في مواجهة كل فعل فلسطيني ضد الاحتلال سواء أخذ طابع المقاومة المسلحة أو الشعبية ، إلا وردت إسرائيل وجيشها على ذلك بالحرب والعدوان والإعدامات الميدانية على الشبهة ، متهِمة الفلسطينيين بالإرهاب وكل من يدافع عنهم وعن حقهم بالدفاع عن أنفسهم بأنهم يمارسون التحريض ، ولم ينج من هذه التهمة حتى أصحاب الخطاب السياسي الرافض والمندِد بالاحتلال حتى وإن التزموا بالحل السلمي . مقابل ذلك تبرر إسرائيل كل ما تقوم به من عنف وإرهاب سواء كان إرهاب المستوطنين أو إرهاب الجيش والدولة بأنه يندرج في إطار الدفاع عن النفس ! . وهكذا تقلب إسرائيل الحقيقة وتُحوّل الإرهابي إلى ضحية والضحية إلى إرهابي !.
أصبح العالم ، دول ورأي عام ، يدرك حقيقة ما يجري في فلسطين ، يدرك أن إسرائيل دولة احتلال وعدوان وأن ممارساتها ضد الشعب الفلسطيني ونكوصها عن عملية السلام هما مصدر العنف والإرهاب في فلسطين وفي العالم ، هذا ما اعترف به الأمين العام للأمم المتحدة قبل أيام واثأر حفيظة وغضب نتنياهو ، وهو نفسه الموقف الذي عبرت عنه السويد سواء من خلال اعترافها بالدولة الفلسطينية أو تصريحات قادتها بأن إسرائيل سبب العنف والإرهاب ، أيضا من خلال مواقف كثير من دول العالم ومؤسسات المجتمع المدني التي تكثف جهودها لإدانة قادة الحرب الإسرائيليين و حملات مقاطعة لشركات وجامعات وبضائع إسرائيلية ، بعد انكشاف الأكاذيب الإسرائيلية .
للأسف لا تجد إسرائيل من يصدقها إلا واشنطن التي تسارع إلى إدانة ما يقوم به الفلسطينيون من تصرفات للدفاع عن أنفسهم وأرضهم . الموقف الدولي المتقدم في مواقفه باتجاه إدانة الإرهاب الإسرائيلي وتفهم الموقف الفلسطيني ، لا ينطلق من حسابات مصلحية أو انحياز أيديولوجي ، بل من موقف ملتزم بالقانون الدولي والشرعية الدولية وحريص على السلام العالمي ، كما أن مواقف الدول تأتي استجابة لمواقف الرأي العام العالمي الذي بات مصدوما بما يشاهده عبر وسائل الإعلام من ممارسات إرهابية إسرائيلية سواء في الضفة أو قطاع غزة .
العالم يؤمن ويعترف بحق الدفاع عن النفس ، ولكن هذا الحق ليس حكرا على إسرائيل فقط ، بل هو حق لكل الدول والشعوب بالدفاع عن نفسها ، وفلسطين باتت دولة مُعترف بها خاضعة للاحتلال ومن حقها الدفاع عن نفسها .
الخطورة و المغالطة الكبرى وراء زعم إسرائيل أنها تمارس حق الدفاع عن النفس أن هذا الحق يُمنح للدول لتدافع عن نفسها في حدودها المعترف بها دوليا ، أما إسرائيل فإنها لم تحدد لنفسها حدودا دولية ، وعندما تقول بأن ما تقوم به من أعمال في الضفة وقطاع غزة يندرج في سياق الدفاع عن النفس فكأنها تقول للعالم بأن الضفة والقطاع جزء من أرض دولة إسرائيل وأن الفلسطينيين يعتدون على أرض وشعب إسرائيل في هذه المناطق !. إن ما تقوم به إسرائيل من أعمال عنف يتجاوز حدودها المعترف بها في الأمم المتحدة حسب قرار التقسيم 181 ، إلى أراضي دولة أخرى – فلسطين – حيث العالم يعترف بدولة فلسطين وبأن الضفة وغزة أراضي خاضعة للاحتلال .
وفي هذا السياق فإن مقاومة الاحتلال بكل ما هو ممكن ومتاح بما في ذلك الانتفاضة ، يندرج في سياق حق الدفاع عن النفس الذي تؤكد عليه الشرعية الدولية سواء في ميثاق الأمم المتحدة أو عشرات القرارات والتوصيات الصادرة عن مؤسساتها . الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال ، ليس أمامه من وسيلة للدفاع عن أرضه إلا بمقاومة الاحتلال ، وخصوصا أنه سلم زمام أمره لعملية تسوية سياسية لمدة خمسة وعشرين عاما وإسرائيل هي التي أفشلت كل جهود السلام .
لقد أصبح لحق الشعب الفلسطيني بالدفاع عن نفسه مبررا ودافعا قويا بعد أن صوتت 177 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثامن عشر من ديسمبر 2015 على مشروع قرار يؤكد على منح الشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير . وقبل ذلك وفي نوفمبر 2012 صوتت 138 دولة على الاعتراف بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة ومن حق دولة فلسطين الخاضعة للاحتلال أن تدافع عن شعبها وأرضها .
ولكن ، شرعية الحق بالدفاع عن النفس ومقاومة الاحتلال يرتب على الفلسطينيين مسؤولية ، فحتى يكون لممارسة هذا الحق جدوى فيجب أن يكون في إطار إستراتيجية وحدة وطنية وفي إطار الشرعية الدولية وفي إطار إستراتيجية سلام فلسطينية ، فالدفاع عن النفس من خلال مقاومة الاحتلال لا يتعارض من نشدان السلام والتأكيد على الحل السلمي العادل الذي يلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .
بقلم/ د. إبراهيم أبراش