حالة من الغضب بدت واضحة على كلمات وعبارات نشطاء التواصل الاجتماعي الفلسطينيين وهم يطلقون وسماً الكترونيا عبر شبكة الانترنت بعنوان " ليش قتلوه؟؟ " يتساءلون خلاله بلهجتهم الفلسطينية المعهودة عن سبب قتل الجيش المصري الرصاص لشاب فلسطيني أعزل على حدود غزة، دون التفات إلى نداءات التريّث وعدم إطلاق الرصاص التي أطلقها ضابط فلسطيني للجنود المصريين، فقد ظهر الشاب مُجردّاً من ملابسه رغم برد الشتاء القارس ولم يشكل خطرا على حرس الحدود المصريين.
حادثة قتل الشاب الفلسطيني وبشكل متعمّد هي نتيجة طبيعة للتحريض الإعلامي غير المسبوق التي انتهجها الإعلام المصري بمختلف قطاعاته المقروءة والمرئية والمسموعة ضد الفلسطينيين عموما وضد المقاومة الفلسطينية بشكل خاص منذ عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي مطلع يوليو من العام ألفين وثلاثة عشر.
التحريض الإعلامي المصري ورغم افتقاره لأية شواهد أو إثباتات إلا أنه حوى اتهامات غير منطقية للفلسطينيين، فمن تهمة تهديد الأمن القومي المصري، إلى تهمة اقتحام السجون المصرية والمشاركة في قنص المتظاهرين وسط القاهرة إبّان ثورة يناير، وتهمة سرقة الوقود المصري وتهريبه إلى غزة، مرورا باتهام الفلسطينيين بتغذية اضطرابات سيناء وإمدادها بالسلاح دون أدنى دليل، وأخيراً وليس آخراً اتهام مجلة "روز اليوسف" المصرية للفلسطينيين بالتسبب في ارتفاع أسعار اللحوم في الأسواق المصرية !!
لا شك أن الإعلام المصري بتحريضه ضد الفلسطينيين إنما يأتمر بتعليمات أمنية وسياسية توجّهه أينما شاءت، ويبدو أن من يوجه تلك التعليمات حريص على إيجاد عدو وهمي يُشغِلُ به الشعب المصري في هذه المرحلة عن أسباب تردّي الأوضاع الاقتصادية والأمنية على الساحة المصرية، وهكذا وجد بعض متخذي القرار المصري في الفلسطينيين المحاصَرين داخل حدود غزة شماعةً وهمية علقّوا عليها أسباب فشلهم في إيجاد حلول لمشكلات مصر الداخلية المتفاقمة.
تخلّي السلطة الفلسطينية عن دورها في الدفاع عن الفلسطينيين وتفنيد الاتهامات المصرية لهم، شجَّع الاعلام المصري على مضاعفة جرعة التحريض ضد غزة وأهلها، بل والأدهى أن بعض قصيري النظر السياسي من الفلسطينيين ونتيجةً للانقسام الفلسطيني الداخلي عكف على اتهام غزة بالتورّط في الشأن المصري الداخلي بهدف بث الكراهية والبغضاء بين السلطات المصرية وفصائل المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي أجّج مشاعر الكراهية المصرية ضد الفلسطينيين كافة، حتى أضحى كثير من الأشقاء المصريين البسطاء يصدّقون بل ويردّدون تلك الأراجيف الكاذبة.
تفشّي كراهية الفلسطينيين بين مؤيدي النظام المصري، يبدو جليّاً لمن يرى سوء المعاملة السلطات المصرية للمسافرين الفلسطينيين الذين دفعتهم الحاجة اضطراراً للمرور عبر مصر بحثا عن العلاج أو بُغية الدراسة، كما أن الخوف من الاعتداء أو الاعتقال أصبح منتشراً بين عموم الطلبة الفلسطينيين في مختلف جامعات مصر، فتجدهم يدرءون هذا الخوف من خلال إخفاء جنسيتهم الفلسطينية والتحدث باللهجة المصرية أثناء تحركاتهم اليومية في شوارع مصر.
ربما الجديد في حادثة القتل الشنيعة للشاب الفلسطيني على حدود غزة أنها طبعت صورة سلبية للجنود المصريين في أذهان الفلسطينيين، فأخذ بعضهم يتساءل بغضب وامتعاض عن السبب ولسان حاله يقول: ألم تُقدٍّم غزة لهؤلاء الجنود المأوى والكساء والغذاء الذي افتقدوه في سيناء إبّان ثورة يناير ألفين وأحد عشر؟ ألم يكْفِ السلطات المصرية صبر الفلسطينيين على أذاها وحصارها المتواصل منذ سنوات عشر مضت بينما العدو الاسرائيلي يستبيح أجواء مصر وأرضها ليلا ونهارا؟ ثم ما الذي تسعى هذه السلطات إلى تحقيقه باستعدائها غزة وأهلها؟ ولماذا قتل شاب غزّي أعزل وكان باستطاعتها على الأقل لو شاءت اعتقاله دون مقاومة؟
تصاعد حالة الكراهية المصري للفلسطينيين في الآونة الأخيرة ترك هواجس وشكوك فلسطينية قد تترك أثرها على مستقبل علاقة الأخوة الفلسطينية المصرية التي توصف بالتاريخية، وربما بدت الخيوط الأولى لتلك الهواجس تُتَرجَم من خلال مطالبة غالبية الشارع الفلسطيني لمصر برفع قبضتها عن غزة وعدم التدخّل في الشأن الفلسطيني الداخلي، وهو الملف الذي اعتاد النظام المصري على احتكاره قسراً طوال العقود والسنوات الماضية.
بقلم: ماجد الزبدة-إعلامي فلسطيني