إن اعتقال الصحفيين وسياسة تكميم الأفواه هو أمر أجمع العالم علي رفضه وإدانته ،ولعل الصحفيين في دول العالم المتقدم يحظون باهتمام قد يصل إلي حد تقديس مهنة الصحافة التي تشكل أحد أوجه الرقابة علي سلوك ومكونات الدولة كالسلطة التنفيذية والتشريعية والمجتمع بمؤسساته الرسمية والأهلية ، حتى أن احترام حرية الرأي وحقوق الصحفيين أصبحت أحد المعايير التي تقاس بها حداثة وديمقراطية الدول ، في المقابل فإن انتهاك حرية العمل الصحافي والتضييق علي وسائل الإعلام هو من سمات الدول المتغطرسة والمستبدة والتي تخشى علي نفسها من سوط الكلمة وسطوة الحقيقة .
وفي حالتنا هنا في فلسطين مع وجود هذا الكيان الغاصب ، فإن هذه القيم والمعايير عرضة للتغيير والتبديل وتقع دائما ضحية الاعتبارات والمبررات التي يسوقها الاحتلال والتي تعطيه الحق في وأد هذه القيم واستبدالها بمفاهيم مغايرة وقوانين مخالفة إذا ما تعلق الأمر بمقتضيات أمنه المزعوم وكينونته المصطنعة .
وإن أخطر ما يقلق الاحتلال في هذه المرحلة هو كشف زيف ادعاءاته باحتكار قيم الديمقراطية واحترامه لحقوق الإنسان في منطقتنا بالرغم من إدراكه بأن هذه الادعاءات أصبحت مجرد أوهام زائفة وأنقاض بالية يعيش وحيدا علي أطلالها ، ويسعى بغطرسته وكبريائه إلي تجاهل هذه الحقيقة ويحاول القفز عن تداعياتها ، حيث باءت محاولات دولة الإحتلال لتجميل صورتها وتبرئة نفسها بالفشل الذريع مع استمرارها في ارتكاب الجرائم واستباحة دماء الفلسطينيين والانقضاض علي حقهم في الحرية وتقرير المصير .
أكاذيب الاحتلال التي يبثها عبر منظومته الإعلامية لم تعد تلقى آذانا صاغية لدي شعوب العالم الذين بدأت تتكشف أمامهم حقائق دامغة تدلل علي إجرام الاحتلال وعنصريته وذلك بفعل العديد من العوامل أبرزها الجهود الجبارة التي يبذلها الصحفي الفلسطيني المخلص والذي أحسن استخدام أدوات الإعلام الجديد التي استطاعت أن تخترق حصون الإعلام الرسمي للدول المنحازة للاحتلال ، هذا الإعلام المُضلِّل الذي حرص علي حجب غطرسة الاحتلال وإرهابه عن الشعوب خشية تبلور رأي عام لديها قد يجبر الحكومات علي اتخاذ مواقف قد تؤثر علي مصالحها المرتبطة بعلاقاتها مع دولة الاحتلال ربيبة قوى الاستكبار في العالم وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية .
وتوافقا مع طبيعته العدوانية فإنه من البديهي أن يلجأ الاحتلال لأساليبه القمعية في التصدي لصوت الحقيقة والذي يتجلي دائما في صورة الصحفي الفلسطيني الوطني الحر الذي يحمل هموم شعبه بين أضلاعه ويسعى جاهدا لنقل رسالة المكلومين والمعذبين من أبناء شعبه لأبعد الحدود بغية فضح ممارسات الاحتلال وجرائمه ضد شعب لا ذنب له سوى انه يرنو للعيش بحرية وكرامة كباقي شعوب الأرض ، لذلك يلجأ الاحتلال إلي تقييد حرية الرأي والكلمة عبر سياسة الاعتقال التعسفي للصحفيين ، حيث يقبع خلف قضبان الاحتلال ما يقرب من 19 صحفيا فلسطينيا ، غالبيتهم معتقلون استنادا لقانون الاعتقال الاداري التعسفي دون تهمة او مخالفة سوي أنهم ينقلون حقيقة ما يحدث من جرائم وانتهاكات جسيمة ضد شعبهم الذي يمارس حقه في رفض ومقاومة هذا الاحتلال وقطعان مستوطنيه الذين عاثوا ويعيثون في أرض فلسطين فسادا وإفسادا .
إن اعتقال الصحفيين الأفذاذ الذين برعوا في مقارعتهم وتصديهم لهمجية الاحتلال يأتي في سياق الاشتباك الإعلامي المتواصل بين صوت الحق ورواية الباطل ، بين من يتسلح بالحقيقة ومن يسعى إلي اغتيالها ، لذلك فإن استهداف وملاحقة الصحفيين الفلسطينيين ومصادرة صوتهم سيبقى ديدن الاحتلال إلي أن يزول ، وسيكون حتما علي الجسم الصحفي والإعلام الفلسطيني أن يستعد لمعركة مفتوحة مع الاحتلال قد ترتفع في خضمها وتيرة التصعيد وتتفاقم ضراوة العدوان ضد الأقلام الوطنية الصادقة ، وعليه فإن نصرة وحماية الصحفي الفلسطيني هي مسؤولية تقع علي عاتق الكل الوطني الفلسطيني وهي أحد أوجه صراع العقول مع الاحتلال وأي تقصير في هذا الإطار يمس بمكانة الصحفي الفلسطيني ودوره المطلوب كرافد أساسي ورافعة مهمة من روافع النضال الوطني الفلسطيني .
إن ما يتعرض له الأسير محمد القيق من قبل الاحتلال والاستهتار المتعمد بمطالبه المشروعة في الحرية والعدالة بالرغم من وصوله لحافة الموت المحقق بعد 64 يوم من الإضراب المتواصل عن الطعام هو نموذج بسيط لما قد يتعرض له كافة الصحفيين الفلسطينيين الشرفاء من قبل الاحتلال إذا لم يكن هناك موقفا موحدا واصطفافا رسميا وشعبيا يستجيب لتطلعات الأسير القيق في الحرية والكرامة ، فقضية هذا الأسير البطل هي قضية لا تقتصر علي بعدها الإنساني فحسب بل تتعدى ذلك إلي كونها قضية وطنية وحقوقية يجب تدويلها وتسليط الضوء علي السلوك الإجرامي الذي تنتهجه دولة الاحتلال بحق الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين .
بقلم أسامة الوحيدي .