رونالدو… سرقة الكوفية… و"الوحوش المفترسة"

بقلم: فايز رشيد

ما الذي يدفع لاعب كرة قدم مشهورا ومليونيرا مثل كريستيانو رونالدو، للمشاركة في دعاية لإحدى الشركات الصهيونية؟ خاصة في ظل ازدياد حركة المقاطعة الغربية لإسرائيل. الشركة هي في مجال الاتصالات، التي توفر سرعة انترنت كبيرة داخل الكيان الصهيوني.
رونالدو لم يكتف بذلك، بل نشر هذه الدعاية عبر صفحته الشخصية على فيسبوك وتويتر، ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها رونالدو للانتقاد من قبل أبناء شعبنا وأمتنا، حيث سبق له أن نشر تغريدة حينما زار الكيان الصهيوني، وتفاخر أنه في أرض إسرائيل. للحقيقة، (ومع قلة خبرتي في الرياضة)، فإن هذا اللاعب يحظى بإعجاب ملايين الفلسطينيين والعرب، الفرق بيننا وبين الكيان الصهيوني، أنه يسعى لاستقطاب الرياضيين المشهورين عالميا، مثلما حصل مع اللاعب ميسي، الذي سبق أن تبرع لإسرائيل بمبلغ مالي كبير، في إسرائيل كل شيء بثمن، فلا تأييد لإنسان إن لم تجر الاستفادة منه، وفقا لقاعدة شايلوكية شهيرة. إسأل نوادينا الرياضية العربية وميزانياتها بالملايين… هل حاولتم الاقتراب من هؤلاء للاستفادة منهم في شرح قضايانا العادلة؟ لقد تبرع أحد المليارديرات العرب بخمسة ملايين دولار لحديقة حيوان في عاصمة غربية، ومع أهمية التبرع كعمل إنساني، فهي في زمننا الحاضر أرحم بكثير على الإنسان من الإنسان، لكن تمنيت واتمنى لو يتبرع هؤلاء المليارديرات للحفاظ على عروبة القدس، ولاستقطاب أسماء مشهورة عالميا في مجالي الفن والثقافة، لنصرة قضايانا العادلة، ردا على الأضاليل الصهيونية.
على صعيد آخر، أقيم منذ اسبوعين ضمن ما سمي "أسبوع تل أبيب للموضة" عروض للكوفية الفلسطينية، التي تم توظيفها بعيداً عن رمزيتها المعروفة، إذ ظهرت عارضات إسرائيليات وهن يرتدين أثواباً أخذت شكل الكوفيات. سبق أن حاول الإسرائيليون سرقة هذا الرمز الوطني الفلسطيني. كما لجأت إسرائيل في العقود المنصرمة إلى تسجيل أثواب فلسطينية باسمها في الموسوعات العالمية، مثل ثوب عروس بيت لحم المعروف باسم (ثوب الملك) الذي سُجّل باسمها في المجلد الرابع من "الموسوعة العالمية". وقامت شركة الطيران الإسرائيلية (العال) بسرقة الثوب الفلاحي الفلسطيني وإلباسه لموظفات الشركة على متن طائراتها، كثوب يعبّر عن "التراث الإسرائيلي". روجوا في العالم من قبل، أن الفول والحمص هما "تراث يهودي إسرائيلي"، لذلك فإن الخطر الصهيوني غير مُدرك من قبل الكثيرين من الفلسطينيين والعرب على مختلف مناحي حياتنا. من آخر سرقات الكيان: محاولة ترويجه للزعتر باعتباره "تراثا إسرائيليا"، يحاولون بكل الوسائل اختلاق تاريخ قديم لهم، كما يحاولون عنوة إلصاق أنفسهم بالمنطقة، نقول تعليقا: مثلما "رائحة البن جغرافيا"، فإن الزعتر أيضا، جغرافيا فلسطينية بامتياز، يرد الزعتر كثيرا في الشعر العربي والفلسطيني، على سبيل المثال لا الحصر، قصيدة "أحمد الزعتر"( ليدين من حجر وزعتر…هذا النشيد لأحمد المنسيّ بين فراشتين.. الخ). لمحمود درويش، قصيدة "تل الزعتر" لمظفر النواب.. وهما قصيدتان في الإشارة إلى مذبحة "تل الزعتر" عام 1976على أيدي الكتائب، بمساندة من إسرائيل. الزعتر الفلسطيني هو من ذات الأجواء التراثية الفلسطينية الأصيلة .. فهو أيضا تاريخ، خاصة الآتي من فلسطين.
