ان تتوصل حوارات الدوحة بين فتح وحماس الى ما يسمى بالتصور العملي بعد تسع سنوات من الإنقسام،هذا مؤشر على عمق أزمة النظام السياسي الفلسطيني،التي اذا ما استمرت على هذا المنوال ستشهد المزيد من الإنقسام والتشظي لهذا النظام وتعمق ازمته،فبعد كل جولة من جولات الحوار نعود الى المربع الأول،وكما يقول المأثور الشعبي" كأنك يا ابو زيد ما غزيت"،والأزمة هي هي "معبر رفح،حكومة الوحدة الرواتب والوظائف والأجهزة الأمنية" وفي هذا الجانب كان القائد الحمساوي محمود الزهار يعبر بشكل واضح بدون لف او دوران عندما قال بأنه،لكي تنجح المصالحة "كل واحد يأخذ حقه من الرواتب والوظائف".
لم يجر نزع أي لغم من الألغام في طريق المصالحة والوحدة الوطنية،بل سرعان ما كانت تنهار تلك الإتفاقيات،حتى ان البعض منها كان يتعرض للإهتزاز والإنهيار مجرد جفاف الحبر الذي وقعت فيه تلك الإتفاقيات،لا معبر رفح ولا حكومة الوحدة،ولا الرواتب ولا الوظائف ولا الإتفاق على اقتسام السلطة،والتي لها الأولوية على أي مشروع وطني او مصالح عليا للشعب الفلسطيني،بل مع كل جولة جديدة من جولات الحوار يذهب اليها الفريقان،وغالباً لا تاتي بإرادتيهما،بل يذهبان اليها تحت ضغوط عربية وإقليمية والداعين لها يكون لهم اجندات واهداف من ذلك،واحسب الجولة الأخيرة من الحوار في الدوحة بين فريقي الإنقسام كما قال المراسل السياسي للقناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي بأنها تمت بضغط كبير من تركيا على قطر وحماس للتوصل الى إتفاق مع السلطة الفلسطينية،ولذلك لتسهيل تطبيع العلاقات ما بين تركيا واسرائيل.
واجد نسبة كبيرة من الصوابية في هذا التصور،حيث ان هناك محادثات ومفاوضات برعاية سويسرية بين تركيا واسرائيل،بحيث يكون هناك موطىء قدم لتركيا في إدارة قطاع غزة،وهذا ربما يشكل نوعاً من الحصانة ضد ضرب اسرائيل ومهاجمة القطاع،بالمقابل فتركيا تسعى للحصول على الغاز الإسرائيلي،بعد ازمتها العميقة مع روسيا،والعقوبات التي فرضتها عليها روسيا.
الخلافات بين طرفي الحوار المتكرر و"صفري" النتائج في كل مرة عميقة وعميقة جداً،وهي مرتبطة بنزوع عقلية طرفي الإنقسام للهيمنة والسيطرة على السلطة والتفرد فيها،والحصول على الحصة الكبرى منها،وكما نشات وقامت مؤسسات المنظمة على الهيمنة والتفرد،وكلنا يتذكر مقولة" قولوا ما تشاؤون وانا افعل ما اشاء"،بقيت تلك النظرة والمقولة هي السائدة في النظام السياسي الفلسطيني،فكل طرف اعتبر نفسه مقرراً في مملكته واقطاعيته "حماس" في القطاع و"فتح" في الضفة الغربية،ف"حماس" على سبيل المثال قالت بان قرار الحرب او وقف العدوان،هي من تقرره وليس غيرها من الفصائل،كما حصل في الحرب العدوانية الأخيرة تموز/20014،وفي الضفة الغربية،قرارات المؤسسات الفلسطينية اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي،لم يجر إحترامها،بل أصبح القرار الفلسطيني بيد الرئيس والدائرة المحيطة به.
واضح بأن كل الصيغ السابقة والجديدة والآبداعية والجهبذية فشلت في كسر حدة الخلاف بين الطرفين،وتضيق شقة الخلاف السياسي،وجسر الهوة حول كيفية توزيع "مغانم" السلطة بين الفريقين،والخطورة هنا لا تكمن في النزف والخسارة المستمرة في مواجهة العدو،بل الخسارة الكبرى ستكون على صعيد زيادة ضعف وتشظية الجبهة الداخلية،والمزيد من التفكك والتشظية في النظام السياسي الفلسطيني،وبما يطال تفكك المشروع الوطني وحتى الوحدة المجتمعية الفلسطينية.
انا لدي قناعة كبيرة بأن الحوار المتكرر حول نفس الصيغ والمفاهيم والمواضيع،ليس فقط حوار طرشان،بل أصبح سفسطائي ونوع من "الرياضة" الفكرية،ويدور كجدل عقيم حول جنس الملائكة،هل هي ذكر أم انثى؟؟، في وقت يترجم فيه الإحتلال أقواله الى أفعال على أرض الواقع،بالقضاء على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967،من خلال "تسونامي" إستيطاني غير مسبوق،والسعي لضم كامل منطقة (سي) لدولة الإحتلال،والتي تشكل ما نسبته (60)% من مساحة الضفة الغربية،نفتالي بينت زعيم "البيت اليهودي"،واخال بان ما يسمى بالتصور العملي المحدد،الذي أعلن وفدا فتح وحماس إلى حوارات الدوحة عن توصلهما إليه،لم يولد فقط قيصرياً،وقبل إكتمال نضجه،بل هو مولود مشوه ومعاق،ربما اذا ما استمر على هذا المنوال،ستكون إعاقته دائمة غير قابلة للشفاء،ستجعل مصيره مشابها لمصائر الاتفاقات التي سبقته.والتي كانت تخترق بنوده ولا يجري إلتزام بما اتفق عليه والشروع في تنفيذه،حتى قبل مغادرة الغرف المغلقة واخذ الصور المعبرة عن الوحدة وشارات النصر المرفوعة أمام الكاميرات.
"التصور العملي المحدد"،فيما يتعلق بالإشراف على معبر رفح،من حيث تسليمه لحرس الرئيس،مع بقاء موظفي حركة حماس،يذكرني بوزراء حكومة الوفاق الذين جروا تعينهم في قطاع غزة،حيث منعتهم حكومة حماس من ممارسة دورهم،وحتى الدخول الى وزاراتهم،ولم يفوزوا سوى بلقب وزير،والآن اذا كان المعبر من مسؤولية حرس الرئيس،فلماذا سيتواجد عليه موظفي حماس؟؟؟،وكيف سيكون شكل العلاقة بين الفريقين؟؟، هذا الحل وهذه التركيبة عبارة عن لغم سينفجر،وهو ليس بالحل الجذري،ولا ينم عن مصالحة او إنهاء إنقسام،بل هذا تعميق للصراع والإنقسام.
لا أعرف بماذا ستختلف حكومة الوحدة عن حكومة الوفاق،وخصوصاً ان الجبهة الشعبية وحركة الجهاد قالتا بشكل واضح انهما خارج مثل هذه الحكومة،وهل هذه الحكومة سيكون لها برنامج،ام لا ..؟؟ وأي برنامج لها سيكون..؟؟ فتح تقول برنامج المنظمة او بالأحرى الرئيس،وهل ستوافق حماس على ذلك؟؟،والأنكى من ذلك انه يجري تحت الإحتلال الحديث عن وزارات سيادية ووزارات خدماتية..!!،والسيادي والخدماتي مقيد الحركة والتنقل ولا يمتلك لا السيادي ولا الخدماتي حرية سفره أو تنقله.
ومن هنا نقول بأنه،إذا لم يستعد النظام السياسي الفلسطيني وحدته، سيبقى الانقسام والتفتت والتشظي عناوين المرحلة،وكلما تعمق الإنقسام وثبتت أركانه وتشرعن،كلما تآكل النظام السياسي الفلسطيني،والتآكل والتراجع والتفتيت والتشظي سيطال المشروع الوطني،وخصوصاً بان تنامي المصالح للفئات الإجتماعية المستفيدة من بقاء الإنقسام،ستقاوم بكل قوة أي خطوة او خطة من شأنها ان تنهي هذا الإنقسام المدمر.
ونعتقد بأن العامل الأساسي من اجل الإنقسام،هو توفر الإرادة السياسية عند طرفي الإنقسام،والوصول الى حالة من النضج والقناعة،بأن التحولات والمتغيرات والتحالفات المرتسمة الان دولياً واقليمياً ودولياً،اذا لم نحسن التعامل والإستفادة منها بشكل موحد وبمسؤولية عالية،فسنكون امام كارثة حقيقة وجدية قد تفكك عناصر المشروع الوطني وتدمر قضيتنا،ولذلك لا يجوز الإستمرار في "فنتازيا" الحوارات الثنائية،و"التحشيش" الفكري والخضوع للأجندات والإملاءات الخارجية،وتقديمها على المصالح العليا لشعبنا وقضيتنا الوطنية.
بقلم/ راسم عبيدات