من نتائج الهبة الشعبية الحالية أنها أسقطت النظرية والمقولة الإسرائيلية بان القدس "موحدة" وعاصمة لدولة الإحتلال،حيث يتعالى الجدل والنقاش وتطرح الخطط والمبادرات،بضرورة الإنفصال عن فلسطيني القدس الشرقية،حيث ان اسرائيل واجهزتها الأمنية فقدوا السيطرة على الأوضاع،وجربوا كل أشكال القمع والعقوبات بحق المقدسيين من هدم لبيوت الشهداء والأسرى الى الإعتقالات الإدارية والإبعادات عن القدس والأقصى،والضرائب بأشكالها وتسمياتها المختلفة ،واصدار وإقرار واتخاذ عشرات القوانين والتشريعات العنصرية وترافق ذلك مع "توحش" و"تغول " الإستيطان والإستيلاء على بيوت وعقارات المقدسيين،كل ذلك يندرج في إطار سياسة العقوبات الجماعية والتطهير العرقي،الرامية لكسر إرادة المقدسيين ووأد الهبة الشعبية التي تشكل القدس رأس حربتها،ولكن في كل مرة يكون الفشل من نصيب تلك السياسات القائمة على إقصاء الاخر وعدم الإعتراف بوجوده وحقوقه.
هذا الوضع دفع صناع القرار الإسرائيليين في ظل أفق سياسي مسدود الى البحث عن مخرج يمكن دولة الإحتلال من الإنفصال عن الفلسطينيين دون ترتيبات معهم وبمعزل عن قياداتهم،وهاجس الإنفصال يقوم على أساس الضرب والحد من تأثيرات العامل الديمغرافي الفلسطيني على يهودية الدولة ومنع تحولها الى دولة ثنائية القومية،وفيما يخص القدس،فالمطلوب قلب موازين العامل الديمغرافي بحيث تصبح نسبة سكان القدس العرب بدلاً من 38% حوالي 12%.
وقد حاول نتنياهو بعد عمليتَي الشهداء بهاء عليان والأسير بلال غانم وعلاء ابو جمل،البدء بمشروع الفصل من خلال إقامة جدران فصل عنصري بين قرى جبل المكبر والعيسوية وصورباهر والمستوطنات المحيطة بها،ولكن قوى اليمين المتطرف اعتبرت ذلك تنازلا عن القدس الموحدة،ونصراً :للإرهاب" المقاومة الفلسطينية،فتوقفت عملية استكمال الفصل،ولكن مع تطور وتصاعد الإنتفاضة زاد النقاش وارتفعت وتيرته في الحكومة وعند الأحزاب الإسرائيلية ومراكز الدراسات والأبحاث الإستراتيجية بأنه لا مناص من الإنفصال وإخراج أغلبية سكان القدس العرب ما يسمى بحدود بلديتها.
يوم الجمعة الماضي باشرت حركة "إسرائيلية" جديدة،نشاطها لفصل القرى الفلسطينية المقدسية عن المدينة تحت شعار "إنقاذ القدس اليهودية"، من خلال بناء جدار يفصل هذه القرى عن مدينة القدس، وفقاً لما نشره موقع صحيفة "معاريف" العبرية.
وتهدف الحركة "الإسرائيلية" التي يقف خلفها عضو "الكنيست" والوزير السابق، حاييم رامون، والعديد من أعضاء "الكنيست" والقيادات العسكرية والأمنية السابقين امثال مائير شطريت وعامي ايلون وأرييه عميت وغيرهم، إلى فصل 28 قرية وبلدة فلسطينية عن مدينة القدس، من خلال بناء جدار يمنع تواصل هذه البلدات مع مدينة القدس، ما يعني فصل ما يقارب من 200 ألف فلسطيني عن المدينة، وضمهم إلى الضفة المحتلة، والتعامل معهم طبقاً لما تتعامل "إسرائيل" اليوم مع مناطق "سي و بي".