من جانب ثان، وصف رئيس الحكومة الصهيوني بنيامين نتنياهو، في تصريحات لافتة، "إسرائيل" بأنها "فيلا يجب حمايتها من الحيوانات المفترسة، ببناء مزيد من الجدران". تساءل متابعون عن المصطلح الذي استعمله نتنياهو، "حيوانات مفترسة"، وكشفت ردود أفعال "الإسرائيليين" الذين علقوا على الخبر، الذي أوردته صحيفة "يديعوت احرونوت" عن المعني بالتعبير الذي يقصده نتنياهو؟ يقول أحد المعلقين: "نتنياهو يقول عن كل جيراننا أنهم حيوانات؟ ماذا يعني ذلك؟ نتنياهو يريد إدخال الشعب "الإسرائيلي" في غيتو. من ناحيته قال شاي هون في "معاريف" : "نعم الحيوانات المفترسة أفضل وصف يمكن إطلاقه على الفلسطينيين".علق أحدهم في "هآرتس" مخاطبا العنصري نتنياهو: "أنت لا تختلف عن العرب الجهلاء، فهم يقولون عنا أننا أبناء القردة والخنازير". وكانت حكومة نتنياهو قد صادقت على بناء الجدار على امتداد الحدود مع الأردن منتصف العام الماضي 2015. رغم إعجاب نتنياهو بفكرة إحاطة الكيان بجدران كاستراتيجية أمنية، إلا أنه لم يكن الأول المبادر لها. فقد تداولت الحكومات الصهيونية المتتالية منذ تسعينيات القرن الماضي، فكرة بناء جدار فاصل بين "إسرائيل" والأراضي الفلسطينية، لصد العمليات الاستشهادية التي كان الفلسطينيون يشنونها في قلب مدن الكيان. وواجهت هذه الفكرة انتقادات واسعة من اليمين الصهيوني المتطرف والأكثر تطرفا، وممن يسمى ظلما بـ "اليسار": بأن الجدران ستقسم، عمليا، "أرض إسرائيل".
الكاتب والصحافي الأمريكي، إريك لارسون، استعمل هذا المصطلح في كتابه "الدبلوماسية.. الحب والرعب في عاصمة الرايخ الثالث"، لكن الأصول الأولية له تعود إلى التناخ "العهد القديم"، ويستعمله "الإسرائيليون"، اليوم في الإشارة إلى إمكانية عدم إقامة السلام مع العرب. يقتبس آفي شلايم، أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ في جامعة أكسفورد وأحد أهم رموز مدرسة المؤرخين "الإسرائيليين الجدد" عنوان كتابه القيم عن نظرية "الجدار الحديدي" لزئيف جابوتنسكي أحد الصهاينة الأوائل في هذا القرن. فقد كان جابوتنسكي اول زعيم صهيوني مهم، يقرّ بانه لا يتوقع من الفلسطينيين، التخلي طوعا عن حقهم القومي في تقرير المصير. لهذا كان يرى أنه من غير المجدي في تلك المرحلة المبكرة من المشروع الصهيوني فتح حوار معهم، ولا مفر (من وجهة نظره) من تنفيذ البرنامج الصهيوني من طرف واحد، وبالقوة. وانطلقت رؤية جابوتنسكي لهذه القضية من ضرورة تنفيذ المشروع الصهيوني، خلف جدار من حديد، يعجز السكان العرب المحليون عن هدمه. جاء تاريخ دولة الكيان تأكيدا لاستراتيجية الجدار الحديدي لجابوتنسكي. غير ان مخاطر تلك الاستراتيجية، بحسب شلايم، تمثلت في تمسك الزعماء "الاسرائيليين" بمرحلة محددة منها، ليرفضوا التوصل الى السلام، مرارا وتكرارا، حتى عندما مدت لهم الأيدي من الجانب الآخر. ويأسف المؤلف لتضييع "اسرائيل" فرص ونوايا السلام، التي توفرت من جانب الدول العربية على طول سنوات النزاع الطويلة، بحسب شلايم، فإنه يلاحظ أن سياسيي اليمين الصهيوني باعتبارهم حملة ارث جابوتنسكي، كانوا اكثر ميلا للوقوع في اسر الجدار الحديدي، وتبنيه كوسيلة دائمة للحياة. فمثلاً تلخص فهم اسحق شامير للجدار الحديدي في "انه حصن في وجه التغيير، ووسيلة للابقاء على الفلسطينيين في حالة خضوع". في السياق نفسه جاءت أقوال بيغين وغيره من زعماء الدولة الصهيونية.
