قد نوجز ولا نفصل في مفهوم الحالة النضالية الفلسطينية التي قد تشذ عن المتعارف عليه في الثورات العالمية سواء العنفية واللاعنفية، فمنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية ، ومن ثم هيمنتها على منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت برئاسة الشقيري الذي اعتنق المنظومة الفكرية الراديكالية في عملية طموح لتغيير واقع المخيمات الفلسطينية من واقع اللجوء وحاجياته اليومية الى واقع التمرد والتغيير في هذا الواقع والمنتمي لحركة الضباط الاحرار وثورة يوليو ومحدداتها الجوهرية للصراع العربي الصهيوني وغايته تحرير فلسطين من النهر الى البحر، ومن خلال طليعة فلسطينية تحررية من جيش التحرير وعمقها المنظومة الوطنية التي فرضت واقعها بالدولة الوطنية في اكثر من قطر عربي واهمها مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر واليمن.
انطلقت الثورة الفلسطينية بابجدياتها التي لا تختلف عن عن ابجديات الميثاق الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير وان كان لها ادبياتها وشعائرها ومنطلقاتها التي وضعت ابجديات واليات جديدة من حرب العصابات وحرب الشعب ونواة التطهير المؤقت والدائم ايضا لنواة اي قاعدة ارتكازية قد يبنى علية دولة ومؤسسات في ارض محررة ولا يعني ذلك توقف حرب التحرير الشعبية التي حاضنتها الجماهير الفلسطينية وخاصة في المخيمات والامة العربية.
زحفت طبقة الفقراء والمخيمات الفلسطينية نحو الانتماء للثورة بكافة فصائلها وان كان النصيب الاكبر لحركة التحرير الوطني "" فتح"" كان من المفروض ان تعتمد الثورة في تغذيتها على الجماهير العربية عدة وامكانيات وان كان الواقع بعد هزيمة 67م فرض تعمق في العلاقات بين الانظمة الوطنية وحركة فتح وببعد اخر توثقت العلاقات مع حركات التحرر العالمية وتعمقت مع المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي في مجال التسليح والدورات العسكرية والكادرية، في تناقض ابتدائي ان الاتحاد السوفيتي والاحزاب اليسارية الدولية كانت ومازالت ضد فناء ما يسمى اسرائيل بل تلك الدول هي اهم رافد لدولة اسرائيل من المستوطنيين والمهاجرين.
منذ البداية استولت البرجوازية الوطنية على منظمة التحرير وهي من فئة المهندسين والمعلمين الذين يعملون في الدول العربية وكانت صاحبة الانطلاقة التي زحف اليها فقراء الشعب والمخيمات الفلسطينية وتحت طموحات التغيير على ارض فلسطين باقتلاع دولة الكيان الصهيوني مؤسساتيا وسياسيا وامنيا، لم تكن تفهم الجماهير الزاحفة للكفاح المسلح بان البرجوازية من صفاتها وسلوكها"" النفس القصير"" وما ان تحقق بعض مصالحها ستقف عند اول محطة تمكنها من فرض سيادتها وهيمنتها على الواقع في مرحلة تحول خطرة من المنظومة البرجوازية الى المنظومة الراسمالية التي قد تتحالف مع الامبريالية ضد مصالح الضعفاء والفقراء من الشعب.
بعد سنوات معدودة لا تتعدى اصابع اليد ظهر التناقض بين طموحات البرجوازية النامية وطموحات الشعب الفلسطيني الذي كرس طاقاته من اجل قضية التحرير وطهرت الدكتاتوريات الراسمالية بمنظومة المال السياسي الذي لا يختلف اداءه وتوجهاته عن اي نظام راسمالي او امبريالي وفي مرحلة لم تحقق فيها حركة التحرر اي انجازات على الارض سوى دراماتيكا اعلامية وورقية لا تسمن ولا تغني من جوع، فكان الصراع المحتدم بين معسكرين في داخل اطر الثورة بين البرجوازية وطموحاتها السياسية والاقتصادية والامنية وبين طلائع الفقراء من قادة لا ينتمون لواقع البرجزة الذي كان نصيبهم الاغتيالات من العدو او ممن ياتلفون معه مرحليا او استراتيجيا.
