اعترف أمامي أنهم يواصلون العمل ليل نهار، وعلى مدار عام ونصف لم يعرفوا طعم الراحة، ولم يتسرب إليهم الوهن، فالمعركة التي يستعدون لها معركة مصيرية؛ بقاء أو فناء، حياة أو موت، ولا خيار لهم إلا العمل تحت كل الظروف، والبقاء نداً يخترق حصون العدو.
سألت أحد قادة كتائب القسام عن مصادر سلاحهم، من أين تحصلون على السلاح في ظل هذا الحصار الرباعي الخانق؟ فقال مبتسماً: وهل كنت تتوقع مني أن أكشف لوسائل الإعلام عن السر، ولكنني أؤكد لك أن تدفق السلاح لم يتوقف، ولو عرف الناس مصادر سلاحنا، وكيفية وصوله إلينا، وآلية تصنيعه، والطرق الفنية المبتكرة في تطويره، وأنواعه، وكيف يسر لنا الله سلاحاً من حيث لم نحتسب، ولم يخطر لنا في بال، لو عرف أهلنا بذلك لسجدوا لله شكراً على إبداع القسام في تطوير وسائله القتالية، الأمر سر، وسيبقى سراً حتى لحظة الاحتدام، حين نلتقي مع عدونا في ساحة الوغى، يومها سيصيب الذهول عدونا من هول المفاجأة.
سألت الرجل: هل أفهم من حديثك أنكم جاهزون للمعركة، وأن حديث الأخ إسماعيل هنية قبل أيام عن مفاجآت ستربك حسابات العدو، هو حقيقة وليس تقديرات وتوقعات؟
بكل تأكيد، فالقائد إسماعيل هنية لا يعرف كل التفاصيل، وليس من اختصاصه أن يعرف المدى الذي وصلت إليه صواريخنا، ولا عددها، ولا كيفية تصنيعها وتهريب موادها التفجيرية، ولكن القائد تساءل عن كثرة الحوادث، وارتفاع عدد الشهداء جراء العمل، وطالبنا بأخذ الحيطة والحذر، واستمع لنا، وقد أكدنا له أن هؤلاء الشهداء الذين يرتقون أثناء التجهيز دليل جهدٍ وتفانٍ، فنحن نعمل، ومن يعمل يخطئ، ولو أننا قعدنا في بيوتنا، نرتب على كتف أطفالنا ونهمس بالحب في آذان نسائنا، لكانت السلامة من نصيبنا، ولما كانت لنا الهمة التي غدونا بفضلها جاهزين للمواجهة، لقد طمأن حديثنا الصادق والصريح أبو العيد هنية، وجعله يصدح بتصريحاته المستندة على الحقائق، والتي تناولتها وسائل إعلام العدو بحذر وفزع.
سألت: هل نحمل نحن الفلسطينيين كتائب القسام أكثر مما تحتمل؟ هل نطلب منها المستحيل في ظل العجز العربي، والتنسيق الأمني، والحصار الإسرائيلي، والدعم العسكري الذي يتدفق على عدونا من ألمانيا وأمريكا ودول الغرب كافة؟ هل صارت المقاومة نداً؟
وجاء الرد سريعاً: نعم، بلا أدنى شك، فكتائب القسام هي التي اختارت طريق المواجهة، وهي التي طورت من كفاءتها وقدرتها، وهي التي تحملت المسئولية في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وهي التي تدرك ما يمتلكه العدو من معدات وتكنولوجيا، ومع ذلك فإننا نسعى لأن نتفوق في مجالات لا يدركها عدونا، وما دون الندية هي المذلة والخنوع والاستخذاء، ونحن متوكلون على الله، الذي يسر لنا سبل استنهاض شباب فلسطين، واكتشاف مخزون الطاقة الذي لا ينضب لدى الإنسان المعبأ، والمجهز بأحدث أدوت المواجهة، والأيام القادمة ستكشف لكم حجم كتائب القسام المرعب للعدو، والمطمئن للصديق.
سؤال: هل أستشف من حديثك أن كتائب القسام باتت قادرة على الدفاع عن قطاع غزة، وملاقاة الجيش الإسرائيلي، وصد أي هجوم إسرائيلي مفاجئ؟
جواب: في الفترة الأخيرة ما عاد يشغلنا ملاقاة عدونا على أرض غزة، فقد تجاوزنا هذه المرحلة، ولاسيما أننا لاقينا عدونا على أرض غزة أكثر من مرة، وأعجزناه، ودحرناه، اليوم نحن نعد أنفسنا لنفاجئ العدو، والانقضاض عليه، فالزمن الذي كانت تقتحم فيه الدبابات الإسرائيلية أرض غزة صار من وراء ظهورنا، نحن نتجهز لاقتحام المواقع الإسرائيلية، واسترداد بعض أرضنا التي يحتلها العدو منذ سنة 1948، وهذا ما لا يتوقعه العدو الإسرائيلي في أسوأ التقديرات.
س: لماذا لا تلق كتائب القسام السلاح، وتنحو باتجاه التفاوض السلمي مع العدو الإسرائيلي، ألا يكفي ثلاثة حروب في زمن قصير نسبياً؟.
ج: العدو الإسرائيلي مستعد لأن يمنحنا تصاريح لدخول إسرائيل هذا المساء، وأن يمنحنا بطاقات vip ، ومستعد لأن يفك الحصار عن غزة في هذه اللحظة، والعدو الإسرائيلي على استعداد لأن يفتح بوابات المساعدات المالية والاتصالات الدولية، وأن يمنحنا الرعاية والحماية والسلامة والقبلات الحارة مقابل الاعتراف بشروط الرباعية فقط، والتي تتمثل بالاعتراف بإسرائيل، ونبذ المقاومة، والاعتراف بما وقعت عليه منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن حساباتنا الوطنية والدينية أبعد بكثير من حسابات إسرائيل، وأطول مدى من مكاسب دنيوية زائلة، غايتنا وطن محرر وعقيدة غير مدنسة، لذلك ترانا نواصل الليل بالنهار، ونعد أنفسنا لمعركة قد تستمر عدة أشهر أو عدة سنوات، ولكننا واثقون أن النصر حليفنا، وأن عدونا زائل.
د. فايز أبو شمالة