لقد كانت خسارة مرشح كريستينا كيتشنر بالارجنتين وخسارة حزب الحكومة الفنزويلية بالانتخابات البرلمانية، مقدمة لتراجع برامج اليسار بدول القارة، فالبرازيل ايضا ستدخل هذا العام بأنتخابات بلدية، وهي تشهد حالة فساد ادت الى سجن العشرات من السياسيين والنواب والقيادات الحزبية ومسؤولي واصحاب الشركات الخاصة متهمين باختلاسات وفساد مالي.
على مدار5 سنوات من حكم ديلما روسيف ارتفع سعر الدولار من 1.66 الى 3.98 ريالا حتى نهاية عام 2015، ايضا ديلما لم تأتي بمشاريع جديدة وسياسة جديدة، وانما سياستها كانت مكملة لمشاريع وسياسة لويس ايناسيو لولا دا سيلفا الرئيس السابق، وبظل حكومة ديلما حصلت تطورات مهمة منها التحركات الشعبية التي حصلت عام 2013 عندما خرجت الملايين من الجماهير بمسيرات واعمال احتجاجية ضد النفقات الكبيرة المفروضة على البرازيل بالتحضير لكأس العالم، في وقت تعاني البرازيل من ازمات صحية واجتماعية لها اولويات.
ايضا تمر البرازيل بازمة سياسية الاشتباك الحاصل بين الحكومة ورئيس مجلس النواب ادواردو كونيا، المحسوب على حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية البرازيلية حزب نائب رئيس الجمهورية ميشيل تامر، حيث وافق على طلب عزل رئيسة الجمهورية، والجدل يدور حول قانونية الطلب بمحكمة العدل العليا ومجلس الشيوخ فعزل الرئيسة بحاجة الى 2/3 اصوات البرلمان.
خلال هذا العام 2015 ونتيجة الازمة الاقتصادية العالمية ارتفعت نسبة البطالة بالبرازيل لتفوق ال 9 ملايين عاطل، وتعمقت الازمات الاجتماعية، وارتفعت اعداد الناس التي تفترش الشوارع لتنام، ففقط بمدينة ساوبولو اكثر من 20 الف برازيلي ينامون بالساحات العامة وتحت الجسور والانفاق.
السائد بالاخبار البرازيلية هي عمليات الفساد والاختلاس والنهب بالمؤسسات العامة والمشاريع التي اقرتها الحكومة، والمتهم الرئيسي فيها هي الحكومة وروموزها والرموز العمالية وقيادات تاريخية، منهم المسؤول المالي لحزب العمال وممثل الحكومة بمجلس الشيوخ وغيرهم، وصدر بهم امر قضائيا بالسجن، ديلما روسيف وصفت الفساد بالعجوز، معتبرة ان الفساد لم يبدأ بعهدها، وانما قديم، محاولة بذلك التهرب من مسؤولية الحكومة بعمليات النهب التي تصل الى المليارات من الريالات او الدولارات بعهدها وعهد الرئيس العمالي السابق "لويس لولا"، فمصادر التحقيق للبوليس الفيدرالي تقدر أن قيمة المبالغ التي نهبت من شركة البترول الوطنية البرازيلية تفوق ال 50 مليار ريالا، فالفساد وضع علامات استفهام حول ثقة الجمهور البرازيلي الناخب من نقاهة ونزاهة حزب العمال وقياداته التاريخية او المتجددة.
حزب العمال اعتبر الاموال التي حولت له من الشركات المتهمة بنهب وسرقة شركة البترول البرازيلية، هي ضمن القانون البرازيلي وتم اعلام الجهات ذات الشأن بها، اما البوليس الفيدرالي والادعاء العام والقضاء يعتبر هذه الاموال المحولة مشبوهة وغير شرعية، ويجري تحقيقات من اجل اثبات ذلك، فالتحقيقات تسير باتجاه اذا كانت هذه الاتفاقيات التي جرت مع شركة البترول التي حولت المبالغ المشبوهة الى الحزب تمت من خلال سياسة حزبية ام فردية، وهذا ما يحاول حزب العمال تفنيده، بان الفساد ليست قرار حزبي وانما حالات فردية.
