عملية الديزينكوف .. برميل البارود في قلب الكيان الصهيوني

بقلم: جبريل عودة

لقد كشفت عملية الديزنكوف وسط مدينة " تل أبيب " التي تعتبر العاصمة الإقتصادية المحصنة للكيان الصهيوني , مدى هشاشة النظام الأمني الصهيوني , الذي يقف عاجزاً أمام شخص يتحرك ويتجول في شوارع " تل أبيب " حاملاً سلاحه , وينفذ عملية قاسية ضد الصهاينة ويقتل إثنين منهم ويصيب قرابة عشرة آخرين بينهم إثنين في حالة موت سريري , حسب الإعلام العبري تم ينسحب من المكان , ولقد خيمت بعد العملية الفدائية حالة من الرعب الشديد على الكيان الصهيوني, والتي لم تمر من ذي قبل على الصهاينة , الذين لم يستطيعوا الخروج من منازلهم , فلقد فرضت العملية الفدائية حظر للتجوال في المدينة المحتلة , وانتشرت القوات الخاصة الصهيونية في شوارع " تل أبيب " لتتحول المدينة إلى ما يشبهه ساحة حرب , تنشر فيها حالة من الإرباك والفوضى والإنتشار المكثف لقوات الإحتلال الصهيوني .

ما حدث في عملية الديزنكوف والتي تزعم قوات الإحتلال أن منفذها هو الشاب الفلسطيني نشأت ملحم 28 عاما من قرية عرعرة في المثلث الفلسطيني المحتل , بمثابة سيناريو مبسط للهاجس المخيف والمرعب الذي يدور في أذهان قادة الكيان الصهيوني من ثورة ما يقارب مليون ونصف فلسطيني يعيشون على الارض الفلسطينية المحتلة عام 48 م , فلقد جاءت عملية " تل أبيب " بعد ثلاثة أشهر عن عملية بئر السبع البطولية , والتي نفذها إبن النقب الفلسطيني الشهيد مهند العقبي , لتؤكد أحداث إنتفاضة القدس أنها تشهد مشاركة قوية ومسلحة من فلسطينيو 48 , الذي اعتقد الكيان الصهيوني أنه إستطاع تحييدهم عن التفاعل مع قضيتهم الوطنية , بعد إخضاعهم لبرامج الأسرلة عبر سنوات الإحتلال الطويلة , تم منحهم خلالها جنسية كيان الإحتلال , لإستخدامهم في عملية تسويق إحتلاله لفلسطين عبر مزاعمه الخبيثة بأنه كيان ديمقراطي يضم أقلية عربية , يمنحها الحقوق التي تنص عليها قوانينه وهذا ما يخالف الواقع الذي يعيشه إخواننا من فلسطينيو 48 .

قبل أيام ذكر جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني أن عدد الفلسطينيين حول العالم , يقدر بـ 12.37 مليون فلسطيني، منهم (1.47) مليون فلسطيني في الداخل الفلسطيني المحتل , وهم بكل تأكيد الخطر الإستراتيجي على وجود الكيان الصهيوني , الذي إنتبهت له قيادة الإحتلال مبكراً ونفذت من أجل تفاديه خطط خبيثة كثيرة , إستهدفت تهويد الجليل والنقب وإفراغها من الأكثرية الفلسطينية , وسلخ الهوية الفلسطينية عن الأجيال عبر المؤسسات التعليمية التي تضع مناهجها التعليمي دائرة المعارف الصهيونية , وما تحتويه من سمومه تستهدف وعي الفلسطيني الا أن ثبات شعبنا على أرضه وحفاظه على هويته الوطنية الفلسطينية , كانت بالمرصاد لكل مخططات سلخ الهوية الوطنية الفلسطينية عن أهلنا في المثلث والجليل والنقب . ونشوء حركات وتجمعات وطنية بين فلسطينيو 48 , مثل الحركة الإسلامية وحركة أبناء البلد وغيرها , ساهم في تحصين المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل , من عمليات الإختراق الصهيوني الذي سعى لذلك عبر خطط ممنهجة .

