الشهداء أيقونة المقاومة

بقلم: عباس الجمعة

نقول بكل وضوح هناك أشخاص يجب أن نمنحهم الكثير من أوقاتنا ونصوب لهم أنظارنا ونهتف لهم بأصواتنا ونترك لهم مكانا في قلوبنا ونروي سيرهم الذاتية لأطفالنا وأن نتذكرهم دائما ونخلد أسمائهم وأن ينحني كل فرد حر لهم احتراما وإجلالا لرمزيتهم وأفعالهم البطولية وما قدموه لهذه الأمة من تضحيات جسام ونضال، نتحدث في ذكرى شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب وسيد شهداء المقاومة عباس الموسوي وقائد الانتصارين عماد مغنية ، نتذكرذاك المشهد الكبير الذي حققته المقاومة في لبنان ، حيث اضاءت لكل المقاومين الطريق نحو تحرير الارض وحرية الانسان ، وكانت حرب تموز تشكل الانتصار المدوي بهزيمة جيش الاحتلال الذي لا يقهر ، واسقاط نظرية رايس حول الشرق الاوسط الجديد.

من موقعنا نقول ان السير على نهج الشهداء الذين تحولوا إلى أسطورة النضال العربي يتطلب نبذ الخلافات والتعالي على التمذهب والتوحد ضد الهجمة الامبريالية الصهيونية والتخلص من الانسداد للماضي وترك عقلية التباغض والضغينة والتشفي والأمل في المستقبل والتمسك بخيار المقاومة والصمود حتى نحفظ انتصارات المقاومة.

الحديث عن الشهادة والشهداء لا يمكن أن يكون مجرد حديث يحمل دلالات مادية ومعنوية تتقاذفها ألسن البشر فقط، بل هو أكبر من ذلك بكثير، وأمام رمز الشهادة وعبقاتها يقف أحرار الأمة وثوارها أمام شهادة رموز المقاومة وعناوين للتضحية والفداء ، قادة أفنوا حياتهم فمنهم من كان فارساً في مقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين المحتلة لا تعرف روحه الهزيمة، ورموز قدموا جهدهم ووقتهم وطاقتهم وحياتهم للمقاومة، فكانوا مدرسة إبداع وإخلاص وتفان وصدق وتضحية وعطاء ونضال وجهاد، حيث كانوا مؤمنين في ثقافة الشهادة التي تزرع في نفوس الأمة الوحدة والوفاق والصدق والأمانة والنزاهة والعلم والعدل لتجني النصر والحرية والكرامة والشرف وعلو الهمّة والرأس المرفوع، فهنيئاً لهم شهادتهم ، ويكفيهم فخرا انهم حملوا قضية فلسطين كما لبنان في قلوبهم.

وامام هذه الذكرى نقف امام شخصية مقاومة انه الحاج عماد مغنية لنتذكرالمكانة الخاصة التي كانت تربطه بالرئيس الخالد الشهيد ياسر عرفات، أبو عمار، حيث حظي باحترامه وثقته رغم التباين الواسع في الاقتناعات والرؤية في ما يتعلّق بأولويات الكفاح المسلح في مواجهة العدو، كان أبو عمار حريصاً على التواصل معه والوقوف على آرائه، وكما كان لامير الشهداء ابو جهاد، خليل الوزير، علاقات راسخة بينه وبين الحاج عماد حتى تاريخ استشهاد أبو جهاد في تونس.

ومن هنا لقد شكل استشهاد القائد الحاج عماد مغنية مؤشراً لزمن الانتصارات، وأن العمل المقاوم اعطى دروساً عظيمة ورسخ قناعتنا بأننا من خلال الايمان بطريق النضال ستتحرر فلسطين كل فلسطين والقدس .

واليوم نحن نقف في ذكرى شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب وسيد شهداء المقاومة عباس الموسوي وقائد الانتصارين عماد مغنية نؤكد ان المقاومة ازهرت انتصارات بارادة المجاهدين ، هذا العنوان الذي يجب ان نستلهم منه العبر نحو التأكيد على ان ارادة المقاومة في فلسطين ستنتصر مهما كانت الصعوبات ، لان هناك شعب اسمه شعب التضحيات وهناك جنود مقاوميين يحملون شعار نموت واقفين ولن نركع بانتفاضتهم العملاقة شباب وشابات فلسطين  يرسمون طريق الحرية مهما كانت المؤامرات التي تحاك بهدف تصفية القضية الفلسطينية وخاصة حق العودة والقدس عاصمة الدولة الفلسطينية .

وعلى هذه الارضية نقول ان الذين يريدون تجريدنا من عناصر قوتنا ، يريدونا ان نتجرد من الكرامة ونرفع رايات الاستسلام و نحني رؤوسنا للأعداء , يريدون أن نتحول إلى مجرد بشر يأكلون و يشربون يقتاتون من فتات الموائد و عطاءات الحكام.

