هناك تساؤل من الأصدقاء جول البرد والثلوج في ألمانيا، وكيف كنا نتكيف معها. ويتفاجأ الأصدقاء عندما أقول لهم إنني أشعر بالبرد هنا أكثر مما أشعر هناك، فأرى الغرابة والاندهاش في عيونهم مما يجعلني اضطر للمزيد من التفاصيل في ذلك. فهناك المنازل بها تدفئة مركزية من خلال مواسير الماء الساخن. وهي مبرمجة على درجات تبعاً لدرجة لحرارة التي يرغب بها القاطن في الشقة. ويبدأ تشغيلها بدأ من شهر أكتوبر وحتى نهاية إبريل. ولذلك فمجرد دخولك الشقة تقوم بتشغيلها ويمكن أن تبقى داخل الشقة من حرارتها بالملابس الداخلية فقط. وهذه التدفئة تعتمد على جهاز تدفئة في العمارة أو عبر شركات خاصة بهذا الشأن. وعندما يتم الخروج من الشقة ممكن تخفيض التدفئة حتى تبقى الشقة دافئة لحين العودة. وممكن أن نعترف بأن أجرة الشقة قد تشمل التدفئة المركزية أحيانا، ونحن العرب لدينا مثل يقول " الذي ببلاش كتر منه"، ولدينا عقلية الفهلوة والسلبطة فكنا نترك التدفئة شغالة حتى ونحن لسنا في الشقة. يعني تدفئة سواء كنا موجودين أولا. وهناك منازل قديمة وأجرتها رخيصة ولكن التدفئة بها على الحطب في مدفئة حجرية لها بوابة حديدية في ركن الغرفة. ولكن لم نستأجر مثل ذلك أثناء إقامتنا لأنه كان لدينا منحة تعليمية والحمد لله. وعندما كنا نخرج من الشقة كنا نلبس ملابس ثقيلة من بالطوا، وكفات، وطاقية. يعني نكون مجهزين جيدا. وكل مكان نذهب إليه هو مزود بالتدفئة في الباص والقطار والمحلات التجارية. لذلك نتكيف هكذا مع البرد وحتى الثلج. ويتم التخلص من الماء والثلوج بسرعة من خلال خدمة دفاع مدني عالي المستوى، وبنية تحتية قوية وسليمة. ولذلك اعتقد أن البرد يكون لدينا في المنازل فلا تدفئة مركزية. وانقطاع التيار الكهربائي يسبب مشكلة في التدفئة على الصوبا الكهربائية، ومشاكل ونقص الغاز شتاء يسبب عدم تشغيل التدفئة بالغاز. يعني معاناة أهل غزة مع الكهرباء والغاز يجعل من تكيفهم مع البرد القارص في الشتاء صعباً لاسيما في ضوء التغييرات المناخية، ووجود منخفضات ذات جبهات هوائية باردة لم نعتد عليها سابقا. وهنا تكون معاناة أهل غزة مع نقص الكهرباء والغاز وغلاء الحطب الذي لا يتوفر بكثرة بسبب تضاريس قطاع غزة السهلية وعدم وجود الغابات. وفي نفس الوقت كما قلنا الجبهات الباردة التي لم نعتد عليها مما يجعل المنازل باردة داخلها بسبب الرطوبة العالية. وهذا يجعل المكابدة اليومية لأهل غزة على المستوى النفسي والتوتر العصبي من الواقع المعاش يومياً، والمستوى الجسدي من البرد القارص هذا فوق أزمات أخرى من تلوث الأطعمة، والماء والهواء والمزاج. كذلك المعاناة تكون مع توفر الماء الدافئ، ففي الشتاء لا يتوفر الماء الدافئ للاستحمام والوضوء والجلي وغيره، وتعاني ست البيت من ذلك. فالحمام الشمسي لا يعمل بسبب عدم ظهور الشمس، والكهرباء لا تتوفر لتشغيل البويلر أو الأتمر الداخلي، وعلينا الحرص على الغاز وعدم التسخين على الغاز وهكذا. بينما في ألمانيا الماء الدافئ والحار متوفر صيفا وشتاء من خلال شركات خاصة. يعني الماء متوفر بشكل مستمر. وحيث لا نترات في الماء فإن الصنابير لا تصدأ أو تغلق فتحاتها، يعني صنبور الدش يكون كنهر متدفق.
