استمرار اضراب محمد القيق عن الطعام احتجاجا على الاعتقال الاداري، يطرح اسئله حول مستقبل نضال الحركة الاسيرة ومستقبل النضال الفلسطيني، فحملة التضامن الوطني والعربي والدولي اتجاه الاسرى ومطالبهم لم يرتقي حتى اللحظة الى مستوى التحديات التي تفرضها المرحلة، وذلك نتيجة عدم اتفاق الحركة الاسيرة على موقف موحد لتطوير نضالاتها والحفاظ على انجازاتها ومواجهة الممارسات والاجراءات الصهيونية ومصلحة السجون بحقهم، حيث الانقسام الفلسطيني ترك بصماته السلبية ايضا على انجازات الحركة، وتمكنت سلطات الاحتلال من الانقضاض عليها وسحب الكثير منها والتي جاءت نتيجة تضحيات جسام قدمتها الحركة الاسيرة على مدار سنوات من النضال داخل السجون.
امام هذه التضحيات الجسام التي قدمتها الحركة الاسيرة، ضرورة ان نعترف بتقصيرنا وفشلنا كسلطة ومنظمة تحرير فلسطينية وفصائل وقوى ونشطاء ومنظمات حقوقية ومدنية وغير حكومية امام كل هذه التضحيات الجسام التي قدمتها على مدار السنوات الاخيرة، هذا الاخفاق والفشل لم يأتي عن طريق الصدفة، وانما جاء نتيجة واقع تمر به حركة التحرر الوطني الفلسطينية من ازمة ومأزق وانقسام، والتي بمجملها سمحت وشجعت الكيان الصهيوني من تشديد اجراءاته القمعية ضد الحركة الاسيرة ومصادرة الكثير من انجازاتها التي حققتها على مدار سنوات طويلة من النضال والصمود والثبات.
جرت على مدار السنوات الماضية نشاطات ومؤتمرات تضامنية مع الحركة الاسيرة، ولم تتمكن هذه المؤتمرات حتى اللحظة من طرح قضية الاسرى بمستوى الحد الادنى المطلوب، لتلاقي اهتماما يليق ببطولاتهم، كما تم طرح قضايا الاسرى بالمنتديات العالمية ومن ضمن حملات التضامن العالمي، ماذا انتجت واين صداها؟ لماذا قضية الاسرى غائبة عن الرأي العام العالمي؟
على مستوى المجتمع المدني، هناك الكثير من المؤسسات والمنظمات التي قامت على اساس الدفاع عن الاسرى الفلسطينيون بالسجون الصهيونية، وهي كثيرة بالمجتمع المدني الفلسطيني، والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا انتجت هذه المنظمات او المؤسسات وكم اسيرا اطلقت سراحه او كم اسيرا مريضا تمكنت من علاجه او توفير فرصة علاج له؟ المبرر لديها - نقص الاموال- التي تمكنها من طرح قضية الاسرى على الصعيد العالمي.
نجح الكيان الصهيوني ليس بتفتيت وتشتيت الحركة الاسيرة وانما ايضا نجح بتهميش النضال الفلسطيني خارج السجون والوقفات التضامنية، فماذا ستنتج وقفة تضامنية امام مكتب الصليب الاحمر بغزة او رام الله او خيمة بالقدس او اي مكان اخر؟ لماذا التضامن مع الحركة الاسيرة لم يرافقه اضراب شامل كما كان يحصل بالسبعينات او الثمانينات؟ منع عمليات التضامن والاحتجاج من مسؤولية السلطة، وليست مسؤولية الكيان الصهيوني، والاشتباك يكون مع اجهزة السلطة وليس مع اجهزة الكيان.
نضال الحركة الاسيرة كان مترافقا مع نضال الشعب الفلسطيني بمجمله، كانت البندقية تقوم بدورها وكان الاسير يواجه الجلاد بارادته وجسده، نضالا واحدا يصب بنفس الهدف، اما اليوم فتجد لا علاقة لانتفاضة القدس بالاسرى ولا بإضراب محمد القيق عن الطعام، فهذه قضية وتلك قضية اخرى، يرفض العدو الصهيوني الرضوخ لمحمد القيق بمطالبه المحقه، لان الكيان واجهزته تريد ليس هزيمة القيق وانما هزيمة شاملة للحركة الاسيرة، فالكيان يتساءل: ماذا سيحصل لو مات القيق نتيجة اضرابه؟ فالكيان لديه تقديراته ومصيب بها تقول: "لا ردود فعل يمكن ان تؤدي الى الاشتباك مع الاحتلال".
الحديث عن حقوق الانسان وحق الشعب الفلسطيني بنضاله من اجل استرداد حقوقه، غير كافي إن لم تقم الحركة الوطنية الفلسطينية بمجملها بمراجعة شاملة لطريقة تنظيمها وترابطها ووحدتها وبرنامجها لتحقيق مشروعها الوطني، امام كل محاولات الكيان الصهيوني الرامية الى تجزئة النضال الوطني وتفتيته التي تؤدي بالنتيجة الى استنزاف النضال الفلسطيني ليجعله بشكل عام عاجزا ليس امام نضالات الحركة الاسيرة وانما امام نضالات الشعب الفلسطيني بمجمله.
الانتصار للاسرى يكون من خلال مرجعية واحدة تساهم بتوجيه كل حملات التضامن مع الحركة الاسيرة المرتبطة بالنضال الفلسطيني، تكون قائمة من خلال مشروع كامل ومتكامل ضمن المشروع الوطني الفلسطيني دون تجزئة، وتصعيد النضال والاشتباك اليومي مع الاحتلال بكافة الاشكال والوسائل المتاحة التي تسمح للقضية الفلسطينية بالاستمرار وبكل الساحات والمؤسسات الدولية التي تكون محصلتها اطلاق سراحهم على طريق التحرير والاستقلال والعودة، وان تعدد المؤسسات واللجان هي تشتيت للجهود وتعبر بجوهرها عن حالة الانقسام والخلافات التي تشهدها الساحة الفلسطينية التي نحن اليوم احوج الى تجاوز هذه الحالة والانتقال الى الحالة الارقى وهي حالة وحدة حركة التضامن القادرة على الانتقال الى مرحلة الاشتباك المتواصل مع الاحتلال ومستوطنيه تكون قضية الاسرى ضمن بنوده ونضالهم جزءا اساسيا من نضال حركة التحرر الفلسطينية.
جادالله صفا – البرازيل
13 شباط 2016