المفهوم الذي كان سائدا على عقد الثمانينات وحتى العام الماضي هو المؤسسة الفلسطينية الواحدة، وقد تكون هذه الفكرة لاقت نجاحا ما بتلك الفترة، ولكن بعد اوسلو بدأت المؤسسات تتفكك وتهمش لاسباب متعددة، واوجدت حالة فراغ تركت سلبيات على مجمل العمل الوطني الفلسطيني، بالماضي كانت المؤسسة هي المرجعية والداعية الى احياء المناسبات وطرح القضية وتعرية جرائم الكيان الصهيوني بالمجتمع البرازيلي، وشكلت بمجملها حالة نهوض ووسعت قاعدة التضامن مع الشعب الفلسطيني رغم كل التفاوت بالمواقف بين ابناء الجالية من المؤسسات وكيفية ادارتها ومشاركة جميع الاراء بالقرار والتنفيذ.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، الى متى ستبقى هذه الحالة بوقت تشهد بها تجمعاتنا الفلسطينية حالة غياب كاملة عن المشهد الفلسطيني؟
خلال العقد الاول من القرن الحالي كانت هناك محاولات لتفعيل المؤسسات وحتى تمكنت الجالية بمساعدة بعض القوى والشخصيات الفلسطينية من عقد مؤتمرين، ولكن النتائج اللاحقة لم تكن بمستوى التحديات التي فرضتها المرحلة رغم اهميتها، لتكتشف الجالية والكثيرون ان الهدف من التفعيل كان له اهدافا اخرى غير الاهداف الوطنية ومصلحة الجالية ومؤسساتها، وقبل سنوات ايضا تم تاسيس مركزا ثقافيا فلسطينيا بولاية ماطو غروسو دو سول، ايضا هذا المركز لم يكتب له النجاح والحياة.
ايضا كانت هناك فكرة تاسيس الاتحاد الديمقراطي للمؤسسات الفلسطينية، الا ان هذه الفكرة ولدت ميته ولم تشق طريقها الى الامام، محاولات عدة كلها باءت بالفشل.
هذه المحاولات كاتحاد ديمقراطي ومركز ثقافي جديد، كانت بمحصلتها تهدف الخروج من قيود الرأي الواحد والهيمنة والسيطرة على المؤسسة الفلسطينية وقرارها، والاتهامات كانت حاضرة باستمرار من قبل هذا النهج المهيمن، كمحاولات انشقاقية وانقسامات داخل الجالية للاستمرار بالهيمنة على المؤسسة وقراراها والتي تركت سلبيات عليها وعلى مجمل العمل الوطني الفلسطيني.
العام الماضي تم تأسيس المركز الثقافي الفلسطيني بمدينة ساوبولو، محاولة جديدة، نجاحها يتوقف على فهم اسباب فشل المؤسسات الاخرى او تهميشها او كيفية ادارتها السابقة والصراعات التي حصلت بداخلها، ودور القوى الفلسطينية والسفارة، وذلك من اجل فهم اعمق للحفاظ على المؤسسة من اجل ان تستمر، وقد جاء تاسيس المركز بعد فترة من بيع مقر جمعية ساوبولو بقرار فتحاوي ومشاركة ألإتحاد العام والهيئة الإدارية للجمعية، حيث نهبت اموال المؤسسة من بعض ابناء الجالية ورفعت القضايا عليها لنهب ما تبقى من الاموال، وكل هذا كان على مرآى من السفارة والسفير الذين لم يحركوا ساكنا.
المركز الثقافي الفلسطيني سيكون امام تحديات، واولها هو موقف السفير اذا كان ايجابيا ام لا، حيث التجارب السابقة بعلاقة السفير الفلسطيني وتدخل السفراء بالمؤسسات الفلسطينية كانت قد ساهمت بتعميق ازمة المؤسسات من خلال ازدواجية المواقف التي بمحصلتها تركت اثارا سلبية على مجمل المؤسسات الفلسطينية وتعميق ازمتها وانقسامات الجالية الفلسطينية.
اهمية تشكيل المركز الثقافي الفلسطيني جاءت بوقت تواجد فلسطيني قادم من سوريا، هذا التواجد اكتشف حال وجوده ان لا مؤسسات فلسطينية تعتبر مرجعية فلسطينية بالبرازيل حتى ان السفارة الفلسطينية من خلال سفيرها وموظفيها اهملت هذا التواجد رغم استمرار معاناته، وصدمت من الواقع الفلسطيني بالبرازيل، ومن دور السفارة، ورأت ان الحفاظ على انتمائهم الفلسطيني هو اعادة تنظيم هذا التواجد من خلال مؤسسات فلسطينية تكون قادرة على الحفاظ والتمسك بالحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني باعتبارهم فلسطينيون من حيفا وطبريا وصفد والجليل الفلسطيني، وهذا الارتباط يصطدم مع موقف السلطة الفلسطينية التي تعترف بالكيان الصهيوني والتي تعكس نفسها على مواقف السفير، وهذا سيترك مسافة كبيرة بين السفير والمؤسسات الجديدة التي ستؤكد على ان الارض المحتلة عام 1948 هي اراضي فلسطينية، لان التنظيم يعتبر اساسيا من اجل الحفاظ على الانتماء الفلسطيني وعدم الاعتراف بشرعية هذا الكيان، موقف متناقض كليا مع مواقف السلطة والسفير، ومع الاتحاد العام للمؤسسات الفلسطينية الذي ما زال يتكلم باسم الجالية الفلسطينية.
المركز الثقافي الفلسطيني سيكون امام مهمات وتحديات كبيرة، وهي بحاجة الى تفكير وتخطيط جيد، وخط وطني واضح وسليم دون تشويهات يكون بعيدا عن التجاذبات والتناقضات السياسية الداخلية الفلسطينية، يعزز من الانتماء الفلسطيني ويحافظ على وحدة الجالية الفلسطينية بطرفيها القديم والجديد.
ان التركيز على الجانب الثقافي والاجتماعي بنشاطات المركز واقامة المعارض واحياء المناسبات الوطنية الفلسطينية والتاكيد على الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، دون الخوض بتفاصيل السياسة الفلسطينية، تكون بمجملها اكثر صوابا وتخلق واقعا جديدا يكون له تاثيرات ايجابية على مجمل القضية الفلسطينية واعادة الاعتبار للجالية الفلسطينية ودورها وانتمائها الوطني والتأكيد على وحدتها وتمسكها بالارض الفلسطينية، وهذا يفرض على كل المخلصين مهما كانت انتمائتهم وارائهم السياسية والفكرية ان يدعموا هذا التوجه، وهذا لا يمنع ان تكون هناك مؤسسات اخرى فلسطينية تعتني بجوانب اخرى من القضية الفلسطينية والتواجد الفلسطيني بالبرازيل، حيث اكدت التجربة السابقة ان المؤسسة الواحدة هي قمع واقصاء للاراء الاخرى، ايضا حرمان لقطاعات واسعة من الجالية من ايجاد طرقا ووسائلا اخرى للتنظيم، وتأتي اهمية عقد مؤتمر للجالية الفلسطينية خلال هذا العام مقدمة وخطوة صعبة بحاجة الى جهود لإنجاحها لاعادة تنظيم الجالية الفلسطينية على اسس ديمقراطية، لانها ستكون مؤسسات مسجلة رسمية ولها ارقامها الوطنية التي تفرض على الجميع الاعتراف بوجودها رغم انفهم.
جادالله صفا - البرازيل
16 كانون الثاني عام 2016