ضمن الحملة التي يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، ضد الفلسطينيين، وقرار حكومته باعتبار الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر-برئاسة الشيخ "رائد صلاح" خارجة عن القانون، أي أنها محظورة، وملاحقة أعضائها ونشطائها قانونياً-هذه الحملة ضد الحركة جاءت انتقاماً للحملة التي تقوم بها هذه الحركة، وتحذيراتها بأن المسجد الأقصى في خطر، وأنه معرض للهدم أو الانهيار، ودعوة الحركة العالم الإسلامي لإنقاذ الأقصى من الدمار، وحسب "نتنياهو" فإن ادعاءات الحركة الإسلامية غير صحيحة، بل هي كاذبة وتندرج ضمن التحريض على إسرائيل، حتى أن الأجهزة الأمنية التي شارك ممثل عنها في جلسة مجلس الوزراء، الذي اتخذ قرار حظر الحركة الإسلامية، عارض القرار لسببين، الأول: لا وجود لدلائل قاطعة تثبت أن الحركة تقوم بنشاطات أمنية ضد إسرائيل، والثاني: أن جهاز الأمن الإسرائيلي يخشى أن تلجأ الحركة بعد حظرها إلى النشاطات السرية البعيدة عن أنظاره، لكن الأدلة كثيرة عن النوايا التي تقوم بها جمعيات ومنظمات يهودية، بالعمل لإقامة "الهيكل" على أنقاض الأقصى هي كثيرة، لا يتطرق إليها "نتنياهو" وحكومته، بل أنهم يتجاهلونها لأنهم يدعمونها، فالمنظمة اليهودية على سبيل المثال التي تطلق على نفسها اسم "نار إسرائيل"، ولها مكتب في القدس الغربية، دعت إلى العمل على تطوير تطبيق جديد لـ "الهيكل" المزعوم، مع تاريخ عبري موهوم مكان المسجد الأقصى، يمكن الإطلاع على هذا الادعاء على الحواسيب، بل أن منظمة "نار إسرائيل"، تقدم خدمة للزوار، بحيث يقوم الزائر بالنظر عبر الحاسوب الرقمي، نحو ساحة البراق والمسجد الأقصى المبارك، ليرى قبة الصخرة قد اختفت وحل مكانها "الهيكل" المزعوم، وأن من يتجول في أنحاء أخرى من القدس القديمة، من إسرائيليين وأجانب، بمرافقة مرشدين يهود، ليسمع تاريخ عبري مزيف للقدس، وأسماء حاراتها بأسماء وتواريخ مزورة.
ليس هذا فقط، بل أن المبنى التهويدي المسمى "نار التوراة"، الذي بني على أنقاض أبنية إسلامية تاريخية، يؤمه آلاف اليهود والسياح الأجانب، نصب على سقفه مجسم ضخم لـ "الهيكل" المزعوم، مما يؤكد سعي الاحتلال لتزييف التاريخ، وتهيئة الرأي العام من أجل تمرير خرافة "الهيكل المزعوم"، وهو التعبير الحقيقي لأطماع الاحتلال الإسرائيلي في هدم المسجد الأقصى، وبناء "هيكل" على أنقاضه، علماً أن كبار المهندسين والباحثين والمنقبين من اليهود-الذين عملوا خلال سنوات لاكتشاف أنقاض لـ "الهيكل"- أعلنوا من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية عدم العثور على أي دليل، وأي أثر لـ "الهيكل" في القدس، وبعد كل ذلك، يدعي "نتنياهو"، أن الادعاء بهدم الأقصى وإقامة "الهيكل" على أنقاضه، لا أساس له من الصحة، وأنها كذبة لتشويه صورة إسرائيل أمام العالم.
منظمة يهودية أخرى تطلق على نفسها اسم "منظمة الهيكل"، ففي دعواتها لليهود المتزمتين وإلى المستوطنين، وحثهم للمشاركة في مسيرات لاقتحام المسجد الأقصى، تحت شعار هدم المسجد وبناء الهيكل حسب وكالة "معاً الإخبارية 10-12-2015"، وزعت (150) ألف قميص كتب عليها شعارات لهدم المسجد، حيث كتب على هذه القمصان "عائدون إلى الهيكل"، وأخرى "لنبني الهيكل"، وأخرى كتب عليها تساؤل لوجود قبة الصخرة في مكان "الهيكل"، وظهر على القمصان معدات للبناء وهي تهدم قبة الصخرة، ففي موقع "واللا العبري 18-1-2016"، فإن المنظمة اليهودية التي تطلق على نفسها: "عائدون للهيكل"، تدفع مبلغ ألفي شيكل، لكل مستوطن أو غير مستوطن، يجري اعتقاله على خلفية اقتحامه للمسجد الأقصى، وحسب المصدر فإن (85) شخصاً تم اعتقالهم لاقتحامهم الأقصى، وحصلوا على المبلغ المذكور.
