الاستيطان الصهيوني.. التحدّي الأخطر أمام التطلعات الفلسطينية

بقلم: رامز مصطفى

تُمثل جريمة الاستيطان الصهيوني للأراضي الفلسطينية المحتلة ، التحدّي الأكبر والأخطر الذي يواجه الشعب الفلسطيني ، والذي يقف عائقاً أمام تحقيق تطلعاتهم وأمانيهم الوطنية . ولعلّها جريمة لا تضاهيها جريمة … أولاً لأنها تعاكس القوانين والشرعة الدولية ، وثانياً لأنها عملية نهب ممنهج للأراضي الفلسطينية ومواردها ومصادرها الطبيعية ، وتحتلّ الثروة المائية الصدارة في أولويات سياسة النهب هذه. حيث كشفت دراسات أنّ ما يستهلكه المستوطنون الصهاينة من مياه الضفة قد بلغ ستة أضعاف ما يستهلكه الفلسطينيون ، قياساً بأعداد الفلسطينيين الذين يتجاوز عددهم المليونين وثمانمائة ألف ، مقابل ما يزيد عن نصف مليون مستوطن صهيوني. وللعلم فقد بلغت التكلفة الغير مباشرة بسبب القيود المفروضة «إسرائيلياً» على الوصول إلى المياه في منطقة الأغوار 663 مليون دولار . وثالثاً هي تقضي على أية إمكانية في أن يقرّر الشعب الفلسطيني مصيره فوق أرضه ، ويقيم دولته المستقلة عليها، وحتى بمقتضى الأكذوبة الكبرى « حل الدولتين » ، بسبب جدار الفصل العنصري، ونقاط التفتيش العسكرية والطرق الالتفافية ، التي حوّلت الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة .

الاستيطان الصهيوني ومنذ قيام كيان الاغتصاب على أرض فلسطين لم يتوقف ، بل هو سياسة منهجية تقاطع وتطابق عندها الساسة الصهاينة بمختلف تلاوينهم ومشاربهم السياسية والدينية ، من خلفية حرمان الفلسطينيين من أية إمكانية أن تكون لهم دولة في المستقبل، وتقطع في الطريق على عودة أيّ لاجئ فلسطيني إلى دياره التي طُرد منها في العام 1948 . وبعد احتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية عام 1967، بدأ قادة الكيان رحلة الاستيطان ، حيث كانت باكورته على يد « حزب العمل » في العام 1975 ، حيث دشن أولى المستوطنات في « معليه آدوميم » . لتكرّ بعدها سبحة الاستيطان بشكل لا سابق له بعد اتفاقات « أوسلو » عام 1993 ، التي قُسمت بموجبها الضفة إلى مناطق ثلاثة « أ وب وج » ، وقد شهدت الأعوام الـ 22 من عمر هذا الاتفاق المشؤوم تسارعاً ملحوظاً في ارتفاع وتيرة أعمال مصادرة الأراضي ، وتحويل البؤر الإستيطانية إلى مستوطنات وتوسيعها ، حيث تشغل هذه المستوطنات 42 بالمائة من أراضي الضفة الغربية ، وعلى وجه التحديد في المنطقة المسماة « ج » ، التي تمثل 60 بالمائة من مساحة الضفة الغربية . وقد جاءت الأرقام الرسمية التي أصدرها الكيان حول الاستيطان أنه وصل إلى 25 بالمائة ، ونسبة سكان المستوطنات ارتفع إلى نسبته 10 بالمائة . وقد وجه قادة الكيان النشاط الاستيطان بشكل أساسي في المنطقة « ج » على اعتبار أنها المنطقة الأوسع والمتواصلة جغرافياً والتي تمتدّ حتى منطقة الأغوار والبحر الميت 85 بالمائة من مساحة هذه الأراضي تحت السيطرة « الإسرائيلية » ، ناهياً عن مناطق بيت لحم وجنين وأريحا والقدس ونابلس وقلقيلية ورام الله وسلفيت وطوباس وطولكرم . ولتسهيل السيطرة على الأراضي الفلسطينية عمد الاحتلال إلى انتهاج سياسة طرد الفلسطينيين من أراضيهم، وهدم المنازل ، ومنع بناء المدارس والمستشفيات ، وحرمان السكان من الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه وحفر الآبار ، وبالتالي الإعلان عن أنّ الأراضي إما محميات طبيعية أو مناطق عسكرية ، يُحظر على الفلسطينيين الاقتراب أو الاستفادة منها حتى ولو بهدف رعي ماشيتهم .

وقد بيّنت الدراسات أنّ الاحتلال الصهيوني يستحوذ وبفضل سياساته أولاً ، وتغاضي وتلكّؤ المجتمع الدولي في فرض إرادته في تنفيذ قراراته ثانياً ، وتقاعس وتباطؤ ورهانات السلطة الفلسطينية البائسة في التمسك بالمفاوضات ثالثاً ، على معظم أراضي المنطقة ج ، بحسب دراسة أعدّها البنك الدولي ، والتي بيّنت أن 68 بالمائة من مساحة المنطقة قد حجزتها حكومة الاحتلال بهدف بناء المستوطنات فوقها . في حين وبسبب تلك الإجراءات والسياسات قد حرمت الفلسطينيين من الإفادة من أرضهم كونهم أصحابها الأصليين .

لم يقف الأمر عند هذا الحدّ ، بل تسبّب الأمر بخسائر فادحة للسلطة الفلسطينية بالمعنى الاقتصادي، على اعتبار أنّ المنطقة « ج » ، والموضوع اليد على 68 بالمائة من أراضيها لصالح بناء المستوطنات ، هي الركيزة الاقتصادية التي يُعتمد عليها دونما الحاجة إلى إبقاء الدولة الفلسطينية العتيدة رهينة ومُلحقةً بالاقتصاد « الإسرائيلي » ، وفق « بروتوكول باريس الاقتصادي » الكارثي في العام 1994 ، بالإستناد إلى اتفاقات « أوسلو » . حيث أتاح هذا البروتوكول لـ« إسرائيل » الاستمرار في السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني وتقييد إمكانات النمو الاقتصادي للشعب الفلسطيني . وحدود السيطرة « الإسرائيلية » لم تقف عند حدود مصادرة الأراضي الفلسطينية وحسب ، بل تعدّتها إلى ما يجنيه الكيان على حساب الفلسطينيين ، حيث بلغت الإيرادات « الإسرائيلية » من استغلالها الأراضي الفلسطينية في غور الأردن وشمال البحر الميت 130 مليون دولار .

ويأتي طرح المشروع الاستيطاني الجديد في منطقة E1 من أجل بناء 55 ألف وحدة سكنية ، استكمالاً لمشروع السيطرة المطلقة على الضفة والقدس والقضاء كلياً على أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية، من خلال قطع أوصال المدن بعضها عن بعض ، وبالتالي عزل مليون فلسطيني عن باقي المدن والمحافظات في وسط وشمال الضفة الغربية . فالمشروع الاستيطاني الجديد يمتدّ من القدس في ضواحيها الشرقية ، وسيربط المستوطنات ما بين القدس الغربيه والشرقية حتى البحر الميت، وهو سيقطع بشكل طولي الأراضي الفلسطينية ، مما سيضع الآلاف من الفلسطينيين في مهبّ الترحيل والتهجير القسري ، بسبب مصادرة مئات آلاف الدونمات لصالح المشروع الاستيطاني .

والأنكى أنه وعلى الرغم من جرائم الاستيطان المدموغة ، يخرج بنيامين نتنياهو أمام مركز التقدّم الأميركي في تشرين الثاني من العام الماضي ، زاعماً أنّ مستوطنةً جديدة في الأراضي الفلسطينية لم تقم في الـ20 سنة الماضية . بالتأكيد هو يكذب على نفسه وعلى المجتمع الدولي الذي لطالما عمل على حماية كيان العدو من المساءلة القانونية والأخلاقية على ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني ، على الرغم من تيقنه أنه يكذب ويمارس أبشع صور التعسّف والعنصرية بحق الفلسطينيين . وما كشفته وسائل إعلامية مؤخراً عن رفع مجموعة من الأميركيين دعوى قضائية ضدّ وزارة الخزانة الأميركية ، لمنع منظمات غير ربحية من تقديم تبرّعات معفاة من الضرائب تقدّر قيمتها بالمليارات 280 مليار دولار أميركي إلى 150 مؤسسة « إسرائيلية » غير ربحية خلال العقدين الماضيين ، لدعم الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية ، يؤكد مدى التواطؤ الدولي على القضية الوطنية للشعب الفلسطيني ، وتحديداً الإدارة الأميركية الراعية الحصرية لما تسمّى عملية « السلام » بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني . فنتنياهو قد وافق على بناء عشرين مستوطنة خلال تسلّمه حكومة الكيان، ليحتكر حتى الآن حصرية أنه الراعي الرسمي للاستيطان من دون منازع ، وتحديداً في فترة ما بين الأعوام 2009 و2015 . ويأتي كتاب « على حافة الهاوية » للمحامية « الإسرائيلية » طالي ساسون ، والتي وإنْ انتقدت فيه السياسات الاستيطانية ، من خلفية خوفها على كيانها من أن يخسر سمعته ومكانته كـ» دولة ديمقراطية » ، إلاّ أنها تدين الاستيطان الذي وصفته أنه سيبقي على « إسرائيل » دولة شريرة ، طالما هي استمرت في احتلاله للشعب الفلسطيني . وتؤكد ساسون أنّ الاستيطان عمل غير قانوني ، بحسب ما أشارت إليه المحكمة الجنائية الدولية عام 2004 باعتبار الاستيطان جريمة لأنها انتهاك فاضح للقانون . كما حذرت من أنّ استمرار الاستيطان من شأنه أن يجعل حملة المقاطعة الدولية تطال كلّ المنتجات « الإسرائيلية » ، وليس فقط تلك المُصدّرة من المستوطنات .

بقلم/ رامز مصطفى