في الذكرى العاشرة للانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية:

بقلم: د. مصطفى اللداوي

لقد قيل إن الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، كانت عرس ديموقراطي. ولكننا نقول إن ذلك كان في الظاهر ولكن في الباطن كانت الثقافة الحزبية المتعصبة هي سيدة الموقف. فالديموقراطية ليست صناديق اقتراع بل هي ثقافة تقوم على تقبل الرأي والرأي الأخر. فهل فعلاً كانت فتح تؤمن بالديموقراطية عندما هُزمت في الانتخابات، هل تقبلت ذلك واعتبرت أن ذلك يجب أن يشكل نقطة تحول نحو مراجعة نقدية لأدائها، وبالتالي نظرت للموضوع بنظرة إيجابية تقوم على أساس أن " رُب ضارة نافعة"، وبالتالي نظرت للانتخابات على أنها مؤشر لتراجع شعبيتها بسبب تعثر مشروعها السياسي السلمي، وعدم وصوله إلى نهايته المتوقعة بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وهل راجعت حركة فتح سبب فشلها وأن ذلك يعود إلى سوء إدارة في حكم السلطة الفلسطينية، وانتشار الرشوة والمحسوبة في كل مناحي الحياة. وشكل كبار القادة موطن الفساد بحاشيتهم ومن حولهم من المنافقين والمتسلقين. وأصبحت الوظائف لأبناء علية القوم ومن دار في دائرتهم. وأصبح رؤساء الأجهزة الأمنية هم رأس الفساد بالسيطرة على تجارة الأراضي والسيارات، وشكل كل جهاز دولة داخل دولة. هل أدركت حركة فتح آنذاك أن الانتخابات هي في الحقيقة محكمة الشعب. فالمنتخب عندما يضع صوته في صندوق الاقتراع فإنه بذلك يحكم به على من سينتخبه أو لا ينتخبه. هو القاضي في هذه اللحظة. وهل أدركت فتح في تلك الفترة كم من القادة التي وضعتهم في قائمتها أو في دوائرها قد تم استهلاكهم، ولفظهم الشعب لأنهم كانوا يبحثون عن المنصب من أجل مصالحهم الشخصية وليس المصلحة العامة. فحملوا ألقاب نواب ووزراء والشعب يعاني من تعثر مشروعه الوطني وفاسد واقعه. فتح لم تعترف بالهزيمة لأنها لا تعترف بثقافة الديموقراطية الحقيقية، وأنها تعني أن السلطة للشعب وليس لقائد أينما كان. وأن الشعب وقضيته فوق الفصيل. ولذلك لم تسلم فتح بالهزيمة لأنها رأت نفسها المشروع الوطني كله، وهي صاحبة المشروع والقضية والوطن دون أن تدرك أن الوطن ليس ملكاً لأحد
أما بالنسبة لحركة حماس فقد رأت هي أن انتصارها يعني قيادة الشعب نحو مشروعها الإسلامي، وأن فوزها يعني أنها سوف تقود القطار، وعلى الآخرين اللحاق بعرباته. فهل فعلا حركة حماس تمتلك ثقافة الديموقراطية وتقبل الآخر. لدينا شك في ذلك فهي تعتقد أنها حركة ربانية مهدية من الله، وهي المؤمنة وغيرها عاص وفاسق. فهي من تمتلك الحقيقة وهي صاحبة الرأي السديد. ولذلك فإن فوزها يعطي لها الفرصة لقيادة المشروع الوطني كله، وقذف الآخرين جانباً وإلى الهاوية. فهي أيضا لم تؤمن بالتعددية والشركة. وعندما عرضت الشراكة على الآخرين عرضت ذلك بعقلية الفائز والقائد وأن الأخر التابع والمريد. ومن هنا جاء الخلاف والصدام لأن الديموقراطية ليست صناديق اقتراع بل صندوق الاقتراع هو المظهر الخارجي للديموقراطية، بمعنى هو الثوب وليس الجسد. فالديموقراطية بناء فكري متكامل يقوم على حرية الرأي، وتقبل الآخر، والتعددية، وعدم احتكار الحقيقة، وعدم توظيف الدين، وعدم تكفير الأخر، وعدم النظر للأخر نظرة استعلائية ذات مدلول نرجسي شمفوني ديني. وهي وقبل شيء يعني تقبل الآخر كما هو وليس كما أريد.
ومن هنا ساد الخلاف سريعاً بين حركتي فتح وحماس رغم ما تم من تطبيل وتزمير إعلامي بأن الانتخابات كانت عرس فلسطيني. فتبين أنها كانت المذبح التي سيذبح تحته خيرة شباب شعبنا. وساد الصدام لأن الطرفين تمسك بالسلطة، وبقي ممسكاً بكرسيه. وكل قد تشدق بالشرعية الديموقراطية. دون أن يدرك الطرفان أننا لا زلنا تحت الاحتلال. وأن سلطة أوسلو ليست سلطة حقيقية بل سلطة حكم ذاتي، وقد لا نخالف الحقيقة إن قلنا إنها سلطة مجلس بلدي ليس أكثر. كلا الطرفان لم يفهم حقيقة الواقع الفلسطيني. وأن المشروع الوطني لم يكتمل ولذلك هو بحاجة لجميع أبنائه. وأن الشرعية الثورية والتوافقية أهي أكبر حتى من الشرعية الانتخابية لأننا لم نصل بعد لمرحلة الدولة كاملة السيادة، ولم ننهي مشروعنا الوطني واستقلال شعبنا. وأن الجميع سلطة ومعارضة يجب أن يكونوا يدا واحدة ضد العدو الصهيوني. وأن لكل طرف دوره في الإدارة والحكم، أو المقاومة والنضال. وأن شعبنا بحاجة لتضافر كل الجهود. فأي سلطة أو بلدية يمكن أن تستحق أن تقسم شعب وهو تحت حراب الاحتلال. اعتقد أن الجميع عليهم مراجعة الذات، والقيام بعملية نقدية حقيقية لما وصل به حالنا بعد عشرة سنوات من انقسام بغيض، جعل شعبنا يكفر بالفصائل والانتخابات والقيادات. علينا أن نعيد بناء ثقافتنا الحزبية والوطنية. وأن ندرك أن الديموقراطية هي فكر وممارسة وليس صندوق اقتراع. وأن الشرعية الانتخابية هي فقط جزء من الشرعية القائمة لأننا لسنا دولة مستقلة، وأن الشرعية الانتخابية تكتمل بالشرعية الثورية والشرعية التوافقية لكي تأخذ مجراها الحقيقي فكر وممارسة. وأننا في هذه الذكرى بحاجة لانتخابات تشريعية جديدة ولكن على أسس ومرجعيات محددة وواضحة بين الأطراف. وعلى أسس وطنية وليست ثقافة حزبية ضيقة فئوية
غزة

 بقلم أ.د. خالد محمد صافي
25/1/2016