المنظمات اليهودية تتسابق على التطرف الديني، ومن هذه المنظمات من أطلقت على نفسها : "أمناء جبل الهيكل"، يرأسها "غرشون سلمون"، هذه المنظمة تحاول في فترة الأعياد اليهودية، التظاهر واقتحام الأقصى، حتى أنها أحضرت صخرة كبيرة، لوضعها كحجر أساسي لبناء "الهيكل"، والإرهابي "يهودا غليك"، الذي نجا من القتل في محاولة لإطلاق النار عليه، يقود الحملة للسماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، وإقامة "الهيكل"، فقد أصبح لهذه الحركات المتطرفة ثقل على مجلس الوزراء الإسرائيلي، وعلى متخذي القرار وعلى معظم نواب الكنيست، لوجود صفقات متبادلة بينهم وبين الحكومة والنواب، فهم يصوتون لهم في الانتخابات، مقابل دعمهم بالنسبة لاقتحامهم الأقصى، وإقامة "الهيكل"، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فإن نائب وزير الجيش "أيلي بن دهان"-حسب جريدة "هآرتس 10-12-2015"- تبرع بمبلغ (50) ألف شيكل، لمنظمة "أمناء الهيكل"، التي تدعو إلى إعادة بناء الهيكل في الحرم القدسي، وحسب "هآرتس" فإن الولايات المتحدة تقوم بتمويل أمناء الهيكل بشكل غير مباشر، بتبرعات معفية من الضريبة الأميركية، وهذه التبرعات تأتي من قبل جمعيتين أميركيتين، فـ "أمناء الهيكل" أو "معهد الهيكل" يعملان منذ سنوات طويلة، من مركز البلدة القديمة في القدس، والمضحك في الأمر أن الحكومة تدعي رسمياً أنها تعارض إجراء أي تغيير في الحرم القدسي، لكنها تساعد في تمويل الحركات الدينية بالملايين، من وزارات مختلفة، خاصة وزارة التعليم، بلغ حجم تمويلها الأخير "2.2" مليون شيكل، فإن حجم ما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، من تصريحات حاخامية، ومنظمات تحمل أسماء مختلفة لبناء "الهيكل" على أنقاض الأقصى، واقتحامات يومية بأعداد كبيرة للأقصى برفعهم شعار هدم الأقصى وبناء "الهيكل" كثيرة، فاليهود بانتظار ظهور المسيح، غير أن "نتنياهو" وحكومته، يتجاهلون هذا التحريض السافر، الذي يثير مشاعر المسلمين، ويدفعهم لمقاومة هذا الاحتلال البغيض، حتى أن سلطات الاحتلال تبعد الأئمة ومسؤولي الأوقاف والحراس عن الأقصى، فـ "نتنياهو" ينظر بعين واحدة بل ويتجاهل ما أسلفناه، بينما ينظر بالعينتين لكل ما يعتبره تحريضاً من قبل الفلسطينيين وسلطتهم وإعلامهم ومدارسهم ومساجدهم وخطب أئمتهم إلى غير ذلك.
وتحت عنوان آن الأوان لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، تناول البروفيسور "هيليل فريش"-الباحث البارز في مركز "بيغن السادات"، وأستاذ العلوم السياسية، ودراسات الشرق الأوسط في جامعة بار ايلان- هذا الموضوع مطالباً بتغيير الوضع القائم، انطلاقاً من وجود عامل أساسي هو بأن إسرائيل تخوض صراعاً طويلاً مع الفلسطينيين، يتطلب منها إدارة الصراع لفترة طويلة من الزمن، زاعماً أن أعداد المسلمين الفلسطينيين للصلاة في الحرم القدسي تضاعفت، وما يرددونه من شعارات، بأن "الأقصى في خطر"، وأن عدد المصلين في الأقصى كان عام 1968 (600) مصلي، ارتفع عام 2015 ليصل إلى (300) ألف مصلي خلال شهر رمضان من هذا العام، يطالب هذا البروفيسور إسرائيل بفرض حقائق على أرض الواقع، من خلال إدارتها للحرم القدسي، مستذكراً ما أعلنه المفتي الحاج "أمين الحسيني" قبل (87) عاماً بقوله "الأقصى في خطر"، وهناك اليوم فلسطينيون يرددون هذا الشعار، مع مزيد من الكراهية لليهود على حد قوله، وإذا صحت وجهة نظره، فإنه يتجاهل الأسباب التي أدت ودفعت بالفلسطينيين إلى ذلك، بعد إغلاق إسرائيل أي أفق سياسي أمامهم لتقرير مصيرهم.
ولكثرة الادعاءات والمغالطات، فقد دحض بشدة مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ "محمد حسين" ما يروج له أن المسجد الأقصى لم يكن قائماً في زمن الإسراء والمعراج، وصف هذه الأقوال بالتحريف، وأن الحقيقة والتاريخ ينفيان ذلك جملة وتفصيلاً هذا الادعاء مهما كان موقع من قاله، لأنه نفي صريح لما جاء في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وما جاء في الآية الكريمـة:" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ. السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"، وقول الرسول :"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"، وهذا يفند أية مزاعم أخرى.
وأخيراً .. فإن الحكومة الإسرائيلية، بقيادة "بنيامين نتنياهو"، أعلنت الحرب الدينية على الفلسطينيين والمسلمين، وبدأت بتنفيذ خطوات على الأرض لمحاربة الإسلام والمسلمين، من تحديد رفع الآذان في المساجد، وما تقوم به الجمعيات اليهودية المتطرفة، للسيطرة الكاملة على مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، والاستمرار في المخططات التهويدية، مستغلة الوضع العربي والإٍسلامي المترهل، لتنفيذ مخططاتها في فلسطين وما الاقتحامات اليهودية ومواصلتها بحماية الشرطة إلا مواصلة للمخططات الإسرائيلية، بالتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في وطنه وحريته.
بقلم/ غازي السعدي