إستشهد البطل نشأت ملحم , في مواجهة مسلحة شرسة مع قوات الإحتلال , وتمكن الشهيد نشأت خلال المواجهة أن يباغت القوة الصهيونية التي كانت تتسلل إلى مكان وجوده , ويقوم بإمطارها بوابل من الرصاص حيث أوقع فيهم الإصابات كما جاء في الإعلام العبري , ثمانية أيام مضت منذ عملية الديزنكوف وسط تل الربيع المحتلة , والتي إستطاع خلالها الشهيد نشأت أن يمرغ أنف الأمن الصهيوني في وحل العار , وبلغت حصيلتها مقتل صهيونيين وإصابة ما يقارب العشرة بجراح خطيرة , مع تمكن الشهيد نشأت من الإنسحاب من مكان العملية بكل هدوء واطمئنان , من تلك اللحظات أصبح الشهيد نشأت ملحم المطارد الأول لأجهزة المخابرات الصهيونية , التي جندت كل أدواتها الإعلامية والمخابراتية , للوصول إلى طرف خيط يوصلها إلى الشهيد نشأت , ولقد فشلت فشلاً ذريعا وزاد ذلك من رعب الصهاينة , الذين خضعوا لمنع التجوال , وإمتنع الكثير من الصهاينة عن إرسال أبنائهم إلى المدارس , وتعطلت الإمتحانات الفصلية , وخضعت الأجهزة الأمنية والعسكرية الصهيونية لحالة الإستنفار الشديد على مدار الساعة ,وقامت قوات الإحتلال بحملة تفتيش في كثير من الإمكان في مناطق الوسط والمثلث الفلسطيني , وكان الهاجس الذي يهيمن على تفكير قادة الكيان الصهيوني إحتمالية أن يقوم الشهيد نشأت بضربته الثانية , علماً بأن الشهيد نشأت قد حقق الإنتصار على الكيان الصهيوني ومنظومته الأمنية من اللحظة الأولى لتنفيذ عمليته , والإنسحاب بسلام وسط زحمة الكاميرات الأمنية المنتشرة في شوارع تل الربيع المحتلة , وشعرت الأجهزة الأمنية الصهيونية بالعجز والعار أمام صمود وإصرار وتضحية الشهيد نشأت , الذي إستطاع أن يفرض حالة الإرباك والرعب في صفوف الصهاينة على مدار ثمانية أيام .
فماذا لو تحركت الجماهير الفلسطينية في الأرض المحتلة عام 48 , وإنخرطت بشكل مباشر وواسع في إنتفاضة القدس ؟! , بكل تأكيد سيكون الكيان الصهيوني أمام المصير المحتوم , وسيكون عليه أن يجيب عن السؤال الذي يتهرب منه حول إستمرارية وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين , فلقد أسقطت عملية الشهيد نشأت ومطاردته الدراماتيكية الأمن الشخصي للصهاينة , وزاد من الأثر النفسي الذي تلقي به العمليات الفدائية على الصهاينة , فلم تعد فلسطين آمنة للصهاينة, وعليهم حزم أمتعتهم والرحيل .
عملية الشهيد نشأت في الديزنكوف وإستشهاده بعد مطاردة ساخنة لأكثر من أسبوع , بمثابة إضافة نوعية في مسيرة المقاومة الفلسطينية , نموذجاً جديداً ستتغنى به الأجيال , وأن إسم نشأت قد كتب بالدم في صفحات العز والإستشهاد الفلسطينية , وأضحى الشهيد نشأت رمزاً من رموز مقارعة العدو الصهيوني ومنظومته الأمنية , ليؤكد على أن المواجهة المباشر مع العدو تكشف عن معادن من الرجال تستطيع التفوق والنصر على العدو بأقل الإمكانيات , مما يشكل دافعاً أساسياً ومحرضاً فاعلاً , على سلوك النهج الثوري المقاوم في مواجهة عربدة وسطوة الإحتلال الصهيوني, ليراكم ذلك على مراحل الثورة والفعل المقاوم الفلسطيني , الذي يضرب في عمق الفكرة الصهيونية الإستيطانية , ويجبرها على التراجع أمام إصرار أصحاب الحق على المقاومة إلى حين إجبار المحتل على الخضوع والرحيل عن الأرض المحتلة .
إستشهاد نشأت ملحم وتنفيذ لعملية نوعية في قلب تل الربيع المحتلة , له دلالات عميقة التأثير في إطار الصراع مع المشروع الصهيوني في فلسطين , ولا يمكن فصل العمل المقاوم الذي نفذه الشهيد نشأت عن فعاليات ويوميات إنتفاضة القدس , وأن العامل المحرك للشباب المنتفض واحد في كل حالات المبادرين للعمل المقاوم خلال إنتفاضة القدس , وعنوان التحرك هو مواجهة الإحتلال والغطرسة الصهيونية , والدفاع عن المسجد الأقصى من جولات التدنيس ومحاولات التقسيم , بالإضافة إلى المعاملة العنصرية ضد الفلسطينيين في الداخل المحتل.
فلقد أعاد نشأت ملحم بعمليته البطولية البوصلة نحو إتجاهها الصحيح لجموع الشباب الفلسطيني في الداخل المحتل , وأفشل بدمائه الطاهرة مخططات الأسرلة , وكتب برصاصاته بأن فلسطين هي الوطن ولاتنازل عنه ولا بديل له , وليرحل المحتلين عن قرانا وبلداتنا , وأن فلسطين لن تكون في يوم من الأيام "إسرائيل".
كما أشعلت عملية نشأت ملحم وإستشهاده بعد مطاردة لثمانية أيام إنتفاضة القدس وزادت من وتيرتها وأعطتها دافعية للإستمرار, وزادت من مساحة الفعل والمشاركة لصالح إنتفاضة الشعب الفلسطيني , عبر تجديد المشاركة من قبل فلسطييو48 , بعد عملية مهند العقبي ببئر السبع في بدايات الإنتفاضة الحالية , ليكون ذلك بمثابة تشكيل لوحة وحدوية للأرض والإنسان في فلسطين المحتلة .
بكل تأكيد سيشكل إستشهاد نشأت ملحم نموذجاً يحتذي به لذا الشباب الفلسطيني وخاصة في مدن وقرى الداخل المحتل , مما يزيد من وتيرة المشاركة من الشباب في إسناد ودعم إنتفاضة القدس وصولاً إلى تنفيذ العمليات ضد الإحتلال , فلا خيار يجدي مع الإحتلال أكثر من المقاومة التي تشكل خيار الشهداء والأحرار في تحرير الأوطان وإنجاز الإستقلال .
بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني
9/1/2016م