العيش في "الغيتو" هو سمة قديمة لليهود، حتى في العصورالسابقة بما فيها الأندلسي قبل ستة قرون، عاش اليهود في "الغيتوات" الخاصة بهم، غير أنهم يحاولون إلصقاها بالعرب، من خلال الادعاء بأن الأخيرين هم من عزلوهم في الغيتو عنوة، وحول أصل الجدار، تورد المعلومات التي وردت عنه، في طبعات الموسوعة البريطانية "بريتانيكا" تناقضا حول بداية وجوده، ففي الوقت الذي حددت فيه طبعة (1956) أول وجود رسمي له، كان في فينسيا في إيطاليا سنة 1556، لكن ظهر في طبعة (2001): أن أول وجود له كان بالمغرب الإسلامي سنة 1280م. الموسوعة أضافت أيضا: لقد وُجد "الغيتو في بعض البلدان الإسلامية مثل اليمن حتى الهجرة الكبرى إلى إسرائيل 1948". لكن فات محررو الموسوعة، أن الهجرة الكبرى حصلت ليهود عدن يوم كانت محمية بريطانية (1839 ـ 1948)، وسميت حينذاك بعملية البساط السحري، حيث أحرقت الجمعيات الصهيونية بمباركة بريطانية، بيوت منازل اليهود، وأحضروا لهم السفن بميناء عدن. ومما يذكر أن منطقة "الملاح" المغربية بمدينة فاس، حيث سكن اليهود، ليس فيها أي أثر من آثار الغيتوات، فلا أسوار عالية ولا بوابات محكمة. نعم، كان الغيتو في القرون الوسطى يعني كمصطلح اجتماعي يشمل اليهود وغير اليهود، وليس له بالضرورة أي تطبيق رسمي أو قانوني خاص باليهود دون غيرهم.
"الغيتو" هو فكرة، اخترعها اليهود منذ القدم، إن أول من كتب حول المفهوم (وفقا للمؤرخ برنارد لازار، الصحفي الألماني ولهلم ماد في كتابه المعنون بـ"انتصار اليهودية على الجرمانية" وكان ذلك عام 1873. يخلص لازار في استعراضه لهذا المفهوم إلى نتيجة تقول:"إن خاصية المماحكة لدى الطوائف اليهودية أعطت ذرائع سهلة للعداء لليهود. لقد توارت تلك الطوائف خلف سياج.. اعتقد أفرادها أنهم مشربون بخاصية استثنائية.. اليهودي يفخر بامتياز توراته، حتى أنه يعتبر نفسه فوق وخارج بقية الشعوب… لقد اعتبر اليهود أنفسهم "الشعب المختار" الذي يعلو كل الشعوب، هذا وفقا للكاتب الإسرائيلي إسرائيل شاحاك. يتقاطع مع هذا التفسير أيضا المؤرخ آرثر كوسلر في كتابه القيّم "مملكة الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشرة".
كتبت كارولينا ليندسمان في "هآرتس" 13 فبراير 2016 "إن اقوال بنيامين نتنياهو في أننا محاطون بحيوانات مفترسة، هي صياغة دقيقة للوجدان الإسرائيلي، خلاصة الروح اليهودية في بلادها" كتب موشيه فيغلين على صفحته على الفيسبوك معقبا على بعض الأصوات القلـــيلة التي انتقدت نتنياهو: "من يتألم لوصف الأشرارعلى حقيقتهم. يعطي شرعية للشر، ويشجع القتل التالي… يشجع أولئك الذين يحاولون الخروج من علبة اوسلو والمفـــاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أولئك الذين يسعون لليقظــــة من احـــلام السلام، نعم يتوجب تحطيم وهم الدولتـــين، وهذيان الدولة لكل مواطنيها، أو الدولة ثنائية القومية ـ كل اولئك لم يعودوا يتجادلون على الحقائق أو على المواقف السياسية. فقد تركوا الحقائق التاريخية وانتقلوا للحديث عن المشاعر".
نتنياهو يستغل الوضع العربي والإقليمي المتردي، وهو المعروف عنه، بأنه من أفضل من يستغل الظروف ويوظفها لصالح سياسته العدوانية العنصرية المستعلية. أيضا فإن التعبـــير منتشر في أدبيات صهاينة الكيان، ومناهجه التدريسية، وفي كتبه الدينية، فهناك الكثير من العبارات الشبيهة التي تصف الأغيار والعرب بأقذع الأوصاف، نقول لنتنياهو ولكل العنصريين الصهاينة: خسئتم، ستظل الكوفية فلسطينية خالدة أبد الدهر، لقد عاش اليهود في الدول العربية، قبل المشروع الصهيوني، أهنأ وأفضل عيش، مثلما عاشوا في الأندلس قبلا، بعد طردهم من روسيا وغيرها.
لقد أبدع العالم العربي ذو الدين اليهودي موسى بن ميمون، ودخل قصور حكام الأندلس، وبنيت له التماثيل، انتم من اخترتم العيش خلف الأسوار، لشعوركم باستثنائية التوراة وبأن "الأغيار"- كل غير اليهود- خَدَما لكم، فعلى من ينطبق وصف "الوحوش المفترسة"؟

٭ كاتب فلسطيني

د. فايز رشيد