في زيارة لوفد فيتنامي الى الاغوار اذا لم تخني الذاكرة في عام 1969 امتعظ الوفد الفيتنامي من طريقة اداء الاطر الثورية الفلسطينية وقد اسبق في الحكم : قائلا :: هذه الثورة لن تنتصر ...!! ولانها ثورة بنيت على العقيدة الراسمالية.. وفي عام 1985 وفي اليمن الجنوبي وفي قوات عدن التابعة لمنظمة التحرير قد تم تفويضي بلقاء مندوب وكالة تاس الروسية في زيارة استطلاعية للقوات لا تخلو من زيارة امنية بامتياز، ولافوت عليه فرصة المبادرة قلت له: انتم تخذلون اصدقاؤكم ولستم اوفياء لهم كما هم اصدقاء اسرائيل مثل امريكا والغرب اوفياء لاسرائيل : هاج وماج قائلا الانظمة العربية غير مستقرة سياسيا ولا نثق بها، نذكركم باحدث الطائرات الروسية والرادارات الروسية كيف تم تسليم تقنياتها لاسرائيل، اما انتم فانتم ثورة يقودها "" امبريالزم"" والامبريالية سلوك ياصديقي ماذا انت تدخن من السيجار قلت له "" مالبوروا قال :: هذا يكفي"" فانت اعتمدتم في سلوكم اليومي كقادة وافراد على النهج البيروقراطي الراسمالي:: وكذلك ما يوهب لكم من مال سياسي مشروط، انتم لن تحققون اهدافكم في التحرير، بل ستخضعون لاملاءات عدوكم واملاءات من يغذوكم ماليا...."" انتهى اللقاء""
حقيقة لم يجير المال السياسي الذي يقدر 11 مليار من راس مال وطني وموازنة الصندوق القومي للعمل الثوري بقدر ما كان يستنزف في اوجه فساد مختلفة للرعية وماحول الرعية، فنمت طبقة راس المال التي تحولت من وجوه برجوازية صغيرة ومتوسطة الى وجوه راسمالية تعارضت مصالحها مع طبقة الفقراء وماطلباتها التحررية والتحريرية وتبلور ذلك في منهج سياسي يحكمه الاقتصاد والمال السياسي متجها نحو عقد صفقات متدحرجة مع اسرائيل، وبالتوازي مع ذلك اضمحلت القدرات الثورية ثقافيا وعسكريا وتنظيميا، فكانت اللقاءات مع اليسار الاسرائيلي الذي يبقى في جوهره ذو نزعة صهيونية ومن ثم مدريد وقبول القرارات الدولية والحل المرحلي وما هو ادنى منه مثل اتفاقية اوسلو والحرم الابراهيمي وقبول دولة مكنتنة على بقايا الوطن من الضفة وغزة.. وربما نشهد هذه الايام مع انتفاضة السكين تجييرا ملحوظا لصالح
اسرائيل وليس لمن انتفضوا لاتفاقية في القدس تعطي اسرائيل المسؤلية وتعطي اسرائيل التقاسم كما في الحرم الابراهيمي ، فلقد اعجب طبقة راس المال المستنزف من الشعب الفلسطيني ما طرحته اوروبا من الحل الاقتصادي الامني الذي يضمن مواقعها ومناصبها ومنافعها، وبالتاكيد ان نمو ظاهرة راس المال المتحكم في قيادة الشعب الفلسطيني هو من اكبر الهموم التي يواجهها الشعب الفلسطيني وضد مصالحه في التحرير والعودة، والى لقاء اخر في نفس الموضوع.
سميح خلف