حالة من الخوف والتوتر، عاشها سكان تل أبيب وضواحيها، إثر العملية التي قام بها الشاب نشأت ملحم (29) عاماً، بتاريخ "1/1/2016"، أسفرت عن مقتل إسرائيليين، وإصابة سبعة بجروح متفاوتة، في عملية إطلاق نار جريئة عبر رش المارة من سلاحه من نوع "غوستاف"، والمذكور من سكان قرية عارة داخل الخط الأخضر، ذكّرت الإسرائيليين بعمليات تنظيم داعش في فرنسا، ووقع الحادث في أهم مركز تجاري في المدينة، وهو شارع يحمل اسم زعيم صهيوني "ديزنغوف"، وكان أول هجوم نفذته المقاومة الفلسطينية في هذا الشارع، وقع بتاريخ "19/11/1994" نفذه "صالح نزال" من قلقيلية، في عملية تفجيرية بحزام ناسف يزن (20) كيلوغراماً، مما أدى إلى مقتل (23) إسرائيلياً، وإصابة (104) آخرين، وأحدث اضطراباً كبيراً في تل أبيب وجوارها، واعتبرت في حينه من أكبر العمليات التي شهدتها إسرائيل، وفي تاريخ "4/3/1996"، فجر "رامز عبيد" –وهو من قطاع غزة- شحنة ناسفة تزن (20) كيلوغراماً في نفس الشارع، مما أدى إلى مقتل (13) إسرائيلياً، وإصابة (125) بجراح، وبتاريخ "21-3-1997"، وقع تفجير آخر في نفس الشارع، أدى إلى مقتل (3) وإصابة (48)، كما وقع في نفس الشارع عام (2001) عمليات أخرى، مما يدل على أن هذا الشارع، موقع هام ومستهدف في قلب أكبر مدينة إسرائيلية، الأمر الذي أدى إلى عدم إرسال الإسرائيليين أولادهم إلى المدارس، واعتبرت جريدة "معاريف 3/1/2016"، بأن العملية الأخيرة، تشبه عمليات "داعش"، ومنذ تاريخ هذه العملية قام الأمن الإسرائيلي بانتشار واسع للقبض على منفذ العملية، وبعد أسبوع من تاريخ العملية، وبعد جهود كبيرة من قوى الأمن الإسرائيلية، اكتشف مكان مخبأه في بيت مهجور في قريته عاره، وجرى تبادل إطلاق النار بينه وبين قوات الأمن، مما أدى إلى استشهاده، وسبق أن اعتقلت الشرطة الإسرائيلية، والده وعدد من أفراد أسرته.
إن رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو"، الذي يتحمل مسؤولية تأمين الأمن للإسرائيليين، لجأ إلى التحريض على الجماهير العربية من عرب الداخل، وهذا ما يلجأ إليه لتبرير فشل سياسته، ففي افتتاح جلسة حكومته بتاريخ "27/12/2015"، أعلن أنه لا مجال للمقارنة بين الإرهاب اليهودي-ويقصد عمليتي حرق عائلة الـ "دوابشة"، وحرق "محمد أبو خضير"- مع الإرهاب العربي، في محاولة لتبريره لحفل الزفاف، الذي أقامه المستوطنون، وطعنهم للطفل "علي الدوابشة"، والرقص بأسلحة الجيش والخناجر، وحسب "نتنياهو"، فإن الإرهاب اليهودي غير منتشر، باستثناء عمليات قليلة، وهذه مغالطة تاريخية، فإن سجل الإرهاب اليهودي حافل بالعمليات اِلإرهابية، قبل وبعد إقامة إسرائيل مدعياً بأن "الإرهاب" العربي يضرب إسرائيل من كل ناحية، وعلى مدى أوسع، لكنه تجاهل أن المقاومة العربية، تناضل من أجل إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وبينما الإرهاب الإسرائيلي، يعمل لتكريس هذا الاحتلال.
