محمد القيق والمقاومة الفردية

بقلم: أسامة نجاتي سدر

أن تولد وفي رقبتك دين ينبغي أن ترده، وثأر لم يتم، وتاريخ عريق ينبغي كتابة حصتك فيه ولو بالدم، وواجب سيسألك الله عنه قبل الناس، يعني أنك فلسطيني، ويا له من عبء، ويا له من شرف نفتخر به في الدنيا والآخرة، يقدِّره القليل، ويغبطنا عليه البعض ونادرا ما يشفق علينا منه أحد بالرغم من أننا كنا ولا زلنا أهلا له رغم تتابع النكبات والأزمات.
يولد الفلسطيني حـــــراً تقيده الحواجز ونقاط التفتيش والضرائب ومنع الاستيراد ومعوقات الصناعة والتنكيل بالمزارعين ومنع الصيد وتصاريح العمل والإغلاقات وحرمان الدخول إلى الأقصى ومنع التجوال ومنع السفر والمستوطنات ومصادرة الأراضي والاعتقالات واستدعاءات المخابرات والمطاردة الأمنية والتنكيل والغرامات، وما لا يستسيغه العقل ويرضاه الناس، ويأبى برغم كل هذا أن تُمسَّ حريته أو أن ينال أحد من كرامته وعزته.
يعيش تحت فوهات بنادق أعداءٍ يرون بقاءه على قيد الحياة يهدد وجودهم، وحاجاته اليومية تسلب بعض ما وهبهم الله إياه من بلاد السمن والعسل، وأحلامه خطيئة لا كفارة لها إلا إذا كانت هجرة بلا رجعة، ومقدساته وهم بني فوق مقدساتهم، وكرامته حق مؤجل إلى لحظة دخوله القبر، وسعادته لا تكون إلا إذا في الجنة استقر، إن اعترض على الظلم وصدَّ العدوان أصبح إرهابيا يجب أن يتبرأ منه البشر، وإن دفعته الشجاعة أن يجرب طعم العزة ويذوق الحرية ألبسوه أكياسا سوداء وتاج الشهادة، وإن شك به أمنُهم بلا دليل معتبر سقط في جب الإعتقال الإداري وغاب عن الدنيا والناس بلا أمل إلا برب البشر.
وبالطبع يرفض ويقاتل داخل الأسر، ولا عجب، ولكن بأي سلاح غير أمعائه الخاوية وعزةٍ تمرِّغ رأس المحتل بطين اللاإنسانية، وتفضح وجهه اللاأخلاقي في التعامل مع أسرى الحرب المفترضين، وسلوا عن إضراب عسقلان عام 1976 ونفحة عام 1980الذي رسم لوحة ادهشت الأجيال بخطوط العزة وألوان الكرامة، وأكثر من ستة وعشرين إضرابا زينوا تاريخ الحركة الأسيرة بالمجد وفتحوا المعتقلات للنضال والتضحية، فصعد في هذه الإضرابات عدد من الشهداء أولهم الشهيد عبد القادر أبو الفحم الذي استشهد بتاريخ 11/7/1970، خلال إضراب سجن عسقلان، والشهيد راسم حلاوة وعلي الجعفري اللذين استشهدا بتاريخ 24/7/1980 خلال إضراب سجن نفحة، والشهيد محمود فريتخ الذي استشهد إثر إضراب سجن جنيد عام 1984، والشهيد حسين نمر عبيدات والذي استشهد بتاريخ 14/10/1992 في إضراب سجن عسقلان.
وحققت الإضرابات الكثير من أهدافها، وأستطاعت أن تجعل الأسرى رقما صعبا لا يمكن تجاوزه، حتى أن سلطات الاحتلال اوقفت الاعتقال الاداري بعد عام 1977 حتى عام 1985 ثم اعادت العمل به، حيث شنت في آب وايلول ذلك العام حملات اعتقال إداري شملت قادة العمل الطلابي والنقابي والتطوعي، لتستمر الحكومات المتعاقبة في ذلك دون توقف.
وفي سكرة صمتٍ تمتعت فيه اسرائيل زمنا، تقدم الشيخ خضر عدنان ليعلن الاضراب احتجاجا على قبر الاعتقال الاداري، فحطم حاجز الصمت وأمضى في اضرابه أكثر من شهرين ليخرج منتصرا بتحديد يوم البعث والتمكين، وأبهر العيساوي العالم اجمع ليكسر الرقم القياسي في الاضراب المتواصل عن الطعام ثم الشراب، ويثبت ريادة الشعب الفلسطيني في كل أنواع النضال، وتبعهم الكثيرين إلى ذلك الخندق معتمدين على الله وعلى دروس العزة والكرامة التي تعلموها ممن سبقهم طامعين ان يسطروا أسماءهم شهداء بطعم جديد، وها هو الصحفي محمد القيق يقدم للعالم عرضا حقيقيا يشرح فيه احترامه لإنسانيته وكرامته وأن حريته أغلى من أن يقدمها رخيصة للمحتل بلا سبب مقبول وواضح.
سن هؤلاء الأبطال فكرة النضال الفردي لاسترداد حقوقهم المشروعة، وقدموا في سبيل كرامتهم وحريتهم عزيمة وصبرا عجزت عنه الجبال، ومطالبهم هي غاية كل أسير مثلهم، وإنجازهم نصر للحركة الأسيرة ولنضال الشعب الفلسطيني، ومناصرتهم بكل السبل المشروعة والغير مشروعة واجب على كل مؤسسة وفصيل وفرد من المسلمين حيثما كانوا، وهم معرضون للعجز والموت أكثر من الهزيمة والتراجع، وأناتهم تؤلم الأمة أكثر من آهات الجرحى،ودموع الشفقة في عيون أمهاتهم واهلهم لا تقل عن عبرات أمهات الشهداء والأسرى.
أسامة نجاتي سدر