في ذكرى انطلاقة الحركة الوطنية الفلسطينية عام 1965، علينا التوقف، مطولاً، لتأمل ما آلت إليه القضية الفلسطينية وحركتها السياسية. بولادة الحركة الوطنية الفلسطينية المستقلة، التي شكل تأسيس الراحل الكبير أحمد الشقيري ورفاقه، منظمة التحرير الفلسطينية خلال انعقاد المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول في مدينة القدس عام 1963، محطة مهمة على ذلك الطريق، أحرز الشعب الفلسطيني تقدماً مهماً على طريق استعادة هويته، ليس كلاجئ يستجدي الشفقة والمساعدات الإنسانية، وإنما هويته الوطنية، كونه شعباً ذا حقوق في المجالات كافة، طرده الاستعمار والصهيونية وعملاؤهم من الرجعية العربية، من أرضه التي هي وطنه التي عاش فيها آلاف السنين من دون انقطاع.
الحكومات العربية، أنظمة مؤامرة سايكس بيكو، وكيان العدو الصهيوني يشكل جزءاً لا يتجزأ منها، لم لتكن لترضى بنمو حركة وطنية فلسطينية مستقلة تمثل إرادة الشعب الفلسطيني المطرود من وطنه، لكنه متمسك بحق العودة إلى مدنه وقراه ودياره. فمن المعروف أن دول الجامعة العربية، التي قادت العرب نحو كوارث وطنية وقومية لا قاع لها، آخرها الهزيمة المروعة في عام 1967، المشاركة في قمة الخرطوم، قررت التنازل عن فلسطين وقبول الاعتراف بدولة العدو، وتمثل ذلك ضمن أمور أخرى، قبول قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يشدد على «حق دول المنطقة كافة في العيش بسلام ضمن حدود معترف بها» وجعل من فلسطين قضية لاجئين لا غير.
أنظمة الهزائم حاولت، كالعادة، تضليل شعوبنا بالتخفي وراء ما يعرف بلاءات الخرطوم الثلاث: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض [كذا].
سورية رفضت المشاركة في مؤتمر الخرطوم، والراحل أحمد الشقيري فضح الأمر وانسحب منه مصرحاً بأن حكام الدول العربية وقتها تنازلوا عن فلسطين، فاسحاً في المجال بذلك أمام نهاية محزنة لعهده، الذي كانت مقترنة بأغلاط، لكن مشوبة أيضاً بالأشواك والعثرات التي زرعتها أنظمة سايكس-بيكو العربية ووضعتها أمام نشوء حركة وطنية فلسطينية مستقلة.
ما تلى ذلك معروفاً حيث منح العرب حركة فتح، التي لا يتوافر إلى يومنا هذا أي تسجيل لكيفية ولادتها ومن كان وراء صعودها المفاجئ والمدوي، الأولوية في الإعلام والمال، خصوصاً مال النفط، مال الساد والإفساد، بهدف ابتياع قرارات الحركة الوطنية الناشئة وحرفها عن الطريق الوطني وإبعادها عن الاعتماد على شعبها أولاً وأخيراً. لكن قيادتها تمكنت من كسب شعبية كبيرة بين الشعب الفلسطيني خصوصاً بعد قرار قيادتها الصمود في مخيم الكرامة ومواجهة العدو الصهيوني في معركة الكرامة في آذار 1968 الأسطورية، رغم عدم التكافؤ في العدد والمعدات.
لكن عدوان عام 1967 أدى إلى أمر غاية في الخطورة وذو أبعاد نعانيها إلى يومنا وتشكل سبباً رئيساً لانحطاط حاضرنا، ألا وهو تسلم أموال نفط الفساد والإفساد زمام قيادة العرب، المؤدي إلى إعلان كل «اللاءات» لاستعادة حقوقنا في أوطاننا، وكل «نعم» للعدو الصهيوني ومطالبه الاستعمارية التي لا قاع لها.
لقد نقل عن وزير خارجية الإدارة الأميركية قوله أخيراً: إن محمود عباس على قناعة بفشل مطلق للحل السلمي، أي الاستسلامي. وهنا من حقنا الاستنتاج الطبيعي والبديهي بأن تمسك إدارة مبنى المحافظة في رام الله بمواقعها وباتفاقات ألحقت بنا وبقضيتنا خسائر تكاد تساوي نكبة عام 1948، لا سبب له غير الحفاظ على مواقع عمل العاملين فيها، أي أنها انتهت إلى ما بدأت به أصلاً: مكتب توظيف وخِدْمات تفيد العدو فحسب، والعاملون فيه يتقاضون معاشاتهم، ويا للعيب، من صندوق النقد الدولي.
إن حرص العدو وراعيه الناتوي، على بقاء سلطة مبنى المقاطعة في رام الله له هدف واحد هو التنسيق الأمني مع العدو لقمع الشعب الفلسطيني، حيث أثبتت مقدرات في هذا المجال تتجاوز رديفها لدى جيش العدو نفسه، وأفلحت في منع انتشار التظاهرات اليومية لأبناء شعبنا.
أما في غزة، فالإدارة هناك، تتلقى أوامرها من مموليها ومن قيادة التنظيم الدولي في المقام الأول الذي نشأت جذوره في ألمانية النازية، ومن بعدها في أحضان لندن، ولا تجد مسوغاً لبقائها سوى اللحاق بإدارة محمود عباس في الانضمام إلى الحلف المذهبي الوهابي الإجرامي ضد اليمن شعباً ودولة وحضارة، بل وترسل مقاتليها إلى هناك للمشاركة في قتل شعب اليمن وثواره.
في الذكرى الخمسين علينا القول: كفى. آن لهاتين السلطتين الكاريكاتوريتين الرحيل إلى غير رجعة، فبقاؤهما لا يخدم سوى العدو الصهيوني.