"نتنياهو" الذي يزعم التمييز بين الإرهاب اليهودي، والإرهاب العربي-حسب تسميته- ويدعي أنه لا يمكن مساواة الأمرين تحت أي ظرف، وأن الإرهاب العربي –الذي يهاجم إسرائيل دون توقف- هو أكبر من حيث الحجم، متهماً السلطة الفلسطينية بأنها تمدح وتخلد "الإرهاب" العربي، وأنها تطلق أسماء "الإرهابيين" على الميادين والساحات والشوارع، وتدفع لهم الرواتب، متهماً السلطة الفلسطينية بتشجيع الإرهاب، فـ "نتنياهو" مستمر في مغالطاته وتحريضه، فإن قتلة الفلسطينيين من اليهود، يجري تخليدهم ويتم بناء النصب التذكارية لهم، ويدفعون لهم الرواتب بسخاء، ومثالاً على ذلك، فإن سفاح الحرم الإبراهيمي في الخليل، باروخ غولدشتاين"، الذي قام برش وقتل العشرات أثناء تأديتهم الصلاة، أقاموا له نصباً لتخليد ما قام به من إرهاب سافر بشع، وسفك دماء عشرات المصلين، ونحن نقول، أنه لا مقارنة بين الإرهاب اليهودي، مع ما يقوم به الفلسطينيون، الذين يناضلون ضد الاحتلال، أما الإرهاب اليهودي فهدفه تكريس الاحتلال، وحسب جريدة "يديعوت احرونوت 16/12/2015"، فإن الكراهية في إسرائيل تطال العرب على رأس القائمة، يليهم مثليي الجنس، وفي المكان الثالث اليسار الإسرائيلي، ثم اللاجئين الأفارقة، والشرقيين، والإثيوبيين.
إن الإرهاب اليهودي له قوة ونفوذ وحماية من أوساط سياسية وحكومية، ومن مؤسسة الحاخامية، فلا يكفي كتابة مقال أو مقالات في الصحف عن الإرهاب اليهودي، بل أنه بحاجة إلى مجلدات، لتوثيق هذا الإرهاب، وأن الإرهاب اليهودي قديم جداً مضى عليه أكثر من (100) عام، منذ عهد الانتداب البريطاني لفلسطين، وبعد إقامة إسرائيل عام 1948، ونستعرض فقط أهم الأعمال الإرهابية اليهودية بعد احتلال عام 1967، فبين عامي 1980-1984، ظهرت العصابة السرية اليهودية المعروفة باسم "إرهاب ضد إرهاب"، والتي حاولت اغتيال رؤساء ثلاثة من رؤساء البلديات الفلسطينية، بينهم رئيس بلدية نابلس "بسام الشكعة"، وقتلت ثلاثة جامعيين من الكلية الإسلامية في الخليل، وفي عام 1984 جاءت عصابة "لفتا" اليهودية، التي تسللت إلى الحرم القدسي بهدف تفجير المساجد، وبتاريخ "22/4/1985"، قامت العصابة اليهودية بتوقيف سيارة أجرة في القدس الشرقية وقتلوا سائقها، وبتاريخ "20/5/1990"، جرت عملية قتل سبعة عمال فلسطينيين، وإصابة (11) آخرين، في "رشون لتسيون" أثناء انتظارهم في محطة لنقل العمال، وفي شهر "تشرين ثاني 1992"، قامت جماعة "كهانا" بإلقاء قنبلة تحت اسم دورية الانتقام، على الحي الإسلامي في القدس، أسفرت عن قتل وإصابة عدد من الفلسطينيين، وبتاريخ "25/2/1994"، نفذ السفاح "باروخ غولدشتاين" مجزرة الحرم الإبراهيمي، فقتل (29) مصلياً، وأصاب "129" قبل سيطرة الآخرين عليه وقتله، وفي عام (2002) ظهرت مجموعة الإرهابيين من مستوطنة "بات عاين"، الذين نفذوا عمليات إرهابية، وبتاريخ "4/8/2005"، صعد الإرهابي "عيدن نتان زادة" إلى حافلة ركاب من شفا عمرو، داخل الخطر الأخضر، وقتل أربعة من ركابها، وبتاريخ "17/8/2005"، قام المستوطنون بفتح النار على فلسطينيين فقتلوا أربعة وأصابوا آخرين، وفي عام 1997 قام الإرهابي "يعقوب طيئيل" بقتل فلسطينيين، وفي "21/7/2014"، اختطف الإرهابيون اليهود الطفل الفلسطيني "محمد أبو خضير" من شعفاط، وأحرقوه حياً، ثم جاءت عملية حرق بيت الـ "دوابشة" بتاريخ 31/7/2015"، دون هدم منازل المنفذين، كما يجري مع الفلسطينيين، كما عمل الإرهابيون اليهود، على إحراق وتدمير عشرات المساجد والكنائس والبيوت وحرق الحقول والسيارات في الضفة الغربية، وداخل الخط الأخضر، طوال السنوات الماضية، فهذا غيض من فيض، نهديه إلى "نتنياهو"، كي يصحح مقارنته بين الإرهاب اليهودي، وما يطلق عليه بـ "الإرهاب" العربي.
"نتنياهو" يتوعد المواطنين العرب في إسرائيل، بإجراءات مشددة، وملاحقة أبنيتهم غير المرخصة، والسلاح غير المرخص بحوزتهم، ومنع صوت الآذان في المساجد الذي يزعم أنه يزعج الإسرائيليين، وإسرائيل تماطل في وضع هيكلية للبناء في البلدات العربية، مما يضطر المواطنين للبناء دون ترخيص، وهذا ذنب السلطات الإسرائيلية، ففي القدس الشرقية، جمدت البلدية إصدار تراخيص بناء للمقدسيين، مما يضطرون للبناء دون ترخيص، مع أن البلدية أصلاً تماطل بمنحهم التراخيص، وإذا منحتهم تفرض عليهم رسوم باهظة، ففي إحصائية نشرتها جريدة "هآرتس"، يتبين أن بلدية القدس، أصدرت في عام (2010) (1828) رخصة بناء للمستوطنين، مقابل (167) رخصة فقط للفلسطينيين، وفي عام (2013) أصدرت (2469) رخصة بناء للمستوطنين، مقابل (178) رخصة للفلسطينيين أما في عام (2015) فقد أصدرت (1799) رخصة للمستوطنين مقابل (166) رخصة للفلسطينيين، ومعظم الرخص التي أعطيت للفلسطينيين، كانت في حي بيت حنينا، أما في عام (2014) فقد حصل الفلسطينيون على (51) رخصة بناء فقط، وتأتي هذه ضمن سياسة معتمدة للمضايقة على الفلسطينيين لتطفيشهم.
إسرائيل تسوق منذ عشرات السنوات، ضمن دعايتها الخارجية، عن المساواة في الحقوق، التي يتمتع بها المواطنون العرب، مع أن وثيقة إقامة إسرائيل تنص على ذلك، لكن فعلياً فإنها بعيدة كل البعد عن المساواة، وفي النقاش الدائر في إسرائيل، فهناك من يطالب بتحقيق هذه المساواة، في محاولة للتهدئة من روع المواطنين الفلسطينيين، فالحكومة الإسرائيلية أقرت مؤخراً، رصد (15) مليار شيكل، لتحسين حياة المجتمع العربي، بينما كان المطلوب، رصد هذا المبلغ ضمن الميزانية العامة، كي لا تتراجع عنها الحكومة، فقد أعلن "نتنياهو" ربط ما رصدته من ميزانية بتنفيذ القانون ضد البناء غير المرخص في البلدات العربية، وجمع الأسلحة غير المرخصة التي تقدر بمليون قطعة سلاح لدى الوسط العربي، من أنواع مختلفة، لكن النواب العرب في الكنيست، يطالبون بجمع هذه الأسلحة التي تؤذي المواطنين العرب، وتنشر الجريمة، منذ عشر سنوات، وقتلت حوالي (1100) ضحية في الوسط العربي، ويبدو أن قتل العرب ينسجم مع السياسة الإسرائيلية، ليقتل العرب بعضهم البعض، أما حين يوجه هذا السلاح ضد اليهود، كما حدث في عملية تل-أبيب، فقد قال رئيس القائمة العربية المشتركة "أيمن عودة"، في تعقيبه على اهتمام "نتنياهو" في جمع السلاح، فلو كان قتلى عملية تل أبيب من العرب، لما اهتم بهم "نتنياهو"، أما حين يوجه السلاح نحو اليهود، فإنهم يصرخون، والشرطة الإسرائيلية تتعامل مع العربي كعدو، وطالب نائب عربي بتشكيل لجنة تحقيق حول السلاح في الوسط العربي، الذي مصدره الجيش الإسرائيلي، إلا أن طلبه رفض، فـ "نتنياهو" لا يملك الحلول للعمليات الإرهابية، والأسهل عليه توجيه اتهاماته لعرب الداخل، حتى أن رئيس بلدية تل-أبيب، اعترف بأن نتنياهو لا يملك الحلول، ويبحث عن اتهام الآخرين، وبخاصة المواطنين العرب، وأن الجمهور الإسرائيلي يتساءل: متى تنتهي حالة الرعب التي يعيشونها؟ و"نتنياهو" رفض في جلسة مجلس وزارته، التراجع عن تصريحاته ضد عرب الداخل، بل أنه مستمر في التحريض، ظناً منه بدق إسفين بين عرب الداخل، بتصنيفهم لمعتدلين ومتطرفين، فشروط "نتنياهو" لتقديم الموازنات لعرب الداخل رفضت، حتى أن النائب "محمد بركة" رئيس لجنة عرب الداخل، كشف أنه توجه عدة مرات إلى رئيس الحكومة، لسحب السلاح غير المرخص، دون استجابة، وطاقم حكومي كلف من قبل الحكومة، ليقدم تقريراً حول البناء وأزمة السكن في الوسط العربي، فحمل هذا الطاقم الحكومات المتعاقبة، المسؤولية لأنها لم تضع المخططات الهيكلية، فحديث "نتنياهو" عن البناء غير المرخص مهزلة، ولا توقعات من حكومة "نتنياهو" اليمينية أن تكون غير ذلك.
بقلم/ غازي السعدي