كما هو معلوم، قضية حقوق الإنسان ترتبط بكافة الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لسنة 1948م وكذلك بالعهدين الأوليين لسنة 1966م.
حيث لا يمكن بأي شكلٍ من الإشكال فصل هذه الحقوق عن بعضها، لأنها جاءت كرزمة واحدة خدمة للإنسان والإنسانية. لان العالمية صفة متأصلة في حقوق الإنسان.
وما يهمنا كفلسطينيين هو الربط بين مجموع هذه الحقوق ليتسنى لنا بلوغ الغايات والأهداف المرجوة لنا، للنهوض بأفراد مجتمعنا نحو العيش بكرامة وإنسانية.. إلاّ أن المنظور الفلسطيني منذ تسلم السلطة الوطنية الفلسطينية لسلطاتها ومهامها ركزت على الحقوق السياسية والمدنية دون الالتفات الحقيقي للحقوق الأخرى (الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية) مما يعيق تطور المجتمع نحو المساواة الاجتماعية من جهة أولى وتركيز منظمات حقوق الإنسان في بلدنا كذلك على الحقوق السياسية والمدنية دون الالتفاف الجاد للحقوق الأخرى مما أحدث إرباكا في المعرفة على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ان عملية التثقيف التي تقوم بها مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية في تعريف وتفسير وتوضيح الحقوق السياسية والمدنية جزءٌ مهم في حياتنا السياسية اليومية، لكن عليها أن تأخذ الحقوق الأخرى بجدية ليتسنى لها الربط الحقيقي في مجموع الحقوق.
فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان عالج الحقوق المدنية والسياسية في مواده من(3-21) وكذلك عالج في مواده من(22الى28) الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. وهذا ما يبين لنا الربط الحقيقي في مجموع الحقوق .. لكن للأسف الشديد مثقفينا يتناولون الجزء الأول من هذه الحقوق ويتركون الجزء الثاني منها، وكأن العملية تدور فقط حول الحقوق السياسية والمدنية.
في حين ساد في البداية مفهوم عام مجرد لحقوق الإنسان متولد من القيم الليبرالية وهو ما يتضح من نص هذا الإعلان، حيث ساعدت إسهامات الدول الاشتراكية ودول العالم الثالث في توسيع نطاق هذه الرؤية الأولية فالعهدان الصادران عام 1966م يشهدان على اتساع نطاق الرؤية، ويتيحان التأكيد على أن الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لها نفس الأهمية وتستحق نفس القدر من الاهتمام.
ولقد سبق أن أشار إعلان طهران لعام 1968م الى استحالة إعمال الحقوق المدنية والسياسية بالكامل دون إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأعرب عن بالغ قلقه إزاء درجة تنفيذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العديد من بلدان العالم.
ولا بدّ من التأكيد هنا بأن احترام الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية احتراماً كاملاً أمر مرتبط لا محالة بعملية التنمية التي ترمي أساساً الى إعمال كافة طاقات الإنسان بشكل متجانس مع مجتمعه.
من هنا علينا كفلسطينيين تناول جميع هذه الحقوق كرزمة واحدة في عملية التوعية و التنمية وعدم تجزئة هذه الحقوق أولاً ونشر الوعي القانوني للمواطنين حول هذه الحقوق وتثقيفهم بشكل مقنع ثانياً وترسيخ مبدأ الحوار الديمقراطي ليتسنى للمواطنين المشاركة الفعالة في الدفاع عن حقوقهم و مطالبهم العادلة ثالثاً ومع الحكمة التي تقول:
يقولون لي، إذا رأيت عبداً نائماً فلا تنبهه، عسى أن يحلم في حريته أما أنا فأقول لهم، إذا رأيت عبداً نائماً نبهته وحدثته عن حريته.
بقلم/ د. حنا عيسى