الطاولة المستديرة هي الحل لكافة القضايا !!!

بقلم: رامي الغف

إن أول من دعى إلى الطاولة المستديرة هو الملك البريطاني (القائد آرثر) في القرن السادس عشر الميلادي، حيث كانت بريطانيا وقتها تشهد حرباً أهلية بين أصحاب النفوذ في هذه المملكة الكبيرة، فدعى الملك آرثر جميع أطراف النزاع للجلوس الى الطاولة المستديرة وبدأوا يتفاوضون لحل مشاكلهم وخلافاتهم على طاولة مستديرة، بمعني لا يوجد فيها من يرأس هذه الطاولة مع وجود الملك ضمن الجالسين عليها، ولكن كان هو من يدير دفة الجلسات والنقاشات والمفاوضات بشكل غير مباشر، مما دعى الى القضاء على الحروب الداخلية والصراعات والانقسامات واستقرار الأوضاع في هذه المملكة، وسجل الملك آرثر نجاحاً فريدا من نوعه في هذه التجربة الوليدة.

إن الأوضاع في فلسطين ليست ببعيدة عن شكل الأوضاع في بريطانيا آنذاك، حيث في الوطن الفلسطيني إنقسام وصراع مرير وعدم إستقرار، وكل طرف يريد ان يتغلب على الطرف الأخر، وهناك معركة محمومة من اجل أثبات الوجود ولو بالطرق الغير مشروعة، لذلك يحتاج قادة الوطن الفلسطيني لمثل هذه الطاولة المستديرة للجلوس حولها، لطرح كافة القضايا والأفكار التي تؤدي الى حلحلة الوضع والتي تساهم في طريق بناء الوطن العتيد.

إن فكرة الجلوس حول الطاولة المستديرة يكون هدفها الاسمى أن الجميع شركاء في هذا الوطن، وهي ترسخ لمبدأ الوحدة والتكاتف وطمس روح المنافسة الشخصية، بل ليتنافس الجميع في خدمة المواطن لا لخدمة الكرسي الذي يشغله، كما انها الحل لنبذ الفرقة وإحياء روح الأخوة والوطنية وجعل الجميع في خندق واحد ومسئولية واحدة لدفع عجلة الوطن نحو الأمام.

لقد آن الأوان أن يجد جميع أطياف الشعب الفلسطيني طريقًا وأسلوبًا جديدًا في التعاطي مع أزمات الوطن المتفاقمة، وإيجاد المخارج والحلول الصحيحة لها، والتأسيس لمرحلة جديدة أساسها الإرادة والثقة المتبادلة بين الجميع، فلا فرق بين هذا وذاك، وعلى الجميع أن يغلق صفحة السنوات الثمانية الماضية التي أضافت إلى شعبنا أثقالًا جديدة على معاناتهم وأزماتهم، والبحث عن المشتركات التي تقرب الحلول وتضمن سير تنفيذها، والأهم أن تطرح كل القضايا العالقة على الطاولة المستديرة، والتي نطالب أن يكون الأخ الرئيس محمود عباس (ابو مازن) من يدير دفتها، ليتحمل كل طرف مسؤوليته بأمانة وشرف من دون التلويح باشتراطات لم تجد لها طريقًا للتحقيق على أرض الواقع قد تدخل وطننا مرة أخرى بخانق لا يمكن هذه المرة الخروج منه، لان الوضع المعيشي والحياتي والسياسي والوطني والحياة اليومية الشعبية في وطننا لا تحتمل أكثر من هذه الأزمات المفتعلة والتي تؤدي بنا إلى المهالك.

إن الطاولة المستديرة التي ننادي بها يجب أن تكون طاولة وطنية بحق وتعقد هنا في فلسطين، تحقق لحوار فعال وصحيح بين الكل الفلسطيني، تناقش حولها معاناة ومشاكل وطموحات وآمال وآلام شعبنا، ولاشك ان مواضيع شتى تهم حياة شعبنا في هذه الأوقات العصيبة بدأ بالانقسام والحصار والإغلاقات مرورا بانقطاع الكهرباء والمياه والدواء والغذاء التي تمثل أهم معاناته ومشاكله اليومية، فالشعب من حقه وبإمكانه ان تتحسن أحواله من سنة الى اخرى فتكون مثل أحوال بقية شعوب الأرض، ومن حقه ان يحلم بالتحسن وان يلمسه، ومن حقه ان يتأكد من ان مستقبله سيكون أفضل من حاضره وان مستقبل أبنائه وأحفاده أفضل مما كان عليه حال آبائه وأجداده او حتى من حاله الحالي.

ان المشاركة الفاعلة والجلوس حول هذه الطاولة لوضع البرامج والآليات والحلول للمشاكل التي تواجه وطننا الفلسطيني وخاصة فيما يتعلق بالعملية السياسية والوطنية، ستكون بلا شك مقومة وداعمة للمشروع الوطني والأخذ بالوطن الى بر الأمان، فاجتماع القيادات بكافة توجهاتهم كونهم المعول عليهم لقيادة فلسطين لتلبي طموحات الشعب الذي أعطى الكثير من التضحيات، فالتصلب في أراء بعض القيادات والسياسيين، واتخاذها مواقف متشنجة وارتفاع سقف مطالبها قد أوصل الحال في الوطن الفلسطيني، إلى حالة من تخبط بغياب الرؤيا السياسية الواضحة.

