يتواصل الحديث داخل الأروقة السياسية الفلسطينية عن قرب انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بدورة عادية خلال الشهرين القادمين وعلى قدم وساق تجري الترتيبات لتحقيق هذا الغرض ، المتابعون لبواطن الأمور يدركون أن هذا المجلس لن يكون عاديا حتى وإن تم عقده كدورة عادية ، التحضيرات الجارية تدلل أن أهم قرارات مصيرية ستخرج عن هذا الاجتماع وانطلاقا من ذلك فإن المساهمة بفعالية وجدية في هذه التحضيرات سيكون له ابلغ الأثر في طبيعة هذه القرارات ، وكنت قد أشرت في مقال سابق أن أهم هذه القرارات يتعلق بترتيب الوضع الداخلي للمنظمة وفقا للنظام وفي مقدمة ذلك انتخاب اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي وهيئة مكتب رئاسة المجلس ووضع تصور متكامل لتطوير مؤسساتها وتفعيل دورها بما يمكنها من تعزيز مكانتها كممثل شرعي وحيد لشعبنا الفلسطيني واستعادة دورها كقائد للنضال الوطني التحرري لشعبنا وهي المهمة التي أنشأت المنظمة لتحقيقها ولم تستكمل بعد ، إن هذه المهمة ستكون بدون شك أولى مهمات المجلس الوطني وستشهد هذه العملية صراعا حادا بين محاور وأقطاب عدة كونها سترسم تولي قيادة جديدة تقود الشعب الفلسطيني لعقد قادم من الزمن قد يكون من اخطر واهم العقود التي مضت ، أما المهمة الثانية فتتمثل في اعتماد إستراتيجية سياسية جديدة لتحقيق أهدافنا الوطنية ، إستراتيجية لا بد وان تنطلق من تقييم موضوعي لمسيرة امتدت منذ انطلاق مسيرة التسوية وما آلت إليه من نتائج حتى يومنا هذا ، وأظن أن أي تقييم سيخلص إلى نتيجة واحدة أن الطريق الذي تم سلوكه لم يقودنا إلى تحقيق الهدف المنشود الذي اتفق عليه بشكل جماعي ويتمثل بالخلاص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين طبقا للقرار 194، إن استخلاص كهذا يجب أن يقودنا لطريق أخر ترسم معالمه منذ ثلاث شهور الهبة الشعبية المتواصلة في مواجهة الاحتلال والمستوطنين وكشف أن لدى شعبنا الفلسطيني مخزونا كفاحيا لم ينضب ويمكن له أن يحدث توازنا في ميزان القوى فيما لو أحسن التعامل معه بالوجهة الصحيحة من خلال تعزيز المقاومة الشعبية وتطويرها بتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية فيها بما يضمن تطويرها نحو انتفاضة الحرية والاستقلال ، كما وترسم معالم هذا الطريق "طريق الإستراتيجية الجديدة " تلك النجاحات الهامة على الصعيد السياسي والدبلوماسي التي تؤكد على تنامي واتساع حملات التضامن الدولي مع قضية شعبنا وحقوقه العادلة الأمر الذي يتجلى بالاعتراف بدولة فلسطين بصفة مراقب في الأمم المتحدة أواخر عام 2012 ومن ثم تتابع عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين من مختلف دول العالم وفي مقدمتها دول أمريكا اللاتينية وكذلك العديد من دول الاتحاد الأوروبي، هذا التضامن الذي يتسع بشكل متزايد ويترجم عمليا باتخاذ العديد من القرارات التي تدين الاحتلال وممارساته العدوانية كما وتحظر التعامل مع منتجات المستوطنين في العديد من دول الاتحاد الأوروبي . إن إستراتيجية كهذه يمكن أن تنجح فيما لو تمكن المجلس الوطني الفلسطيني سواء خلال عملية التحضير لانعقاده أو خلال جلسته المتوقعة قريبا من وضع حد للانقسام السياسي الذي يعصف بالساحة الفلسطينية ويجعل من ظهر شعبنا كل شعبنا مكشوفا أمام مؤامرات تهب من كل حدب وصوب وكلها ترتكز دون شك لمفاعيل الانقسام السياسي وما يخلفه من آثار سلبية على مختلف الصعد، في الآونة الأخيرة تتناقل وسائل إعلام مختلفة عن تفاهمات بين حركتي فتح وحماس تجري في قطر لإنهاء الانقسام، أتمنى من كل قلبي أن تنجح هذه الجهود ولكني اشك بإمكانية الوصول لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشكل مدخلا لإنهاء الانقسام خاصة وأن التصريحات والمواقف التي تترافق مع هذه الجهود تدلل أن البون ما زال واسعا بينهما ، ولأنني أشك بإمكانية تحقيق ذلك أرى أن بإمكان المجلس الوطني الذي وصفته كما قلت في مقال سابق مظلة الشرعية بل ومظلة كل الشرعيات أن يلعب الدور الرئيسي في إنهاء الانقسام من خلال إصدار المجلس الوطني قرارا واضحا بتشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين يتكون من أعضاء المجلس المركزي الذي سينتخب من المجلس الوطني في حينه ومن أعضاء المجلس التشريعي الحاليين وأن يتولى هذا المجلس دور برلمان الدولة يشكل حكومتها خلال مرحلة انتقالية لا تزيد عن عام يتم خلاله معالجة وحل كافة التعقيدات القائمة وتصويب مجمل تركيبة النظام السياسي الفلسطيني وإعادة تحديثه بما طرأ عليه من تطورات، إن العمل بهذا المقترح الذي يرفعه حزب الشعب ويعمل من أجل تحقيقيه سيمكن شعبنا الخروج من عنق الزجاجة إلى مجال أرحب يدرك العالم فيه أننا وقبل أن نطالبه بالتعامل معنا كدولة نتعامل مع أنفسنا كدولة أيضا، وأن مفهومنا للسلطة القائمة وتمسكنا به لا قيمة له إذا لم تفضي هذه السلطة للدولة المنشودة وهذا هو الطريق.
بقلم/ وليد العوض