حالة الشد والرخي بين "فتح" و"حماس"

بقلم: رجب أبو سرية

الاجتماع القيادي المنوي عقده الأسبوع القادم، والذي أعلن عنه الرئيس محمود عباس، في خطابه أول من أمس، يهدف للتحضير، على ما يبدو لاجتماع المجلس الوطني، الذي كان الرئيس نفسه قد دعا إليه في أيلول الماضي، بهدف اتخاذ قرارات توصف بأنها مصيرية، للرد على انغلاق نوافذ الحل السياسي مع الجانب الإسرائيلي ومواجهة استعصاءات إعادة الوحدة الداخلية، وكان ذلك قبل الذهاب للمشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
حينها تدخلت أطراف دولية، في مقدمتها الولايات المتحدة للضغط من أجل إلغاء أو على الأقل تأجيل اجتماع المجلس الوطني، الذي كان من المتوقع أن يصدر قرارا ملزما للسلطة التنفيذية في م ت ف والسلطة بوقف العمل باتفاقات أوسلو، أو على أقل تقدير وقف التنسيق الأمني، كذلك تدخلت الفصائل والقوى الداخلية، التي رأت في اجتماع الوطني طيا لآخر أمل بإعادة الوحدة الداخلية وفق اتفاق الشاطئ وفي ظل حكومة التوافق، وحين "تنازلت" القيادة الرسمية عن دعوتها وفضلت التأجيل أعلنت أن التأجيل حتى آخر العام 2015، وحيث إننا دخلنا العام الجديد 2016، فان ذلك يعني أن موعد العودة للتحضير لاجتماع المجلس الوطني قد أزف.
بتقديرنا أن الأمور، ليس بالضرورة أن تسير بهدوء وتباعا، في زمن منظور، ذلك أن اجتماع المجلس الوطني، حتى لو أنه جاء على قاعدة الدورة العادية، أي ليس كمجلس جديد، بأعضاء جدد، لن يكون اجتماعا عاديا، بالنظر إلى كيفية انعقاده، ومن ثم إلى الهدف من انعقاده، والذي يتحدد - كما أسلفنا - بمراجعة اتفاقات أوسلو، ورسم إستراتيجية جديدة فلسطينية، قد يكون أهمها أو في مقدمتها العودة لتقديم م ت ف كقيادة تنفيذية / يومية للشعب الفلسطيني، وليس كما هي حالها اليوم كمرجع لسلطة سياسية تدير الشأن اليومي والحياتي لشعب دولة فلسطين، في القدس والضفة وغزة.
أي مع عدم الإعلان عن حل السلطة ولكن، احتوائها تماما من قبل المنظمة، وبذلك إطلاق رسالة سياسية مفادها، التحلل والتحرر من التزامات السلطة وفق أوسلو تجاه الجانب الإسرائيلي.
أهم ما لا بد من متابعته قبل عقد المجلس الوطني، وخلال ومن ثم بعد اجتماع الهيئة القيادية التي تضم تنفيذية م ت ف ومركزية فتح وقادة الأجهزة الأمنية، هو إن كان سيقرر ذلك الاجتماع الدعوة لاجتماع الإطار القيادي الذي يضم حماس والجهاد، أم لا، وبالتالي، هل ستكون فتح قد قررت الذهاب لمجلس وطني، مع حماس أم لا، لأنه سيترتب على ذلك "إعلان حرب" مع الجانب الإسرائيلي، وتجاوز حالة الاستمرار بالتهديد أو التلويح أو تحذير الجانب الإسرائيلي من النتائج المترتبة على استمرار حالة الركود السياسي القائمة.
ليس هنالك ما يدعو للتفاؤل في قدرة الجانب الفلسطيني على ترتيب أوضاعه الداخلية وتقوية جبهته في مواجهة إسرائيل، وذلك لأكثر من سبب، فحتى فتح، لا يبدو أنها قد توافقت داخليا على تفاصيل الخطوط العامة السياسية لمواجهة المرحلة المقبلة، بما في ذلك حسم الذهاب للوطني بطريقة محددة أو معينة، فضلا عن الاتفاق على ما سيتخذه من قرارات حاسمة.
وحين ننتقل لمعادلة حماس / فتح، فان الأمور تصبح أكثر تعقيدا وسوءا، فرغم بارقة الأمل التي لاحت بمبادرة الفصائل حول معبر رفح، عادت اسطوانة الشد والرخي مجددا، فقد أعلنت حماس أولا رفضها لتجزئة ملفات المصالحة، وان طرح حل لمعبر رفح فقط، تجزيء لمشكلة الانقسام، بعد أن كانت قد ردت على قرار السلطة بتشكيل لجنة خاصة، بقولها أولا إنها لم تتلق اقتراحا مكتوبا بالخصوص، ثم إنها تدرس مقترح الفصائل على قاعدة الشراكة.
كالعادة إذا التي هي مستمرة منذ عشر سنوات، أي منذ أن شاركت حماس بانتخابات المجلس التشريعي الثاني في كانون الثاني 2006، حتى الآن، ما أن أرخت فتح حتى تشددت حماس، والعكس صحيح، بما يشير إلى أن الحركتين باتتا تتقنان هذه العملية جيدا، وأنهما أظهرتا خبرة واضحة في إدارة الانقسام بشكل جيد جدا !
يبدو أن كل ما يحدث داخل أروقة الفصائل الفلسطينية ما هو إلا أشغال للوقت، ويبدو أكثر أن جميع الفصائل والقوى باتت تدرك أنها لا تقرر الشأن العام الفلسطيني، في ظل تتابع الأحداث الإقليمية، وفي ظل ظهور طموحات أو أطماع إقليمية واضحة في فتات ما لدى الشعب الفلسطيني من أجزاء من وطنه، فحديث الفصائل عن معبر رفح، وحديث المصالحة وحتى اجتماع المجلس الوطني في حال تم، يبدو أنه لا يغير من حقيقة أن دولة الضفة وغزة تبدو مثل دولة باكستان الشرقية والغريبة، التي أقيمت بعد خروج بريطانيا من شبه القارة الهندية، ورغم أن ما ربط شطري باكستان (الشرقي والغربي) في ذلك الوقت كان المحيط الهندي، وليس ممرا داخل إسرائيل، كما هي حالنا، إلا أن بنغلاديش انفصلت عن باكستان، لذا من الضروري التفكير عميقا بالخروج بأقل الخسائر، في ظل حروب طاحنة في الإقليم بهدف تفتيته وتجزيئه، ونحن نحلم في ظل واقع كهذا أن "تساعدنا" إسرائيل في تحقيق وحدة شطري دولتنا التي لم تقم بعد !
واقعية قطر وتركيا، تقول إنهما تخططان مستقبل مصالحهما في بلادنا على قاعدة العلاقة الخاصة مع غزة وليس مع فلسطين، لذا فان حديث محمد العمادي عن أن زيارته لغزة تبحث في قصة معبر رفح، وفي كيفية حل مشكلة الكهرباء بعد عامين، وفي تدشين مشاريع الإسكان، كل ذلك يشير إلى أن هنالك من يرتب برنامجه على قاعدة واقع مختلف عن أحلامنا.

رجب أبو سرية
2016-01-08

[email protected]