اعادة انتخاب ديلما روسيف بالدور الثاني بنسبة قليلة جدا لا تفوق ال 2% عن منافسها عام 2014، تشير الى تراجع شعبية حزب العمال، وامام حالة الفساد الكبيرة التي تمر بها البرازيل وسجن قيادات كبيرة وشبهات تنشرها وسائل الاعلام وطريقة التحقيق التي يمارسها البوليس الفيدرالي وحصر الفساد بالبرازيل فقط خلال السنوات الاثني عشرة الاخيرة، تشير كلها ان حزب العمال يدخل بازمة حقيقية يحرق بها نفسه وكل اليسار البرازيلي، فاستطلاعات الرأي تشير الى تدني شعبية الرئيسة البرازيلية الى ادنى المستويات، وهذه لها انعكاساتها على حزب العمال بإنتخابات البلديات القادمة التي ستحدد شعبية الحزب ومستقبل الحكومة العمالية الحالية.
الصراع بالبرازيل ايضا هو صراع طبقي بامتياز، وان من راهن على الحلول والتقليل من الازمات الاجتماعية والاقتصادية من خلال العملية الديمقراطية هي مراهنة فاشلة، وهذا ما يحصل بدول امريكا اللاتينية، بفنزويلا والارجنتين والان بالبرازيل، وهناك دولا اخرى على الطريق، فالراسمالية جشعة وستنقض بالوقت المناسب على كافة الانجازات التي تحققت لتعيد سيطرتها وهيمنتها على مقدرات الشعوب مقابل اصلاحات شكلية.
ايضا مواقف الحكومة البرازيلية من صراعات دولية، وانحيازها لقضايا الشعوب ومنها مواقفها الايجابية من القضايا العربية والفلسطينية على وجه الخصوص، يجعل الحركة الصهيونية بالبرازيل ضمن التحالف الذي يحاول المساس من هذه الحكومة، رغم ان رئيس الوزراء البرازيلي صهيوني تربطه علاقات وطيده مع الصهيوني شمعون بيريز، وبالامكان ان نجزم أن ما تشهده البرازيل اليوم هو تحالف يجمع الراسمالية والرجعية المحلية والصهيونية والنظام الراسمالي العالمي للاقتصاص من الحكومة البرازيلية وحزب العمال على مواقفهم وبرامجهم من اجل المساواة والعدالة الاجتماعية والانجازات الكبيرة التي حققتها على مدار السنوات ال 12 الاخيرة.
للخروج من الازمة مطالب حزب العمال بمراجعة سريعة لتجنب الاسوء، عندما سال غلوبو القيادي بالحزب الوزير باتروس انانييس حول امكانية خسارة للحزب بانتخابات البلدية هذا العام اجاب: "يمكن وهذا جزء من العملية السياسية، لقد حان للحزب من اجل اعادة تقيم، وفحص الضمير والنقد والنقد الذاتي، وخوفي ان تفرز الانتخابات الداخلية بالحزب الذين لديهم قنوات اخرى، وهذا خطر ايضا"، اما الرئيس السابق لويس ايناسيو لولا بكلمة له امام اعضاء الحزب قال "ان اعضاء الحزب بالفترة الاخيرة أبدوا اهتمامهم فقط بالوظيفة والراتب وتناسوا القضايا الرئيسية والاساسية التي تهم البلد" اما النائب العمالي جوزي ميراندا – زيكا- عن ولاية ماطو غروسو دو سول يقول: "ان المعارضة لا تريد اسقاط رئيسة الجمهورية من خلال التصويت بالبرلمان، لانها – اي المعارضة – تريد احراق حزب العمال ومرشحنا لرئاسة الجمهورية لويس ايناسيو لولا لعام 2018، وهذا هو هدف المعارضة من استمرار الازمة، وهذا يفرض علينا ان نثبت وجودنا من خلال خوض الانتخابات البلدية بقوة وشجاعة والتصدي لكل حملات التشويه التي سيطرحوها بحملاتهم ضد الحزب ومرشحيه، فانتخابات البلديات هي جزءا اساسيا لتقرير انتخابات عام 2018، هذا هو التحدي الذي يواجهه حزب العمال عام 2016."
جادالله صفا – البرازيل
03/01/2016