لنتوحد جميعا جماهير وقوى سياسية وأحزاب وفصائل وشخصيات وطنية ومجتمعية ومستقلين وكتل في المجلس التشريعي ومؤسسات سياسية وثورية ومجتمع مدني ومن كافة الأطياف والشرائح والاتجاهات الفلسطينية، وبروح القيادة والإرادة السياسية الجادة في إنهاء الخلاف وإنهاء الانقسام، فالدافع الوطني الذي نبغي به وننشده هو تأسيس حكومة الشراكة والتفاهم والحكم الرشيد القادر على النهوض بكافة الملفات والبرامج والسياسات الوطنية الفلسطينية، أمام التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه وطننا وخاصة التعنت والهمجية الصهيونية تجاه أرضنا وشعبنا وقيادتنا ومقدساتنا وقضيتنا الفلسطينية العادلة.

إن المسؤولية الوطنية هو ما نحتاجه اليوم من كل القادة وأصحاب القرار في وطننا، ومن كافة مسؤولي أجهزة دولتنا الفلسطينية التنفيذية والتشريعية والقضائية والحكومية، وجعله الهدف الاسمى الذي يعملون من اجله والوصول الى اعلى مراحل الاحساس به، وعليهم كذلك تحفيز هذا الاحساس لدى كل الكوادر والأعضاء العاملين والموظفين تحت لواءهم، وعلى شعبنا الفلسطيني اليوم أن يكون له كلمة الفصل بإجبار هؤلاء على وقف تناحرهم ودفعهم للاهتمام بالوطن والمواطن لا بالكرسي فقط.

لذلك ندعو للجلوس حول الطاولة المستديرة فورا، لأن الواقع الفلسطيني اليوم لا يحتمل أكثر، فالشارع محتقن من وجود الإنقسام وسوء الخدمات والتشرذمات والإتهامات والتخبط والبطالة والحصار وإنقطاع الكهرباء ونقص الماء الصالح للشرب، ويعلم هذا الشارع كل العلم بأنه المتضرر الوحيد من هذا الإنقسام والتصارع، فنجد بعض القيادات والساسة اليوم يتصورون بأنهم في منأى من أي تغير قد يحصل في المستقبل ضدهم ويتصورون انهم الأقوى وإنهم الأقرب إلى قلوب المواطنين، لكن الواقع يقول عكس هذا لما يلاقوه من أذى سببه عدم الشعور بالأمن والامان، فالخدمات معطلة تقريبا والواقع الإداري والمالي في مؤسساتنا ووزاراتنا ودوائرنا الوطنية أشبه بالكارثي لسوء الإدارة وللبيروقراطية المقيتة التي هي في أعلى مستوياتها في هذا الوطن الجريح.

إن الواثقون بأنفسهم وبشعبهم من أحرار وشرفاء شعبنا، لا يخشون الجلوس حول الطاولة المستديرة التي نقترح تنبيها والجلوس حولها فورا، لتبحث حولها كل القضايا والمشاكل للخروج بشعبنا وقضيتنا ومستقبلنا لبر الأمان، طاولة تتسع لكل الوطنيين والمخلصين من الحريصين على وطننا فلسطين وجماهيرها وأهلها، فلسنا هنا فرقاء حرب حتى لا تجمعنا هذه الطاولة ولا تفصل بيننا وبين الآخرين أي موانع او انهار دماء او صراعات مسلحة حتى نستبعد الجلوس معا على هذه الطاولة.

آن الأوان أن يجلس القادة والسياسيون ويجدوا طريقًا وأسلوبًا جديدًا في التعاطي مع أزمات وطننا، وإيجاد المخارج والحلول الصحيحة لها، والتأسيس لمرحلة جديدة أساسها الإرادة والثقة المتبادلة، ويغلقوا صفحة السنوات الماضية التي أضافت إلى شعبنا أثقالًا جديدة على معاناتهم وأزماتهم, والبحث عن المشتركات التي تقرب الحلول، وتضمن سير تنفيذها، والأهم أن تطرح كل القضايا العالقة على طاولة البحث ليتحمل كل طرف مسؤوليته بأمانة وشرف من دون التلويح باشتراطات لم تجد لها طريقًا للتحقيق على أرض الواقع قد تدخل وطننا مرة أخرى بخانق لا يمكن هذه المرة الخروج منه لان الوضع لا يتحمل أكثر من هذه الأزمات المفتعلة والتي تؤدي بنا إلى المهالك.

أخر الكلام:

الحراك السياسي والنضوج في التعامل مع الأزمات وبشكل جدي وصحيح، هو ثمرة لتعمير وبناء ونماء الوطن، فلابد له ان يمر عبر التحاور والنقاش للتوصل الى حلول سريعة للخروج من عنق الزجاجة.

بقلم/ رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي