشافعي الكبير (أبو عبد الله بن عبد الرحمن) كتابه المذكور بالحديث النبوي الجليل: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين». ومن نماذج الاختلاف في الفروع: الماء المستعمل في «فرض الطهارة».. فهو: طاهر في نفسه غير مطهر لغيره على المشهور من مذهب أبي حنيفة، والأصح من مذهب الشافعي وأحمد.. ومطهر عند مالك.. ونجس في رواية عن أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف. يضم إلى ذلك أن العلماء اختلفوا في تفسير الآيات القرآنية الظنية الدلالة (ولذا وجد أكثر من تفسير)، كما اختلفوا في شرح الأحاديث النبوية (ولذا وجد أكثر من شرح للسنة)، كما اختلفوا في «البيوع»، وفي التسعير، وغير ذلك.

ما منشأ الخلاف؟.. وما سببه:

أولا: أن من أسباب الاختلاف أن عقول الناس لا يمكن أن تضغط في عقل واحد.. وإذا تعددت العقول تعددت الاجتهادات والرؤى.

ثانيا: أن النص الديني ظني الدلالة لأكثر من وجهة نظر (بشرط أن يكون النظر معتبرا علميا).

ثالثا: يقول الإمام ألشاطبي: «إن الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره. فلا بد من حدوث وقائع لا يكون منصوصا على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد. وعند ذلك: فإما أن يُترك الناس فيها مع أهوائهم، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو أيضا اتباع للهوى، فلا يكون بد من التوقف لا إلى غاية، وهو معنى تعطيل التكليف لزوما، وهو مؤد إلى تكليف ما لا يطاق، فإذن لا بد من الاجتهاد في كل زمان لأن الوقائع المفروضة لا تختص بزمان دون زمان».

رابعا: من مقتضيات اختلاف التنوع أن المنهج أقر هذا الاختلاف، وشرع الاحتكام إلى المرجعية عند حدوثه:

أ) «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا».

ب) «وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله».

وهاتان الآيتان كافيتان – وحدهما - لمشروعية الاختلاف الاجتهادي ألتنوعي المستفيض.

خامسا: تحرير العقل الإسلامي - والضمير الإسلامي - من الخوف من الوقوع في الخطأ.. وقد يتضمن هذا الخوف فضيلة ما وهي فضيلة الورع، لكن التوسع فيه يفضي إلى مخالفة هدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان يعلم – بيقين - أن الخوف من الخطأ يؤدي إلى الإحجام عن الاجتهاد المطلوب، ولذا عمد عليه الصلاة والسلام إلى تحرير القادرين على الاجتهاد من هذا الخوف، بل وحفزهم على ارتياد آفاق الاجتهاد بحافز المثوبة والأجر، إذا هم لم يدركوا الصواب باجتهادهم، فقال: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر».

نعم. الخوف من الخطأ مانع من الاجتهاد، لكنه مانع منسوخ بصحيح السنة كما رأينا.

تلك - في إجمال واختزال - هي أسباب نشأة الخلاف الاجتهادي.

لكن الظاهرة المحيرة في تاريخنا العلمي والفكري: أن المذاهب التي كانت ثمرة للاجتهاد الرحيب الخصيب النجيب غدت ذريعة لقفل باب الاجتهاد، وذريعة للتعصب المذهبي المذموم.

والخلاصة .. إن البحث في مشكلاتنا المعاصرة على ضوء شرع الله في الخلق ، يجب أن يكون أصلاً ومنطلقاً للخروج من أزمتنا الحضارية ، وهذا المنهج في الحل ينسجم مع المنهج الرباني ، الذي فطر الله عليه أمور خلقه ، وهو الطريق القويمة لتوحيد الفكر ، الذي يحقق للأمة وحدتها وتماسكها .. ومادام الأمر كذلك ، فإن واجبنا اليوم تركيز اجتهادنا في بيان شرع الله ، وتجنيد طاقاتنا المختلفة في هذا الاتجاه ، بدل الاستمرار في إهدارها بالبحث النظري المجرد الذي كثيراً ما يجعل الاجتهاد يدور في ساحة غير ساحته! ويؤدي بنا الى المتاهة والخلاف الذي هدفه بث الفتن بين المسلمين.

بقلم/ علي ابوحبله