ثماني سنوات مرت على إختطاف الموت حكيم القدس الدكتور أحمد المسلماني من بين محبيه وشعبه وقدسه وكأنها الأمس القريب، غاب الرجل في ظرف إستثنائي وبقي طيفه يحلق بين محبيه ورفاقه الذين عرفوه بصلابته ودماثة أخلاقه وفلبه الكبير وجهده المتواصل الذي لا يعرف الكلل ولا الملل، أينما درت وجهك كنت تراه في الميادين وساحات الاشتباك مع المحتل الذي كانت تحكمه به علاقة سيرورة صراع الأضداد، فكان صدامياً لا يعرف المهادنة رغم يقينه المسبق بأن الثمن غرف التحقيق القاسية فما كان يخرج من السجن حتى يستعد لجولة جديدة من المواجهة في أقبية التحقيق والملاحقة والمراقبة اللصيقة والدائمة وهو يعلم بأن ما نذر نفسه له يستوجب منه السير على النهج الذي إختاره لنفسه وعممه على كل محيطه البشري.
رحل الرجل مبكراً قبل الآوان وفي قلبه غصة على ما آل إليه واقع شعبه من تشرذم وتشظي لم يكن يخفي رأيه في أسبابه وتوجيه الانتقادات اللاذعة لكل من تسبب به، وكان شعاره الذي صار فلسفة وإستراتيجية يعبر عنها برؤية مؤسساتية أن الشعب هو رأس المال فلم يدخر جهداً إلا ووظفه في تسيير مؤسسة لجان العمل الصحي التي كان يقودها منذ كانت عبارة عن عمل طوعي تمأسس على يديه وأيدي المؤسسين الأوائل لتنو المؤسسة في الضفة وغزة ولتستجيب لحاجات الناس وخاصةً الفقراء والجرحى والمرضى وتبلسم جراحهم في مواجهة سياسات الاحتلال التي كانت ولا زالت تستهدف الإنسان قبل الأرض.
خسره الشعب الفلسطيني وإفتقدته القدس التي نما وترعرع في حواريها وعابت توجيهاته وبسمته عن رفاقه الذين تقاسم معهم الهم والوجع، نعم كان أبا وسام خميرة ثورية يلكز كل من تتسرب الدعة إلى جسده وكان لا يقبل بإنصاف الحلول ولا يساوم على قناعاته حتى لو كان الثمن الصدام وما يترتب عليه. صارماً في عمله يوزع المهام على الآخرين ويتابع التنفيذ الدقيق، عرفناه شخصاً غير عادي يحضر باكراً لمكتبه ويغادر متأخراً حتى يطمئن على الإنجاز الذي كان يؤمن بتراكميته.
صولاته في الداخل لم تكن في مفاعليها بأقل منها في جولاته خارج حدود الوطن حاملاً هم شعبه أينما حل ليوضح للعالم أسير الدعاية الصهيونية بأن ما يجري على الأرض هو تطهير عرقي وتهجير يمارسه مستوطنون قدموا من شتى بقاع الأرض مشبعون بالحقد والكراهية وتعاليم القتل والتحريق.
واليوم وبعد ثماني سنوات على ترجلك حكيم القدس لو تعلم وكلي يقين بأنك تعلم بأن الخميرة التي زرعتها فيمن خلفك أنبتت شقائق النعمان وزينت أرض الوطن باللون الأحمر وأن الجيل الجديد الذي لطالما راهنت عليه قد تجاوز بل وحطم كل الأصنام وسار على الدرب الذي آمنت به ومارسته ، فبرغم الآلم وقوافل الشهداء وهدم المنازل لا زال الأمل فينا.
أحمد لم تفقدك أسرتك الصغيرة التي لربما كنت قسوت عليها بدينامية عملك الذي أخذك منها ولكن فقدناك جميعاً ونستفقدك اليوم في حلكة الظلام ولا مواسي لنا إلا كلماتك وطلتك التي لا زالت تحجز لها مكاناً في نفوسنا.
حكيم القدس طيفك لا زال يحلق في المكان في الوطن في حواري القدس العتيقة في منازل الفقراء رصيدنا الذي كنت تؤمن به فنهجك لا زال الموجه والناظم لعمل كل من عرفوك سلام عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث من جديد مع كل إشراقة صباح متجدد.
بقلم الإعلامي: خالد الفقيه