إرهاب جماعات أم إرهاب دولة؟

بقلم: طلال عوكل

يترتب على المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية أن يفتح عيونه جيداً على ما يجري داخل الساحة السياسية الإسرائيلية قبل أن يتفاجأ الجميع، بحقيقة أن إسرائيل الدولة الاحتلالية تمارس الارهاب وتنزلق نحو درك العنصرية.
ليس على الفاعلين الدوليين أن يستمعوا إلى الشكاوى الفلسطينية التي لا تتوقف عن اتهام إسرائيل بممارسة الارهاب وارتكاب المزيد من جرائم الحرب، فقليل من الانتباه إلى ما يصدر من تحذيرات على ألسنة مسؤولين رسميين إسرائيليين، يكفي للخروج باستنتاجات تدين النظام السياسي الإسرائيلي.
المستوطنون هم جزء أساسي من النظام السياسي الإسرائيلي، ذلك أن خزينة الدولة هي من يتحمل العبء الأساسي وربما الوحيد عن السياسة الرسمية التي تعتمد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة كمفصل مهم من الاستراتيجية السياسية التوسعية التي تسعى لمصادرة وضم القدس والجزء الأكبر من الضفة الغربية.
لإبعاد تهمة الارهاب عن السياسية والمؤسسة الرسمية، يحاول مسؤولون أمنيون وعسكريون إسرائيليون إلصاق التهمة بتنظيمات يمينية متطرفة، ولكنهم لا ينتبهون وهم يدلون بتصريحاتهم إلى أنهم يوسعون دائرة الاتهام لتطال مسؤولين رسميين وأحزابا من صلب الائتلاف الحاكم.
رئيس جهاز الأمن العام الداخلي "الشاباك" يصدر بياناً بثته القناة العبرية الثانية الجمعة قبل الماضية يتهم "التنظيمات اليمينية المتطرفة بمعاداة الصهيونية وممارسة الارهاب اليهودي ومحاولة قلب نظام الحكم في إسرائيل لتحويله إلى نظام ملكي" ويستطرد أن هذه التنظيمات تعمل وفق أجندات ارهابية متطرفة وتستخدم أساليب إجرامية وأعمالا ارهابية كان آخرها حرق عائلة دوابشة".
البيان يتحدث عن تنظيمات بلغة الجمع وليس عن تنظيم واحد، أو جماعة واحدة، ولا يحصر المسألة بالمستوطنين، ما يعني أن هناك تنظيمات أخرى عدا المستوطنين، يشير إليها بوضوح تصريح لوزير الجيش الإسرائيلي موشيه يعلون في حديث للقناة العبرية الثانية ونقلته الوكالات.
يقول يعلون: "إن الارهاب اليهودي يلقى دعماً من قبل سياسيين يمينيين وحاخامات الأمر الذي يتطلب تحقيقاً واسعاً. وعند الحديث عن "حفل الدم" نحصل على إشارة واضحة، أيضاً، على أن الوزير نفتالي بينيت وحزبه، هم من ابرز الأطراف التي تدافع عمّا وقع في "حفل الدم"، والرد على الانتقادات التي صدرت عن البعض الذي استنكر المشهد المروّع.
إذا حاولنا تفسير مصطلح التنظيمات اليمينية المتطرفة التي تحدث عنها رئيس جهاز الشاباك، وكذلك وزير الدفاع، فإن الإشارة تذهب بوضوح إلى الائتلاف الحكومي الذي تصفه المعارضة الإسرائيلية بأنه يميني متطرف، وبالتالي عبثاً يحاول هؤلاء إبعاد التهمة عن السياسة الرسمية، والحكومة التي تدير هذه السياسة.
يتنبأ رئيس الدائرة السياسية في وزارة الجيش الإسرائيلي عاموس جلعاد أن العام 2016، سيشهد اندلاع مواجهات مع الفلسطينيين على الصعيدين الأمني والسياسي، فإذا بحثنا عن أسباب هذا الأمر، فإننا بالتأكيد سنعود إلى ما أشار إليه وزير الدفاع ورئيس جهاز الشاباك.
الفلسطينيون بريئون من ممارسة الارهاب، ما يرتب على وزير الخارجية الأميركية جون كيري أن يعيد النظر في وصفه بالارهاب ما يقوم به الشباب الفلسطيني في مواجهة الارهاب الإسرائيلي.
ويترتب على المجتمع الدولي بأسره أن لا يحصر اتهاماته بالارهاب بالإسلام والمسلمين، فإذا كان الارهاب لا دين له، فإن ما ورد على ألسنة مسؤولين إسرائيليين رسميين يشير إلى ارهاب يهودي متدحرج من المؤكد أنه سيرتد على مرتكبيه ومن يحرضون عليه. الوكالات نقلت، أيضاً، أن الشرطة الإسرائيلية اعتقلت مؤخراً مستوطناً إسرائيلياً هدد بقتل شخصيات إسرائيلية عامة وعلى رأسها رئيس الحكومة نتنياهو.
وارد جداً أن يتعرض مسؤولون إسرائيليون رسميون لمحاولات اغتيال، فهؤلاء هم من وقف خلف عملية اغتيال رئيس الوزراء السابق اسحق رابين نهاية العام 1995، وعليهم أن يتبصروا ما تفعل أياديهم.
الانتفاضة الجارية دخلت شهرها الرابع، لها يعود فضل كبير في الكشف عن الطبيعة العنصرية الارهابية سواء ما كان يتعلق بالتنظيمات اليمينية المتطرفة أو ما يتعلق بالسياسة الرسمية، واستمرارها من شأنه أن يفجر في وجه الجميع ممن يدافعون عن إسرائيل، القنابل الموقوتة التي تمسك بها حكومة اليمين المتطرف.
هذا الواقع الذي تتميز به الحياة السياسية في إسرائيل يكشف مدى ضعف وهشاشة المعارضة التي ستكتشف يوماً أن مسايرتها للسياسة الرسمية، ستلحق بإسرائيل الدولة والمجتمع كارثة كبرى، ما لم تتدارك هذه المعارضة، الوقت، لكي تقوم، بما ينبغي القيام به في مواجهة هذا الارهاب العنصري الذي تتجاوز نتائج أفعاله، من يمارسون هذا الارهاب، إلى إلحاق أضرار جسيمة بالمجتمع والدولة بكليتها.
والسؤال هو إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية غير مهتمة بالقضية الفلسطينية، فإنها ستضطر للاهتمام بقضية حليفتها إسرائيل التي تتخذ أبعاداً وجودية.

طلال عوكل
2016-01-04