كما تهدف إلى تغيير الوضع الديمغرافي في مدينة القدس،من خلال التخلص من البلدات الفلسطينية، عبر فصل بلدات "المكبر وصور باهر والعيسوية وسلوان وشعفاط" وغيرها من البلدات عن مدينة القدس ببناء جدار يفصلها، وكذلك التعامل معها من الناحية القانونية مثل باقي مناطق الضفة، وسيتم تطبيق قوانين الحكم العسكري "الإسرائيلي" على هذه البلدات.ويسعى القائمون على هذه الحركة التي باشرت بنشر إعلاناتها عبر الصحف "الإسرائيلية" المحلية، التخلص من الفلسطينيين في القدس وتحقيق أغلبية يهودية فيها، وكذلك تحقيق الأمن في القدس التي يعتبرها القائمون على هذه الحركة "عاصمة إسرائيل" .
وفي هذا الإطار صادق حزب العمل الإسرائيلي في اجتماعه العام على "خطة الانفصال" التي أعلن عنها زعيم الحزب اسحاق هرتسوغ مساء الأحد.
وخاض الحزب نقاشا في الأسابيع الأخيرة حول الخطة التي تسعى لتسليم العديد من المناطق في الضفة الغربية وبعض أحياء القدس الشرقية لأيدي السلطة الوطنية وتسليمها إياها،إضافة الى اتمام بناء جدار الفصل الإسرائيلي حول المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
ورغم أن هذا المقترح من هرتسوغ لا يعني بالضرورة الانسحاب الكامل من الضفة الغربية،الا أن المصادقة على هذه الخطة المشابهة لما يعرضه نتنياهو في مفاوضات السلام هو انتصار لهرتسوغ على منتقديه الذين يقولون إنه لا يملك توجها أو خطا سياسيا واضحا. وبهذا عمليا تشكل الخطة المقترحة الخطوط العريضة للخطة السياسية التي يعرضها حزب العمل.
ويدعو هرتسوغ في خطته لاتخاذ إجراءات بناء الثقة بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني وعقد مؤتمر إقليمي مع دول معتدلة في المنطقة، كما كان قد أعلن في مؤتمر الأمن القومي الذي عقد في اسرائيل الشهر الماضي. ومذ ذاك الحين ناقش هرتسوغ خطته مع كل من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند،مؤكدا أن "الانفصال هو الحل الوحيد للخروج من الركود الدبلوماسي مع الفلسطينيين.
وكان قد تعرض لهجوم من أعضاء في حزبه الذين اتهموه بالتنازل واهمال حل الدولتين، بالأخص من قبل رئيسة الحزب سابقا شيلي يحيموفيتش التي قالت إن هرتسوغ لا يمشي بحسب خط حزب العمل.
وفي خطابه مساء امس هاجم هرتسوغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسياسته قائلا "إذا لنبدأ بالانفصال عن الفلسطينيين،إسرائيل ستتحوّل الى دولة عربية - يهودية وسيكون حل الدولتين قد غرق ولا يمكن انقاذه. الفصل بيننا وحده سيمنع اقتحام ودخول الارهابيين وسيقوّي أمننا".
هذه المبادرات والخطط لا تأتي في سياق عملية سياسية تفاوضية مع الفلسطينيين واعترافاً بحقهم في دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس،وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق القرار الأممي (194)،وهم لا يردون مصالحة تاريخية او إقتسام الأرض مع الفلسطينيين الذين طردوهم وهجروهم من أرضهم،بل ما يريدونه هو امن دولتهم ويهوديتها،وتنفيذ سياسة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين وبالتحديد فلسطينيي القدس،وإدامة امد الإحتلال ضمن مشروع ما يسمى بالسلام الإقتصادي، مقايضة الحقوق الوطنية الفلسطينية بتحسين شروط وظروف حياة شعبنا الإقتصادية بتمويل عربي ودولي تحت الإحتلال.
خطط ومبادرات لا تعترف بحقوق شعبنا الفلسطيني ، ولا تلامس الحد الأدنى منها، لن تخمد الصراع او تطفي جذوته، وسيبقى قائما ما دامت عوامل إستدامته قائمة، الإحتلال بكافة تمظهراته العسكرية والاقتصادية والأمنية.
بقلم/ راسم عبيدات