عملية الديزنكوف زادت من حالة القلق الصهيوني الجمعي على مصير الوجود وإستمرارية البقاء في ظل ثورة شاملة لأهل فلسطين , حيث راكمت العملية في " تل أبيب " على الأثار العميقة التي تركتها قرابة (211) عملية مقاومة فردية منذ إندلاع الإنتفاضة قبل ثلاثة أشهر, فلقد هزت إنتفاضة القدس نظرية الأمن الصهيوني على مستوى الكيان والفرد , وسيكون لذلك أثر كبير على المستوى القريب فيما يتعلق بإرتفاع معدلات الهجرة العكسية للصهاينة , وهذا ما أفاد به أحد المصابين من الصهاينة في عملية طعن بالقدس المحتلة , قائلاً في مقابلة مع التلفزيون الصهيوني طالما أنا متواجد في القدس سأتذكر ما حدث , سأذهب إلى الخارج لعلي أنسى ما حدث , وفي ذات التقرير التي تحدث به المستوطن تم الكشف عن (8000 ) حالة تعالج نفسياً بسبب إنتفاضة القدس , ليزيدنا يقيناً بهشاشة هذا الكيان الطارئ على أرضنا , وأن إستمرار الإنتفاضة ودعمها ومساندة أبطالها في ميادين المواجهة , وتوفير الغطاء السياسي والإعلامي والمالي للمنتفضين , سيكون له الأثر الكبير في معادلة الصراع مع العدو الصهيوني , وستكون النتائج أفضل بكثير من سنوات التيه التي يضيعها البعض في مسارات التسوية العقيمة .

يشعر الكيان الصهيوني بالخطر, عندما يصدر أي عمل مقاوم من فلسطينو48 , لأن ذلك بمثابة الإرهاصات لميلاد الثورة القادمة لا محال , حيث يتكامل المشهد الفلسطيني الثوري في الأرض المحتلة , لتحرير فلسطين من الإحتلال وتطهير المقدسات من العبث الصهيوني ومخططات التهويد , ويشعر قادة الإحتلال بإستعداد فلسطينو 48 للإلتحاق بهذه الثورة فلقد شهدت إنتفاضة الأقصى في عام 2000م مشاركة قوية من أهلنا في أم الفحم والناصرة وسخنين والنقب حيث إستشهد أكثر من (13 ) فلسطيني في هبة الأقصى , بالإضافة إلى تنفيذ بعضهم عمليات فدائية مثل الشهيد بسمة النباري من النقب المحتل , والتي هاجمت جنود الإحتلال عند قاعدة عسكرية في بئر السبع بإستخدام مسدس بتاريخ 4-4-2009 م إنتقاماً لشهداء الحرب على قطاع غزة , وكذلك شهدت شوارع حيفا ويافا والناصرة وام الفحم وسخنين مسيرات ضخمة رفضا لمحاولات التقسيم الزمني للمسجد الأقصى المبارك , كما يشارك المئات من أهلنا في الداخل الفلسطيني في الرباط في المسجد الأقصى لردع المستوطنين عن إقتحامه وتدنيسه .

كل هذه المؤشرات والدلائل تقول أن المستقبل في فلسطين لن يكون بالمطلق للصهاينة ,وأن أهل الحق وأصحاب الأرض لن يتركوا وطنهم ومقدساتهم , وأن تحركهم لمقارعة المحتل مسألة وقت, ولا أبالغ أن قلت أنهم بإستطاعتهم أن يساهموا بشكل مؤثر في تحرير فلسطين , وأن يقلبوا كل الموازين وأن يغيروا كل المعادلات , لو تحركوا بشكل ثوري في شوارع فلسطين التاريخية , لمشاركة ومساندة جماهير الضفة وقطاع غزة , لتكون الثورة الشاملة لإستعادة فلسطين المحتلة, إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً .

بقلم/ جبريل عوده