عاصر هيكل تداعي الملكية ببزوع فجر الدولة الوطنية والمعبرة عن محيطها العربي ، هيكل القامة العالية والعملاقة بشموخ الاهرامات وامتداد النيل العظيم ومعاني الالتصاق بالارض المصرية التي لم تنفصل بعمق تفكير هيكل عن الارض العربية من الخليج العربي الى مراكش .
ان تحدثنا عن هيكل فلن تستطيع ابجدياتنا ان تحتوي في عمقها ايقونة هذا الكاتب والمفكر العربي المصري الذي اسس الفكر السياسي بعد الحرب العالمية الثانية ، فكان فكر هيكل تبدأ ابجدياته وحروفة من شعاعات العروبة من البحرين لتتلاقى مع شعاعات العروبة من المغرب العربي ولتتلاقى في بؤرة التفكير المركزي في القاهرة .
كثير من الاقلام ستتحدث عن مسيرة هيكل وذاتيته وقصة حياته ، ولكن هيكل هو بعمر الطموح العربي والثورة العربية التي بدأت مشوارها ببزوغ ثورة 23 يوليو عام 1952م ولتتوالى الثورات العربية في اكثر من خارطة سياسية عربية ، وهو المعاصر لسنوات الانطلاقة والتحول من مجتمع الاقطاع الى المجتمع الاشتراكي العملاق ، فترة التحول في ازدهار قطاع الزراعة وامتلاك الفلاح المصري ارادته وعمله وهي تلك الفترة التي شهدت المصانع العملاقة مثل الحديد والصلب والسد العالي والنسيج والمصانع البتروكيماوية وتحديث شبكات السكة الحديد ، بل ارساء قواعد صلبة للاقتصاد المصري بعيدا عن حصار امريكا وارادة وشروط البنك الدولي ، وكما كانت المصانع الحربية والانتاج الحربي والطرح الوحدوي والعمق الاسيوي افريقي ومنظمة الوحدة الافريقية ودول عدم الانحياز .
لم يكن هيكل وهو المطلع والمثقف في كل الميادين السياسية والاقتصادية والامنية بعيدا عن كل المتغيرات التي حدثت في مصر والمجتمعات العربية ، بل هو المفكر والمحلل والمستقريء لكل الظواهر سواء في عصر الزعيم العملاق عبد الناصر واو السادات او حسني مبارك او حتى لظاهرة ما يسمى الربيع العربي ورئاسة مرسي ثم رئاسة رجل القوات المسلحة الذي يتمتد عروقه للاباء من جيل الضباط الاحرار في مصر .
هيكل وبجدارة كان من اهم المحللين والمفكرين الاستراتيجيين والذي برز دوره بشكل لامع ما بعد النكسة وكلمته الاسبوعية في جريدة الاهرام تحت عنوان "" بصراحة "" والتي كان ينتظرها العامة والسياسيون وذوي القرار سواء من الاعداء او الاصدقاء .
جعل هيكل من مؤسسة الاهرام مؤسسة عالمية وكما هي روزاليوسف وشغل اهم موقع مؤثر ما بعد النكسة وفي خضم حرب الاستنزاف عام 1970 ومن ثم وزيرا للخارجية .
نظر هيكل لعبور القناة استراتيجيا وتكتيكيا كما نظلر لحرب الاستنزاف ومردوداتها السياسية والامنية ، بل تحدث عن الجبهة الداخلية واهميتها في معركة تحرير سيناء ، لم ينسى هيكل الواقع الاقليمي ومؤثراته على مصر ، بل كان ولاخر لحظة في حياته يعرف خطورة النظرية الصهيونية ووجودها على الارض العربية وسبل وضع وسائل الدفاع والهجوم والوقاية من وجود اسرائيل .
افرد هيكل في مقالته الاسبوعية " بصراحة " اكثر من حلقة عن خط بارليف وما تدعيه اسرائيل ودوائر الغرب بانه الخط الذي لن يخترق بل كان مستقرئا وجادا في دراسة كل المناخات متنبئا بتحطيم هذا الخط من قبل القوات المسلحة المصرية في عام 1973م
لهيكل حلقات متغعددة نقد فيها ظاهرة ما يسمى الربيع العربي والمصالح الاقليمية والدولية التي اتجهت لتحطيم الدول الوطنية التي اتت بثورات بعد الحرب العالمية الثانية وارتباط ذلك بامن اسرائيل والمصالح الاقتصادية الغربية والعلاقة بين المنتج والمستهلك ومتجهات عودة الواقع العربي كصفة المستهلك عشرات السنيين .
رحل هيكل بسنة الحياة وارادة الخالق وترك لنا تراث ضخم من الكتب والمقالات للاجيال القادمة "" مع مقترح ان ينشا معهد محمد حسنيين هيكل للدراسات السياسية والاستراتيجية " فانه حق الاجيال والمجتمع العربي والذي يجب ان لايضيع... رحم الله هيكل واسكنه فسيح جناته
سميح خلف