وبهذا تثبت أمّهات الشهداء انتصارهن في إجبار العدو على الخضوع لشروطهن بأن موازين القوى السائدة فلسطينيا وعربيا ودوليا تسمح بانتزاع الانتصارات من خلال الانتفاضة والصمود، بل وتثبت الجماهير التي التفت عن بكرة أبيها وراء جثامين الشهداء أنها مصمّمة في ظل موازين القوى السائدة على أن تنتقل بالانتفاضة إلى تحقيق أهدافها في دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وإطلاق الأسرى وفك الحصار ، بلا قيد أو شرط، ليُصار إلى السير قدما نحو تحرير فلسطين كل فلسطين، فهذا ما كان يتطلع اليه الشهداء عماد مغنية وسمير القنطار.

إن نزول الجماهير في الخليل وسعير وقباطية وبيت أمّر والقدس وبيت لحم، نموذجا، بهذه المواجهة مع المحتل ليعطي دليلا لا يُخطئ أنه بالإمكان ان تتحول الانتفاضة إلى انتفاضة شاملة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة لتسجل انها تخوض معركة الحرية والكرامة والعزة التي تردع المحتل وتحفظ الحقوق وتسير بالشعب نحو المستقبل عبر التضحيات ، لانهم يعلمون ان للحرية ثمن يتحول من خلاله الشهداء والجرحى وأسرى الحرية القمر الذي يضيء ليلنا، ومن هنا نؤكد على تجارب المقاومات في فيتنام والجزائر كيف قاومت الاحتلال ، وكيف فاوضت ، وكيف انتصرت .

لقد اكدت المقاومة في لبنان اخلاصها ودعمها للمقاومة في فلسطين وقدمت التضحيات كما قدم شعبنا تضحيات جسام منذ انطلاقة ثورته الفلسطينية المعاصرة وكان قمر المقاومة الشهيد القائد عماد مغنية رمزا لهذه المقاومة وسيد الشهداء عباس الموسوي وشيخ المجاهدين راغب حرب ورمز المقاومة العربية سمير القنطار والقادة محمد سعد وجورج حاوي ، كما كان شهيد فلسطين والامة ورمزها القائد ياسر عرفات والقادة العظام فارس فلسطين ابو العباس وقمر فلسطين ابو علي مصطفى وابو عدنان قيسى والشيخ احمد ياسين وفتحي الشقاقي ، وكذلك شهداء المقاومة في لبنان وفلسطين التي تعانقت ارواحهم الطاهرة لتنبت انتصارات تضيئ لنا الطريق نحو الفجر الاتي .

وفي هذه اللحظات التي تحتفل المقاومة في لبنان بذكرى شهداءها ، نؤكد ان الشعب الفلسطيني متسلح بارادة النضال والمقاومة وتمسكه بمنظمة التحرير الفلسطينية الكيانية السياسية للشعب الفلسطيني على كافة المستويات مهما حاول البعض المساس بهذه الكيانية .

وفي هذه الذكرى والتي تتزامن مع مناسبات مجيدة ومنها الذكرى السادسة والثلاثون لانتصار الثورة الاسلامية في ايران لنؤكد على الدور العظيم للجمهورية الاسلاميه في ايران التي جعلت من سفارة الصهاينة سفارة لفلسطين ولأنها وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني ولأن القدس كانت وما تزال بوصلتها ولأنها دعمت محور المقاومة في مواحهة العدو الصهيوني ، من هنا كان العلاقة التي حكمت فلسطين مع إيران، حيث في بداية الثورة الإيرانية أعلنت كل الفصائل الفلسطينية دعمها لها لأنها ازاحت نظام الشاه الذى كان أحد الركائز المهمة في المنطقة في دعم اسرائيل ومخططاتها، فضلاً عن إعلانها موقفاً معادياً لإسرائيل وداعماً لنضالات الشعب الفلسطيني، ولذلك رأينا في نجاح الثورة في ايران دعم للشعب الفلسطيني ،كما تتزامن هذه الذكرى مع مناسبة ذكرى انطلاقة الجبهة الديمقراطيه لتحرير فلسطين واعادة تأسيس حزب الشعب الفلسطيني والذين ادركوا وجسدوا كل أبعاد صراعنا ضد هذه الغزوة الصهيونية، وحافظوا على القضية الوطنية الفلسطينية، ببعدها القومي والأممي والإنساني، لأن الصراع ضد الاحتلال، والقوى الاستعمارية والإمبريالية التي سعت وعملت لإقامة هذا الكيان الصهيوني العنصري، التوسعي، الإجلائي والإحتلالي في فلسطين، كخلية سرطانية تنهش الجسم العربي كلّه، وتحول دون وحدته ونهضته وتقدمه، ليكون، وليبقى مزرعة وسوقا لها، ومورداً لطاقاتها، وممراً لجيوشها وبضائعها، وليصبح أخيراً مكباً لنفاياتها الذرية والسامة، وعلى هذه الطريق نؤكد على التمسك بخيار المقاومة من اجل تحرير الارض والانسان وسنبقى مخلصين وأوفياء للثورة ولراية النضال والتقدم والعدالة الاجتماعية.