ومع ذلك هناك من يقل لك في غزة يا عمي أنت عايش هنا في غزة وكأنك في السويد، ويقصد هنا الرفاهية العالية هناك. فأقل له بصراحة: هل عشت هناك حتى تعمل مقارنة أم أنك كسياسي منافق تبيع الأوهام. لا والله ليس هنا في غزة مثل السويد، فهناك لا يجرون كل يومهم على الغاز والكهرباء والماء وغيره. هنا نقضي اليوم بحثاً عن كل شيء وأي شيء.
وهناك من يقول أن الصحافيين أو أصحاب الأقلام لا ينقلون الحقيقية، وأن أقلامهم وصحفهم صفراء. والحقيقة أن السياسيين يريدون أن يكون أصحاب الأقلام منافقين، يجعلون الواقع السيئ وردي وجميل. ونحن نقول: يا جماعة السياسي هو من يصنع الواقع وصاحب القلم هو من ينقل ما يشاهده. فإن صنع السياسي شيء جميل علينا ان نقول أنه جميل، وإن صنع شيء قبيح علينا أن نقول أنه قبيح. الصحافة والكتابة هي إيصال الحقيقة وليس النفاق والكذب والزور والبهتان. ولذلك نحن نرفض حضور الاحتفالات التي تقيمها النوادي الحزبية والمكاتب الإعلامية الحكومية أو الحزبية تحت ذريعة وشعارات " الوفاء للصحافي، حرية الرأي والكلمة"، لأننا ندرك أن السياسيين قد دمروا كل شيء جميل في حياتنا بحزبيتهم ومصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة. وأن الوفاء للصحافي أو الكاتب لا يكون له شخصياً بل يجب أن يكون الوفاء للشعب أولاً، وللحقيقة ثانياً، ولحرية الرأي ثالثا، فأي تكريم للصحافي أو الكاتب وشعبه يعاني هو كذب ورياء، ومحاولة رخيصة لشراء قلمه وولائه. فواقعنا ليس جميلاً شاء من شاء وأبى من أبى، وقضيتنا الوطنية ليس بخير شاء من شاء وأبى من أبى، ومشروعنا الوطني ليس بصحة جيدة شاء من شاء وأبى من أبى. والذي مش عاجبه كلامنا فليذهب ويشرب من بحر غزة شاء من شاء وأبى من أبى.
فالكاتب الملتزم هو النابض بضمير شعبه، الناطق بلسان المظلومين ممن لا محامي لهم. وهو من يحمل رسالة قول الحق في وجه سلطان جائر. فلا الاحتفالات ولا التكريم ولا غيره ممكن أن ينفع مع قلم حر نابض بنبض الوطن، نابضاً بمعاناته وفقره ومعيشته الصعبة.
لقد تم بيعنا أوهام سابقا بأن غزة سوف تكون سنغافورة الشرق الأوسط، حتى يمرروا أوهام السلام، وهناك الآن من يبرر الواقع الصعب المعاش بأن هناك الأمن. وكأن الأمن هنا مثل الأمن في السويد. فهناك أمن القانون، وهنا أمن الخوف. هناك الأمن النفسي والغذائي والمعيشي والصحي ... الخ وهنا إن مرض الفرد فلا يعرف كيف يتم تشخيصه أو علاجه. للأمن وجوه أخرى أيها السادة السياسيون. ولكن العقل السياسي العربي لا يقبل النقد. نعم يتحمل الاحتلال الصهيوني الكثير مما نحن فيه، ولكن هناك أيضاً الكثير ممن نتحمله نحن الفلسطينيون ولكن هل من مجيب؟
بقلم أ.د. خالد محمد صافي
غزة
3/1/2015