في الطريق الى رام الله

بقلم: أسامه الفرا

راح ينفث دخان سيجارته بكثافة كأنه يريد أن يقتلع معه شيئاً من همومه الداخلية، فعل ذلك بعد أن أنهى مكالمة هاتفية ارتفع خلالها صوته وهو يجادل المحاسب حول قيمة الضريبة المستحقة لهذا الشهر على سيارة الأجرة التي يمتلكها، ما نحصله من ايراد تلتهم غالبيته الضرائب، ليتها تبقي لنا مقدار ما تجبيه منا، قالها بغضب ترجمته قبضة يده وهو يضرب بها مقود سيارته الأجرة التي بدأت تشق طريقها من أريحا صوب رام الله، بمجرد أن تناول موضوع الضرائب المتعددة فهذه وحدها كفيلة لأن تعرف من خلالها أنه من سكان القدس، اندفعت إلى حوار معه علني أتمكن من اخراجه من دائرة الغضب التي تملكته وهو يقود سيارته ليلاً في الطرق المتعرجة بين الجبال، ولا بد أن تحمل كلماته صورة واقعية عن الحياة في القدس التي لم أتمكن من الوصول اليها منذ عقد ونيف، وفي ذات الوقت لعل الحوار ينسينا المعاناة على معبر الكرامة التي من الواضح أنها ازدادت تعقيداً في الآونة الأخيرة.

بدأ يعدد السائق الضرائب الملزم بتسديها شهرياً، بدءاً من ضريبة الدخل على ايراداته من سيارة الأجرة، وتلك التي يدفعها كي يتمكن من الوصول بسيارته إلى بوابة معبر الكرامة، يضاف إلى ذلك التأمين والترخيص، ثم انتقل للحديث عن الضرائب المتعلقة بالسكن داخل مدينة القدس والتي تأتي ضريبة "الأرنونا" في مقدمتها، واصل سرد باقي الإلتزامات المالية الشهرية التي تثقل الكاهل بأرقامها الفلكية، قبل أن ينتقل بحديثه إلى الوجع الأكبر المتعلق بالضغوطات التي تمارسها حكومة الإحتلال على الفلسطينيين القاطنين في المدينة المقدسة، وسياسة التهويد الممنهجة لمكونات المدينة المختلفة، وتلك المنازل التي اغتصبها اليهود وسط التجمعات السكانية الفلسطينية في القدس الشرقية، الحياة داخل القدس تزداد صعوبة في ظل تراجع السياحة إلى البلدة القديمة والتي تعتبر المحرك الأساس لعجلة اقتصادها، فهل يدرك الرافضون لدعوة العرب والمسلمين لزيارة القدس تحت حجة التطبيع أنهم بموقفهم هذا يحاصرون أهلنا في القدس؟.

ما أن اقتربنا من مدينة رام الله حتى بدأت قرية كفر عقب تطل بمبانيها المتلاصقة المتعددة الطوابق، أكثر ما يلفت الإنتباه النشاط العمراني المتسارع الذي تشهده القرية دون ضوابط تنظيمية تسمح بتشييد بنية تحتية تلائم الزيادة السكانية الكبيرة للقرية، كفر عقب تمثل فصلاً فريداً من التراجيديا الفلسطينية، فهي لا تخضع لتقسيمات المناطق التي جاءت بها اتفاقية اوسلو حيث تتبع ادارياً لمدينة القدس، وفي الوقت الذي استولت فيه حكومة الاحتلال على نصف أراضي القرية لتشييد مستوطنة عليها، جاء جدار الفصل العنصري ليعزل باقي القرية عن أحياء القدس، رغم ذلك تواصل حكومة الاحتلال جباية الضرائب من سكانها أسوة بباقي أحياء القدس، ويضطر سكان القرية لدفع الضرائب للمحافظة على هويتهم المقدسية "الهوية الزرقاء"، في الوقت الذي لا تقدم بلدية الاحتلال شيئاً من الخدمات لقاطنيها ولا تسمح للسلطة الفلسطينية أن تصل إليها.

خلال العقد الأخير قفز تعداد سكان القرية إلى اضعاف ما كان عليه، حيث لجأ اليها البعض من سكان القدس ممن لم يعد قادراً على تحمل نفقات الحياة في البلدة القديمة، ولجأ اليها البعض الآخر ممن يعملون في مدن الضفة الغربية تفادياً لرحلة العذاب والاذلال اليومية عبر حاجز قلنديا، والأهم أنها تمثل خياراً لا بد منه لجمع شمل اسرة فلسطينية يتعذر عليها الإقامة في البلدة القديمة كون أحد طرفيها لا يحمل الهوية المقدسية، المؤكد أن سياسة الاحتلال حيال مدينة القدس تستند على قاعدة اساسية تقوم على ممارسة كافة اشكال تضييق الخناق على سكان البلدة القديمة لدفعهم لمغادرتها، والمؤكد أيضاً أن سكان القدس بتمترسهم في المدينة المقدسة يمارسون شكلاً من النضال الفلسطيني يتفوق بتفاصيله الدقيقة عن الكثير من لوحاتنا النضالية، نضال لا يستند بشيء من أدبياته على لغة الخطابة بقدر ما هو بحاجة إلى خطوات عملية لدعم الصمود الفلسطيني في المدينة المقدسة.

بقلم/ د. اسامه الفرا