لذلك فإن الردّ سياسة حكومة العدو وعلى كافة المشاريع والمخططات الصهيونية والامريكية يكون بوحدة الصف الداخلي ووحدة الموقف العربي، وهذا يتطلّب خطابا يجمع ولا يفرّق ويبتعد عن ما يستفزّ مشاعر الناس، فمقاومة الاحتلال تتطلب وحدة الموقف هذه الوحدة هي التي تهدد الكيان وحلفائه، فهي توّلد المناعة وتحصّن المقاومة وهي التي ستجبر العدو على الرضوخ لإرادة شعبنا، هكذا نستخلص من تضحيات الشهداء الرسالة ،وهكذا يجب أن نستخلص دروس النكبة ومعانيها التاريخية والمعنوية، وحتى نكون أوفياء لذلك التراث يجب علينا ان لا نقف امام الصغائر ويجب ان نتعالى عن كل ذلك في المضي قدما في المصالحة الفلسطينية والياتها ونعزز الوحدة الوطنية ونتمسك بالثوابت الوطنية ونعود الى فلسطينيتنا وعروبتنا ، هذا ما تعلمناه من القائد الكبير الرمز الامين العام الشهيد ابو العباس ، وهذه هي مهمتنا في نقل التجربة والمعرفة لجيل لا يريدون له أن يعرف تاريخه وإرثه.

واليوم نقول ان من يشكك بجدوى انتفاضة فلسطين أنما يشكك بإرادة الشعب الفلسطيني وحقه في النضال من أجل استعادة حقوقه الوطنية الثابتة وخاصة حقه بالعودة الى دياره وممتلكاته وفق القرار الاممي 194 واقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .

ان ما يجري في المنطقة العربية والتأثير الاميركي على التطورات فيها ، هو "مشروع سايكس ـ بيكو " بجزئه الثاني،  من خلال مصادرة الثروة العربية وتأمين امن العدو الصهيوني ودعم قوى الارهاب التكفيري واضعاف الشعوب العربية على التوحد من اجل قضاياها وبعدها عن القضية الفلسطينية ، مما يتطلب دعم نضال وحقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، من خلال ضخ النبض في رفع الصوت من اجل دعم الانتفاضة الفلسطينية والأسرى والمعتقلين في السجون الصهيونية ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها  فلسطين ، والحفاظ على المسيرة النضالية التي عمدت بالدم والنضال والكفاح من أجل تحرير فلسطين، القضية المحورية المركزية في الصراع العربي - الصهيوني، ومن أجل حق الشعب العربي في التحرير والتحررالاجتماعي والتغيير الديمقراطي، وهذا يستدعي وضع آليات كافة الاحزاب والقوى اليسارية والتقدمية والقومية العربية واحرار العالم التي تصب في خدمة مشروع حركة التحرر الوطني من اجل مواجهة هذه المخاطر.

وغني عن القول ستبقى المقاومة خيار شعبنا وامتنا حتى دحر الاحتلال عن ارضنا العربية ، وسنبقى نحافظ على الدماء الذكية التي سالت من اجل تحرير الارض والانسان من الاحتلال الصهيوني وخاصة ابطال العمليات الاستشهادية والعمليات البطولية لفصائل الثورة الفلسطينية المعاصرة وللمقاومة اللبنانية والفلسطينية .

ومن موقع تقديرنا للمقاومة في لبنان وصمود ومقاومة شعبنا في فلسطين التي بفضلهما استطاعت الشعوب في الماضي أن تنتزع حريتها واستقلال بلدانها، ونحن نثمن الدور الكبير لسماحة سيد المقاومة حسن نصر الله الامين العام لحزب الله إحدى الرموز البارزة في تاريخ النضال العربي المشرف الذي يعتبر بانه بدون حرية فلسطين وشعبها لا يمكن ان تحقق الامة كرامتها وعزتها.

ختاما : تحية مجد لشهداء المقاومة الذين كتبوا مسيرة حب وعشق وإيمان لا زالت يحملها كل المناضلين الاوفياء ، ومثلوا مدرسة فكرية وثورية ، ورسموا تاريخ مشرق مع قادة تعملقوا نجوما في سماء الامة ، لم يعشقوا سوى فلسطين القضية والانتماء ، ترفعوا عن ثقافة التعصب والحقد ، وزرعوا أشجار لتنبت في صحاري قاحلة قوافل الشهداء.

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي