الواقع العربي المر والانتفاضة

بقلم: عباس الجمعة

إن نظرة جدية وعميقة للصراع ولمخططات وممارسات الاحتلال الصهيوني وسياساته تبين جوهر المشروع الصهيوني كمشروع استيطاني عنصري يستهدف الهيمنة السياسية والاقتصادية على فلسطين والأمة العربية وكل ذلك تحت مظلة عسكرية تستند إلى تفوقها المطلق سواء في الأسلحة التقليدية أو النووية، وبإسناد كامل من الولايات المتحدة الأمريكية. وبهذا المعنى يأخذ حل التناقض التناحري مفهوم حل الصراع على أساس التصفية السياسية للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والتاريخية ، حيث تلاحظ ان بعض الأطراف العربية ترضخ وتستسلم مع للمشروع المعادي والانزلاق فيه.

من هنا نعتقد، بالنظر إلى طبيعة التناقض التناحري ودوام الاشتباك التاريخي، إن فشل مسار المفاوضات العقيمة، بعد الانحياز الامريكي لكيان الاحتلال ،ورغم كثافة الحملة الإعلامية، العالمية والعربية، والتي تحاول ترويج العملية الجارية على أنها "عملية سلام"، هذه الحملة والتي تجد لها صدى وتأثيراً على شعبنا الفلسطيني الذي انتفض بلحمه الحي وصدوره العارية من خيرة شاباته وشبابه ليكتب صفحة جديدة من النضال الوطني مدعوما من الشعوب العالمية والعربية ، في الوقت الذي تثبت حقائق التاريخ والواقع أن البعض ما زال متمسكا بنهج المفاوضات، رغم الاوضاع التي تعصف بالعالم وبالوضع العربي.

ان ما يجري في المنطقة كشف زيف انظمة عربية تتخندق بشكل واضح مع المشروع الامبريالي الصهيوني ، ومع إدراكنا ووعينا للتناقضات القائمة نرى مسألة التطبيع بين بعض الانظمة والاحتلال باعتبارها مصالح مشتركة، تتم وللاسف على انقاض وحقوق الشعب الفلسطيني .

في ضوء كل هذا، وامام طبيعة الهجمة التي تتعرض لها فلسطين والمنطقة ، تتصاعد الانتفاضة الفلسطينية وتواصل طريق الحرية والاستقلال لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني العادلة. هذه الانتفاضة التي تعبر عن اغلبية طبقات الشعب الفلسطيني، الذي يتمسك بالنضال المستمر حتى دحر الاحتلال والاستيطان بالكامل عن ارض فلسطين، هذا الشعب الذي يؤمن بأن الدولة وتقرير المصير وحق العودة أهدافاً مرحلية وليس نهاية المطاف أو الصراع، وبالتالي فإنه يواصل النضال لتحقيق اهدافه كاملة.

وفي ظل الاوضاع الخطيرة التي تشهدها المنطقة والتي تقتضي من كافة الاحزاب و القوى العربية مراجعة كاملة للبرامج والمهمات المطروحة عليها, للخروج بفهم جديد يعيدها إلى دائرة الفعل المؤثر في حركة الواقع، على مستوى الإستراتيجيا والتكتيك الصحيح الملائم لظروف المرحلة الراهنة، والنهوض من الأزمة المستعصية في الواقع العربي من خلال فتح باب الحوار أيضاً بين مختلف التيارات والحركات الفاعلة على اختلاف مشاربها الفكرية والأيديولوجية التقدمية والديمقراطية والقومية, والقوى الإسلامية المتنورة، والتمييز بين التيار الإسلامي المقاوم للمشروع الإمبريالي الصهيوني الرجعي, وبين التيار الظلامي الإستئصالي التكفيري الذي يرفض الحوار ويعتبر نفسه البديل المطلق لكافة التيارات الأخرى الفاعلة في الواقع

العربي، وخاصة بعد جريمة اعدام الشيخ النمر التي تأتي في محاولة لإسكات كل من يحاول ان يطالب بحرية الرأي واحترام الفكر وهذه الجريمة تصب مباشرة في طاحونة المخطط الصهيوني الذي يستهدف ارض الامة العربية عبر صراعات طائفية فئوية، كما يتعرض له الان الشاعر الفلسطيني اشرف فياض ، وبعد ان انكشف زيف بعض حركات الاسلام السياسي وكافة القوى الرجعية المدعومة من الامبريالية الامريكية، هؤلاء الذين يتهربون من الفكر الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية ، حيث استطاعت القوى الرجعية المتخلفة مع التيارات الأصولية عبر شكل جديد من الاستبداد للجماهير الشعبية، مما يتطلب من القوى الحية تركيز أهدافها ومهماتها النضالية، السياسية والمجتمعية، باتجاه تغيير وتجاوز هذا الواقع ، وان تتحمل مسؤلياتها الكبرى، في كونها تشكل في هذه المرحلة طليعة الحامل السياسي الاجتماعي الديمقراطي لعملية التغيير ، من أجل تغيير الواقع الراهن وتجاوزه وتحقيق تطلعات واهداف الشعوب العربية.

ورغم كل ذلك نتطلع الى الشعوب العربية التي تبقى بوصلتها الدائمة فلسطين ، وعلى الجميع ان يضع الاهتمام اليوم بالانتفاضة المتواصلة التي لن توقفها أية أزرار من أي كان ومن أي مكان، إنها مرحلة غنية بالتعبير عن ارادة شعب قرر الشهادة بمحض ارادته فذهب الى اقصى ما يمكن أن يفعله فلسطيني شاب لم يعد يملك غير سكين المطبخ أملا بعدما سدت في وجهه كل الآمال الأخرى.من هنا نرى في كل حراك فلسطيني مهما كان نوعه، تصحيحا لمسار ولو كان مؤقتا..

ختاما: لا بد من القول ، مهما حصل في الساحات العربية فإن فلسطين وانتفاضتها تبقى الأصل والفصل، وهي الأمل الذي يكتب لنا أملا عربيا شاملا،لأن تضحيات الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تذهب هدراً، ولأن الأهداف العادلة والحقوق المشروعة التي ناضلوا وقدموا من أجلها ستتحقق طال الزمن أم قصر ، ونحن اليوم نرى صمود الانتفاضة في فلسطين وقوى المقاومة على مستوى المنطقة بانتصاراتها ، وهذا يستدعي ضرورة الاستمرار في النضال من أجل اهداف الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وتحقيق حريتها ومصالح كل المظلومين والمقهورين.

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي