دماء شهداء الانتفاضة تصرخ فليرحل المحتل

بقلم: عباس الجمعة

على الرغم من شظف الحياة وبؤسها ومآسيها ، فكان رد الشابات والشباب الفلسطيني ومعهم كل الشعب الفلسطيني باستمرار النضال ليؤكد للعالم ان الحقوق لا يمكن التخلي عنها مهما كانت التضحيات، الثورة مستمرة تتوارثها الاجيال جيلا بعد جيل وهذا ما يغيظ العدو الصهيوني المحتل، وكلما جاء جيل جديد كان ايمانه اقوى من الذي قبله، بما تشكله ظروف الاحتلال والتشرد والتهجير والقهر والظلم من حوافز خاصة بهم، لم تثن عزمهم في البحث عن وسائل تمكنهم من تحقيق اهدافهم وحقوقهم الوطنية، ومن هنا نقول ان الانتفاضة الراهنة ارعبت الاحتلال الذي فقد صوابه حيث بدأ بالاعدامات الميدانية بحق الاطفال والشباب والشابات ، الا ان ارادة شعبنا بكافة شرائحه الاجتماعية والسياسية والمهنية اكدت تصميمها على دحر الاحتلال مهما بلغت التضحيات ، فهذه الانتفاضة تحمل شعار على طريق الاستقلال والعودة والحرية باعتبارها طريق والحرية نمضي ،انها الهدف السامي الطامح الى التحرير وتقرير المصير

ومن هنا نقول لأصحاب الاراء الذين لا يفكرون سوى في مبادرات ومشاريع تطرح هنا وهناك ، ان كل المبادرات التي تحاول اجهاض الانتفاضة ستفشل وان محاولتهم لم تكسر ارادة هذا الشعب وطمس هويته الوطنية لا بالتشريد ولا بالأعدامات ولا بتحويل الوهم الى واقع ولا بتزوير التاريخ ، بعد ان افصح مفهوم السلام عند الصهاينة عن نية استمرارهم في الاحتلال ، فهذه الانتفاضة تكتب تاريخ جديد لتعبر عن مقاومة الاحتلال الذي يحاول تجريد الفلسطينيين من ارضهم ومصادر حياتهم ومن مقدساتهم الاسلامية والمسيحية، ومحاصرتهم بالمستوطنات والطرق الالتفافية، الا ان الانتفاضة وجهت رسالة الى معظم دول العالم بتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وضمان حق العودة للاجئين باعتباره الاساس لحل قضية فلسطين.

الانتفاضة الفلسطينية الراهنة، تكشف اليوم عيوب النظام الرسمي العربي ، في ظل التعنت والعدوان الإسرائيلي، والانحياز الأمريكي، ولكن صوت الانتفاضة يطالبهم بصراحة اين هو موقفكم مما يتعرض له الشعب الفلسطيني وارضه وممتلكاته ومقدساته ، صوت الانتفاضة يرتفع بشهدائها وجرحاها، واسراها، فلم تطلب أكثر من تخفيض سقف الإنتاج النفطي لإسناد الانتفاضة بأكثر من بيانات الشجب والاستنكار، وأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم في المعركة، فالغزوة الصهيونية لم تستهدف الأرض الفلسطينية ، ولا الشعب الفلسطيني ، وإنما تستهدف الامة العربية كأمة وتاريخ وحضارة، وكموقع استراتيجي، وثروة، الا ان شعوب أمريكا اللاتينية كانت مواقفها الجريئة و الصادقة التي أحرجت وفضحت انهزامية بعض الحكام العرب وما توالى اعترافات برلمانات بريطانيا و اسبانيا وفرنسا ودولة السويد بالدولة الفلسطينية إلا تأكيداً على تغير المناخ السياسي العالمي ، والمزيد من تضامن وتأييد شعوب العالم لحقوق شعبنا الفلسطيني والضغط على حكومة دولة الإحتلال .

ان ما تسجله انتفاضة فلسطين وتسطره هذه الفئة من الشباب والشابات التي تتصدى بصدورها وبأجسادها للطاغوت الصهيوني الامريكي وحيدة في خضم الاحداث امام المحاولات والمؤامرات والدسائس الساقطة لاجاض الانتفاضة، التي اتت في اخطر لحظة من لحظات التاريخ العربي وفي وقت من ادق ما مرت به المنطقة في تاريخها المعاصر، وكأنه الشلل الذي

اصاب بعض النفوس والوجدانات والضمائر وحتى بعض العقول فجمدها عن العمل والتفكير بينما الصراع يدور على ارض فلسطين بكل قساوته ووحشيته ودمويته، وكأنه لا يعنيهم ولا يخصهم، بل ان منهم ويا للكارثة من حاول ان يخرج نفسه من القضية الفلسطينية والصراع الدائر رحاه على ارض فلسطين ، غير عابئ بما يمكن ان تتمخض عنه نتائج الصراع، طالما ان هنالك ضمانات واتفاقات لتطمين هذا الموقع أو ذاك الموقع ، ونسوا أو تناسوا ان البركان الذي فجرته الثورة الفلسطينية، ولكن الشعب الفلسطيني المعطاء، مستمر في انتفاضته ومعه الشعوب العربية واحرار العالم ، رغم الزيف والاوهام في المنطقة الا ان الانتفاضة تجسد التلاحم الثوري الخلاق، اليس هذا هو المعنى الحقيقي والتجسيد الواقعي للانتفاضة التي ترفع رايات النضال خفاقة وهي تردد ليكن واضحاً وضوحاً كاملاً، ودقيقاً ان لا حل، ولا سلام، ولا استقرار في هذه المنطقة بالقفز على حقوق شعب فلسطين اي حقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس .

أمام هذا الواقع الذي لم يعد خافياً على أحد، انه بات في مقدور أي طفل فلسطيني وعربي أن يسمي الأمور بأسمائها، وأن يشير إلى المعنيين بأشخاصهم، لا أدري لماذا لا يجري الحديث صراحة عن ذلك في الاجتماعات العربية الرسمية ، اين هم من الانتفاضة الفلسطينية، صحيح أن شعبنا تحمل الكثير نتيجة خياره الصحيح في النضال ، ومازال يدفع ثمن مواقفه نتيجة رفضه الاستسلام للاحتلال الصهيوني ، والتنازل عن حقوقه ، ولكن هذا قدره، وهذا ما توقعه من خلال اندلاع انتفاضته ، حيث يثبت الشعب الفلسطيني وتقدم شبابه إلى صدارة المشهد، بمواجهة الوحشية الصهيونية ، فالأرض هي جوهر الصراع، والقضية الفلسطينية هي القضية المركزية للشعوب العربية والقضية الانسانية لاحرار العالم .

ونحن نقف امام ما يتعرض له الشباب والشابات والاطفال من عمليات الاغتيال والتصفية التي نفذتها وتنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي، مع تشديد العدوان ضد الشعب الفلسطيني بما في ذلك بناء جدار العزل العنصري ومصادرة الاراضي وشق الطرقات ، كل ما يجري يأتي في ظل التحالف والتنسيق مع امريكا لتطويق الشعب الفلسطيني لعزله سياسياً على اكثر من مستوى، حيث لم نسمع صوتا رسميا عربيا سوى الادانة .

برغم كل ما سبق اقول ان شباب فلسطين بانتتفاضتهم الباسلة يدافعون عن حقوق الشعب الفلسطيني بلحمهم الحي، من خلال الاعتماد على حقهم المشروع بالسكين والحجر والمقلاع وعمليات الدهس ، ليكسروا الحلقة الجهنمية التي تعمل عليها حكومة الاحتلال العنصرية برؤيتها الايديولوجية الصهيونية ومنظورها للسلام، بديلا للشرعية الدولية، مما يستدعي العمل السريع من الفصائل والقوى على رسم استراتيجية وطنية تتلائم مع اساليب ووسائل النضال السياسي والكفاحي ، رغم الظروف الصعبة والمعقدة والاختلال بميزان القوة وطبيعة المشروع الصهيوني المستند للقوة العسكرية الطاغية ، حيث يصمد الشعب الفلسطيني في المجابهة القاسية والعنيفة وفي شروط جميعها ، مما يوفر الاساس نحو تحقيق اهدافه .

وهنا لا بد من التأكيد على موقف الشهيد القائد ابو العباس الذي قال لم اخش الموت فكيف اخشى الاعتقال. والحالة التي اعيشها هي جزء بسيط من حالة شعبي في فلسطين. وأرى ان ما يعانيه مناضلونا وقيادتنا الوطنية في فلسطين أشد مما انا فيه الآن، وكل ما اتعرض له الآن لا يساوي

يوما من الحصار الذي يتعرض له الاخ القائد ابو عمار ولا يساوي دم طفل فلسطيني شهيد. نحن نتوقع كل شيء ونعد حساباتنا لكل طارئ وهذا لن يعيق نضالاتنا او يؤثر في قرارنا السياسي.

ختاما : لا بد من القول ان الانتفاضة تزداد عطاء وصمود ، فالشعب الفلسطيني يتسامى على جراحه ويقدم التضحيات ويجزل العطاء ويتفوق على ذاته في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد، مما يتطلب الاسراع في ترتيب البيت الفلسطيني وتعزير صمود الشعب الفلسطيني ومتابعة انتفاضته ومسيرته الكفاحية ونقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة لمطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وانهاء الاحتلال، وكل هذا بات رهنا بمدى قدرة كل الفصائل والقوى ان تسمع صوت الانتتفاضة الثورية الثائرة المتمردة على ارض فلسطين الشاهدة الشهيدة، تصرخ وبأعلى صوتها، فليرحل المحتل، وهي تستكمل مسيرة النضال الذي ضحى من اجلها الشهداء لانتزاع حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة .

بقلم/ عباس الجمعة