الولاية للمنظمة..."تِدَبير إم أشف"

بقلم: فراس ياغي

تتراكم القضايا التي على الشعب الفلسطيني أن يَبُتّ بها...فمنذ إتفاق "أوسلو" وما رافقه من أخطاء قاتله وحتى هذه اللحظه لم يتم إستدعاء الشعب الفلسطيني إلا لإجراء الإنتخابات الرئاسيه والتشريعيه في العام 1996 ونفس الشيء في العام 2006، وكانت هذه الإنتخابات محكومه بسقف الإتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينيه في واشنطن مع الجانب الإسرائيلي في العام 1993 والتي سميت إتفاقيات "أوسلو"، في حين نفس هذه الإتفاقيات كانت بحاجه لإجراء إستفتاء عليها ولو على الأقل في المناطق المُحتله، لكن في حينه كانت منظمة التحرير الفلسطينيه تُمَثل الشعب الفلسطيني ولا شائبه تشوب ذلك، حيث القائد الخالد الشهيد "ابو عمار" كان يُشكّل ضمانه وطنيه ورمزيه كبيره بالنسبه للشعب الفلسطيني.

اليوم وفي ظلّ الإنقسام والصراعات الداخليه وعدم جدوى إستمرار المفاوضات وفشل إتفاقيات "أوسلو" بسبب رفض الجانب الإسرائيلي تنفيذ الإلتزامات المُتَرَتبه عليه، وترنح الشرعيه الفلسطينيه حيث لا مؤسسات شرعيه مُقنعه للشعب الفلسطيني قادره على سَدْ الفراغ الكبير الذي أحدثه عقدين من الزمن غُيّبَت فيه الشرعيه التي قدّم الآلاف لها أرواحهم قرباناً في سبيل تثبيتها، منظمة التحرير الفلسطينيه الممثل الشرعي والوحيد صاحبة الشرعيه بحاجه ماسه للتجديد ولأخذ دورها الطبيعي في قيادة الشعب الفلسطيني وفي كافة أماكن تواجده.

هناك مقولة أو "لازمة" ترددها النخب القياديه الفلسطينيه وعنوانها " لا تنازل عن الثوابت الوطنيه"...والثوابت هذه تحددت في ‘تفاق "أوسلو" على أساس حدود الرابع من حزيران 1967 ووفق قراري مجلس الأمن "242" و "338" والقدس "الشريف" الشرقيه عاصمة للدولة الفلسطينيه الموعوده مع حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينين متفق عليه ووفق المبادره العربيه الصادره عن القمة العربية عام 2002، وخلال المسيرة التفاوضيه أي منذ عشرين عاماً ونيّف ظهرت مفاهيم جديده أدخلت على مفهوم الثوابت الوطنيه، "مفهوم تبادل الأراضي" (SWAP) ومفهوم "الكتل الإستيطانية" التي فرضتها إسرائيل على أجندة المفاوضات، وما بَعْدَ بَعْدَ ذلك جاء مفهوم "المساحة الجغرافيه"، لكن الواقع الفعلي على الأرض أجهض كل شيء وأصبح الإستيطان القائم يُنهي مفهوم الثوابت الوطنيه حتى في ظل تبادل الأراضي والكتل الإستيطانية.

رغم ذلك، فمشكلة الشعب الفلسطيني العاجله في ظلِّ الوضع الحالي لم تعد مفهوم الثوابت الوطنيه، ولا الوصول لحل دائم وسلام شامل مع وجود أغلبه شعبيه وسياسية في إسرائيل لا تُعير هذا الجانب أدنى إهتمام، بل إنّ ما سُميَ بهتاناً وزوراً "الربيع العربي" جَعَلَ من النّهم الإستيطاني أكثر تسارعاً، بل إن الواقع العربي المجاور والمحيط دفع بالحكومات الإسرائيليه وبأحزابها اليمينيه المتطرفه ووسط اليمين والمركز وحتى اليسار يذهب بعيداً في أفكاره ويرى أن القضية الفلسطينيه ليست هي المركزيه وأن حلولها ليست سوى إقتصاديه بتحسين وضع السكان من جهة، ومن الجهة الأخرى إدارة الأزمة بما يؤدي للحصول على الحد الأدنى من الهدوء الأمني "وهذا أيضا لم يتم ولن يتم بدون حلول سياسيه"...إن مشكلة الشعب الفلسطيني العاجله ونخبها المنقسمه على بعضها البعض ليس في مفهوم الثوابت ولا في الإتفاق على برنامج سياسي مرحلي أو إستراتيجي، بل في وحدتها وفي شرعيتها ليس الدولية والإقليميه بل الشعبيه الفلسطينيه، منظمة التحرير الفلسطينيه لا تزال تُشكّل حبل النجاة للكل الفلسطيني، فهي إن تم دعوة مجلسها الوطني بضيغته الحاليه، يمكن أن يؤسس لبدايات جديده في تجديد الشرعيه الفلسطينيه المتآكله ويفتح الطريق نحو وضع حد للإنقسام.

