تستوجب أية حالة تجديد منشودة حزبيا، تفعيل مبادئ النقد الجريء والشفافية وتجاوز حدود الانغلاق والتكلس، وذلك في إطار المسئولية التاريخية والحرص على مصلحة الحزب العليا بعيدا عن أي حسابات فردية، ولا شك بان هذه العملية سيدعمها الكثيرين ممن يسعون للتجديد والتغيير قدما إلى الأمام، بينما سيقاومها البعض ممن تعودوا على الاستكانة والروتين، وهذا أمر طبيعي في إطار حالة الصراع ما بين القديم والجديد .
وانطلاقا من ذلك، وعلى شرف الذكرى الرابعة والثلاثين لإعادة تأسيس حزبنا " حزب الشعب الفلسطيني" ، وتزامنا مع التحضيرات الجارية لانعقاد مؤتمره العام الخامس - الذي نأمل أن ينعقد في موعده - وانطلاقا من الإرادة العامة في الحزب الساعية للتجديد، يطرح السؤال الكبير ذاته منتظرا اجتهادات جميع الرفاق المخلصين والحريصين على الحزب، وعلى مستقبله ودوره المؤثر على الساحة الفلسطينية في العديد من المجالات السياسية والاجتماعية والتنظيمية والفكرية .. أين أخفقنا، وأين أصبنا، وما هي وجهة التجديد التي ننشدها استنادا لتجاربنا السابقة ولمتطلبات الحالة الفلسطينية وارتباطاها بالمستويين العربي والدولي؟؟؟ .
وأقول جازما إن أفضل إحياء لذكرى إعادة تأسيس الحزب يتمثل في مصارحة الذات الفردية والجمعية، وممارسة النقد الصريح والبناء بعيدا عن المواقف المسبقة او ردود الأفعال الشخصية، ففي ذلك قوة للحزب وليس العكس، وهو تكريس لمبادئ الديمقراطية والتجديد، ونموذج يجب أن يصبح تقليدا، ليس عندنا فحسب، وإنما في النظام السياسي الفلسطيني بكل مكوناته .
وخير ما يجب أن نبدأ به هو انتقاد ذواتنا وبخاصة لكل من تبوأ منصبا قياديا في الحزب، بغض النظر عن القضايا التي نجح او أخفق فيها خلال مسيرته الحزبية، ففي التفاصيل الكثير مما يمكن الحديث عنه، ولكن في المحصلة النهائية هناك مسئولية فردية وأخرى جماعية لنا جميعا تجاه ما هو عليه حزبنا الآن من أوضاع لم تسعفه على التطور والوصول لدور مؤثر وفاعل كما هو مأمول منه، ومراوحة مستوى جماهيريته في مكانها، دون إحداث اختراق جدي لدى العديد من القطاعات الاجتماعية في مجتمعنا الفلسطيني، برغم ما تمتع به الحزب من مواقف سياسية ناضجة وطليعية، وكذلك من مواقف جريئة في مجال النضال الاجتماعي، وما استطاع القيام به من فعاليات على مختلف المستويات، لكن ذلك كله لم يكن بمستوى أهداف ودور هذا الحزب الذي صنف نفسه حزبا يساريا تقدميا منحازا لقضايا الفقراء والكادحين، ونصيرا للمرأة وحقوقها، ومناضلا من اجل تكريس القيم النبيلة والثورية التي تصوغ المجتمع وتوجهه نحو التحرر والديمقراطية والتقدم ..