عام 1988 وعندما كنا في سجن "أنصار3" في النقب "كتسعيوت"، دخل وزير الدفاع الإسرائيلي "إسحق رابين" على خيمة رقم "1" وفي قسم رقم "2" وتحدث مع المعتقلين عارضاً عليهم التفاوض لوقف الإنتفاضه الأولى، جاء رد المعتقلين ومن كافة التيارات الوطنية وباللغة العبرية "تدبير إم أشف" (تكلّم مع منظمة التحرير الفلسطينية)، ولا تزال المنظمة تحمل الصفة التمثيليه والشرعيه الوحيده للشعب الفلسطيني، فلسطينياً وعربيا ودولياً، أما الإنقسام فهو في بيت السلطه الوطنية الفلسطينيه وليس في بيت المنظمة، وحركة "حماس" أصلاً كانت ترفض الدخول لمؤسسات المنظمه، وحين وافقت على الدخول، جاءت تلك الموافقه بشروط أهمها حجم تمثيلها في مؤسسات المنظمه.

النخب السياسيه الحاليه توحي للشعب الفلسطيني بأن لا إمكانيه لتجديد الشرعيه دون إنهاء الإنقسام بين الضفه وغزة، بين فتح وحماس بالأساس، في حين أن ذلك قد ينطبق على السلطه الفلسطينيه وليس على منظمة التحرير الفلسطينيه، ف "حماس" لم تكن موجوده في المنظمة حين قدم الشعب الفلسطيني آلاف التضحيات في سبيل تثبيت وحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينيه للشعب الفلسطيني، ولم تدخلها لتنشق عليها كما فعلت في مناطق السلطه الفلسطينيه، لذلك فإن القياده الفلسطينيه مدعوّه للدعوة لعقد دورة عادية للمجلس الوطني الفلسطيني بأعضاءه الحاليين بحيث يكون برنامج عمله الأساسي تجديد شرعية مؤسسات المنظمه وتحديد آليات نقل السلطه خوفا من أي فراغ قد يحصل، وبحيث يصبح رئيس اللجنة التنفيذيه للمنظمه قائما بأعمال رئيس السلطه الفلسطينيه في حال الفراغ لا سمح الله، وذلك لحين إجراء الإنتخابات الرئاسيه والتشريعيه، وهذا يستند بالأساس لواقع الأمر، فالمجلس المركزي الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينيه هو من أنشأ السلطه الفلسطينيه وفقا لإتفاق "أوسلو"، إذاً الولاية العامة على السلطة هي للمنظمة، وبسبب من الإنقسام، من حق من أنشأ السلطه أن يتدخل لمليء الفراغ لحين الوصول لإتفاق ينهي الإنقسام.

لا يجب أن يكون الإنقسام سيفاً مسلطاً على رقاب الشعب الفلسطيني والشرعيه الفلسطينيه ومنظمة التحرير الفلسطينيه الممثل الشرعي والوحيد، ولا يجب أن تنتظر الشرعيه وتجديدها نتائج الحوارات القائمه، فالشعب الفلسطيني يريد لمؤسساته الشرعيه في منظمة التحرير أن تأخذ دورها وأن تملأ أي فراغ في حال حدوثه، وهذا يتطلب تجديد الشرعيه لمؤسسات المنظمه وفقا لما هو قائم وليس وفقا لما ستكون عليه مُخرجات الحوار بن "فتح" و "حماس".

إن المجلس الوطني الفلسطيني هو المجلس الشرعي المؤهل لمعالجة كافة القضايا الأساسية الفلسطينيه، وتحت قبته وبالإستناد لتراثه الديمقراطي والكفاحي الغني منذ تأسيسه، هو الضامن للشرعيه الوطنية الفلسطينيه وديمومتها وبما يعزز آلياتها ومضامينها، لذلك نُعيد ما قاله المعتقلين الإداريين عام 1988 لوزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك "إسحق رابين" (تدبير إم أشف).

بقلم/ فراس ياغي