ان المصارحة مع الذات والإقرار بالخطأ او بالقصور، تعبير ضمني عن امتلاك إرادة التغيير، وان كنت أدرك بان حجم تحمل المسئولية يتفاوت ما بين مستوى حزبي وأخر، فعلى الهيئات المركزية تقع المسئولية الرئيسية بحكم مسئولياتها ودورها، ولأنها من ترسم سياسة وتوجه الحزب وتشرف على تنفيذها، وكذلك على تصويبها إذا ما ثبت قصورها أو فشلها، وهنا أسجل تقديري الكبير للرفاق في قواعد الحزب كافة، أولئك الذين واصلوا تمسكهم بالحزب وبالانتماء له برغم الظروف القاهرة التي يواجهونها موضوعيا وذاتيا، لكل هؤلاء انحنى إجلالا لبساطتهم، ولوعيهم المتواضع، ولمستواهم الاجتماعي الملتصق بانتمائهم الطبقي، لوفائهم وإخلاصهم الكبير، ولصبرهم على مصاعبنا الداخلية، الأمر الذي يعكس إيمانهم بمستقبل قريب تُعدل فيه قيادة الحزب من أدائها، ليرتقى كل من هو في مركز قيادة الحزب إلى مستويات أفضل في إدارة مهامه المكلف بها، بحيث تبرر هذه القيادة ذاتها ودورها، وبأنها جديرة بقيادة هذا الحزب التاريخي الذي نعول عليه الكثير .
اتفق مع الاتجاه العام الذي يتعزز داخل الحزب نحو الحاجة لتعميق الطابع الفكري للحزب بما يكرس طابعه الأيدلوجي الواضح، وبما لا يترك مجالا للاجتهادات والممارسات المزاجية التي ألحقت ضررا كبيرا في الحزب خلال مسيرته الأخيرة، وان كنا بحاجة حقيقية لذلك، فإننا بحاجة اشد إلى أمرين، أولهما، أن ننجح في توطين الفكر الماركسي والاشتراكي بما يتلاءم ويحاكي خصائص الواقع الفلسطيني، وبعيدا عن التعامل مع طابعه الجدلي المتجدد بأدوات تقليدية سلفية، وثانيهما، أن ننجح في الإقلاع عن الكثير من الممارسات السابقة التي لا تتفق ووجهة الحزب المنشودة، سواء كان ذلك على مستوى إدارة الحزب العامة، أو على مستوى السلوك الفردي لجميع أعضائه وفي مقدمتهم المستوى القيادي، وكذلك في طبيعة التفاعل النظري والعملي مع القضايا الاجتماعية التي تأخذنا إلى مربع التصادم والصراع مع قوى الظلام والتخلف الاجتماعي . وفي مقدمة ذلك كله أن نذهب إلى رفع منسوب الحالة القيمية داخل الحزب، أن نتحلى بذلك أولا، ومن ثم نعلم الآخرين ونكرس لديهم قيم التضحية ونكران الذات والتواضع، وتحطيم نزق المزاجية والفردية، وتكريس نهج الانضباط والالتزام بقوانين الحزب ولوائحه لا القفز عنها، والابتعاد عن سياسة المحاور والاصطفاف الداخلي، وتعزيز هيبة الهيئات المركزية للحزب من خلال تعزيز هيبة كل واحد فيها لذاته، كما يجب الإقلاع عن سياسة التذرع بالعجز في مواجهة العديد من الصعوبات والإشكاليات، والعمل على إيجاد الحلول لها.
نحن بلا شك صرنا بحاجة ماسة لأن نصارح ذاتنا بما نحن عليه كي نتصالح معها، وان نتقدم بجراءة نحو التغيير والتجديد نهجا وسلوكا، جماعة وأفرادا، أن ننزع من عجلة الحزب كل العوالق التي تكبل حركته من اجل الانطلاق إلى الأمام، هذا بلا شك يحتاج إلى إرادة وتصميم، وإذا ما بتنا مقتنعين بذلك علينا الذهاب إليه دون تردد أو وجل، وعندما يتحقق ذلك، نكون قد أوفينا القول بأننا على درب من سبقونا من الرفاق والرفيقات العظام سائرون، وبان حزبنا أصبح بخير .. فكل عام ورفيقاتي ورفاقي كافة بألف خير .
بقلم/ نافذ غنيم